| شبابنا والثقافة الحديثة، ضرورة الثقافة
شبابنا والثقافة الحديثة، ضرورة الثقافة ، د. رضا العطار
لقد عانت حركة الثقافة التوجيهية في العراق في الثلث الاخير من القرن العشرين ابان حكم البعث تصدعا جذريا مفزعا، يصعب تصوره، يكفي ان نعرف ان الحروب الخارجية التي خاضها النظام، وسياسته القمعية قد خلفت الملايين من الشباب الأمي، يجهلون القراءة والكتابة. يعانون من بؤس ثقافي وفاقة فكرية، قاربت حافة العدم.
لكن بعد التحرير برزت نزعة الرقي الثقافي في اوساط واسعة من الشباب بشكل يلفت النظر. يذكرنا بالجاحظ زمن العباسيين بعد ان جُلبت صناعة الورق من الصين وانكب الكتاب يؤلفون وهو يصف شغف العراقي للقراءة (كأنقضاض الاسد على فريسته)
لا زلت استذكر زيارتي الى بغداد عام 2003 بعد ان تنفس ابناء الوطن طعم الحرية، حيث التقيت خلالها بطريق الصدفة بمعلم ابتدائية متقاعد، و طلبت منه ان يحكي لي عن وضعه الاقتصادي، فقال: كان راتبي التقاعدي دولارا واحدا في الشهر خلال السنوات العجاف، لكن عندما حدث التغيير، اعطوني ستين دولارا دفعة واحدة، قبل ان يتحدد راتبي التقاعدي الجديد وهنا قاطعته مستوضحا : وماذا فعلت بالمبلغ ؟ فقد كنت انتظر منه ان يقول : ذهبت الى السوق واشتريت بكل المبلغ لحوما ووضعتها في البراد بعد ان حُرمت وافراد اسرتي من أكل اللحم سنوات طوال، لكن جاء جوابه عكس ما كان متوقعا، حيث قال: نصبت به على سطح بيتي فضائية، لأطلع على اخبار العالم بعد ان حرمت منها عقود من الزمن، فعظمت بما سمعت وفرحت للموقف المتنور لمحدثي.
ومع اننا ما زلنا بعيدين عن الوقت الذي نستطيع فيه ان نقول ان الشباب العراقي يمكنه ان يجد كل ما يطمح اليه من الثقافة السامية الوافية في المؤلفات العربية، لكننا نستطيع ان نقول انه سيجد فيها ما ينبهه ويرقيه، ولن يكن الزمن بعيدا حين تزكو المؤلفات وتتفاعل مع مجتمعنا المتغير، فيكون التطور الذهني الذي ننشده، وعندئذ نستطيع ان نهتدي بثقافة حية في هذه البلبلة العصرية التي تتصارع فيها الافكار الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فلا يخلو شاب من نزعة ارتقائية تبعث فيه الرغبة والنشاط كي يعلو على نفسه ويسمو الى مستويات ارفع من المستوى الذي يعيش فيه. وهذه النزعة الى الارتقاء او كما يسميها برنارد شو شهوة التطور، تتخذ اشكالا مختلفة تتأثر بالبيئة الاجتماعية والأهداف المنشودة، فقد يطمح الشاب الى الثراء او الوجاهة او الرياضة او الدراسة، وقد يكون اختباره لواحد من هذه الاهداف متأثرا بسلوكه ايام الطفولة، و كأنه رواسب السنين الاولى من العمر، وقد يكون الدافع لهذا الاتجاه الثقافي نتيجة نضوج قد نشأ عن وعي او بشيء منه.
و حديثي هذا في الثقافة اقدمه كمحاولة لأرشاد الشباب نحو الارتقاء الثقافي في حدود البيئة الاجتماعية العراقية على وجه عام. او هو توجيه لشهوة التطور وفتح الابواب الى النشاط الدراسي . فنحن نعيش في عصر انفجاري مملوء بالاحداث والانقلابات والثورات والحروب. ولم يحدث قط ان عاش البشر في مثل عصرنا. ففي النصف الاول من القرن العشرين وخلال اقل من ثلاثين سنة، شبت حربان عالميتان، استعملت فيها القنبلة الذرية، وصعد الانسان الى القمر واتصل بالكواكب الاخرى في الكون. كل هذا يدل على ان وطأة العلم على المجتمعات قد اشتدت، وان الثقافة اصبحت ضرورة محتومة على كل انسان، واننا يجب ان نتغير ونتكيف ونتطور، لان الركود في مثل هذه الظروف جريمة والتغير الذهني بالارتقاء الثقافي هو بعض هذا التطور او هو اهمه.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط