بغداد/ شبكة أخبار العراق قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي ،السبت،أن المشهد الراهن يقترب من “السقوط الحر” لأسعار النفط، داعيًا إلى ما وصفه بـ”تجميد البذخ الانتخابي وتشكيل خلية أزمة حكومية عاجلة”.واضاف في تصريح صحفي: “سعر خام البصرة الثقيل وصل إلى 59 دولارًا، والمتوسط عند 60، وهذا الانخفاض قد يدفع أسعار النفط إلى حدود 50 دولارًا في الأسابيع المقبلة، وهو مستوى مقلق للغاية.”ويضيف أن “المطلوب فورًا هو إيقاف الصرف المفرط على الحملات الانتخابية التي تجاوزت حدود المعقول، إذ تُنفق فيها ترليونات الدنانير بلا وعي مالي، في وقت يحتاج فيه البلد إلى إدارة رشيدة لكل دينار.”المرسومي يشير كذلك إلى أن استمرار هذا التراجع قد يؤدي إلى “ارتفاع الدين الداخلي إلى مستويات خطيرة مع نهاية العام، تصل إلى ثلاث مراتب عشرية”، محذرًا من أن الأزمة ليست محاسبية بل هيكلية، وقد تتحول سريعًا إلى أزمة سيولة تضغط على الرواتب والاستثمارات معًا.وفي هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي منار العبيدي أن التراجع الحالي في الأسعار “ليس أزمة طارئة، بل اختبارٌ للبنية الريعية نفسها”، موضحًا أن “العجز المالي الذي قد يلوح في الأفق لا يعود إلى انخفاض الأسعار فحسب، بل إلى غياب التخطيط المالي بعيد المدى”.ويضيف: “المشكلة لا تُقاس بسنة مالية واحدة، بل بمدى استعداد الدولة لإدارة عقدٍ كامل من الصدمات الاقتصادية. الحكومة لا تملك صندوق سيادي، ولا نظام ادخار حقيقي، ولا آلية تحوّط ضد الأزمات.”العبيدي يرى أن استمرار الوضع الراهن سيدفع الحكومة إلى إجراءات اضطرارية، مثل مبادلة الديون بالأصول العامة أو تأجيل صرف الرواتب أو رفع الدعم عن المشتقات النفطية، وهي خطوات تمثل إدارة قصيرة المدى للعجز أكثر من كونها حلولًا مستدامة.التجارب المقارنة تقدم صورة واضحة عن اتجاهات السياسة الاقتصادية. فحين انهارت أسعار النفط عام 2014، لجأت فنزويلا إلى طباعة العملة وتمويل العجز بالديون، فانهارت عملتها ودخلت في تضخم مفرط. في المقابل، واجهت السعودية والإمارات الأزمة نفسها بإنشاء صناديق سيادية وتنويع اقتصادي منضبط.أما العراق، فبقي في منطقة رمادية: لا يملك مرونة مالية كالدول الغنية ولا قاعدة إنتاجية كالاقتصادات الصناعية.يشير العبيدي إلى أن “العراق ما يزال يعالج الأزمات بالأدوات نفسها التي أنتجتها”، وأن الاستجابة اللحظية أصبحت بديلًا عن الرؤية الاستراتيجية. كل تراجع في الأسعار يدفع إلى الاقتراض، وكل ارتفاع مؤقت يعيد الإنفاق إلى سابق عهده، وكأن الدرس لا يُستوعب أبدًا.تُظهر القراءة الاقتصادية المتكاملة أن انخفاض أسعار النفط الحالية ليس مجرد أزمة مالية مؤقتة، بل إنذار استراتيجي لنموذجٍ لم يعد صالحًا للاستمرار. فالدولة التي تبني موازناتها على مورد واحد، وتُهدر فوائضها في مواسم الرخاء، لا تملك أدوات حماية في فترات الانكماش.وبحسب مراقبين، فإن دعوة نبيل المرسومي لتشكيل خلية أزمة، وتحليل منار العبيدي لقصور التخطيط المالي — كلها تصب في نقطة واحدة: أن العراق يحتاج إلى إعادة تعريف علاقته بالنفط، من مصدر ريعي للإنفاق إلى رافعة تنموية للانتقال نحو اقتصاد إنتاجي متنوع.ويبقى السؤال الأخطر الذي يواجه صناع القرار اليوم: هل يتعامل العراق مع النفط كـ”مورد مؤقت” يُستثمر لبناء المستقبل، أم كـ”مورد دائم” يُستهلك في الحاضر؟الإجابة على هذا السؤال، لا على الأسعار، هي التي ستحدد ما إذا كانت الموازنة القادمة بداية التعافي أم الفصل الأول في أزمة ممتدة.