آخر تحديث:

 بغداد/ شبكة أخبار العراق أوضح المختص في الشأن المالي والاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي ،الثلاثاء 16/9/2025، أن “سوق الصرف في العراق يشهد تذبذباً ملحوظاً في أسعار الدولار مقابل الدينار، وهو ما يترك انعكاسات مباشرة على الواقع الاقتصادي والتجاري”.التوصيف يترجم حالة قائمة منذ سنوات، إذ لم تعد إجراءات البنك المركزي قادرة على ضبط الفجوة بين الرسمي والموازي، خصوصاً بعد أن تحولت السيطرة من المنصة الإلكترونية إلى هيمنة شبكات السوق الموازي. وتشير تقديرات بحثية إلى أن هذه الفجوة لم تعد مرتبطة فقط بالإجراءات الفنية، بل بعوامل أعمق تتعلق بطبيعة الاقتصاد الريعي والاعتماد شبه الكامل على الاستيراد.

 المنصة الإلكترونية، التي فرضت عام 2023، أبرز أدوات الرقابة الأمريكية على التحويلات. إذ ألزمت المصارف بكشف هوية المستفيد النهائي خلال 24 ساعة فقط، بعد أن كانت المهلة 20 يوماً. هذا الإجراء دفع العديد من المصارف والتجار إلى العزوف عن التعامل المباشر مع نافذة العملة.وبرغم أن المنصة أُلغيت هذا العام، فإن أثرها ظل ماثلاً من خلال استمرار فجوة لا تقل عن 1012 نقطة بين السعر الرسمي الجديد (1144) والسوق الموازي. وفق تقديرات مصرفية، فإن الإلغاء لم ينهِ الاعتماد الفعلي على قنوات غير رسمية، بل أعاد النشاط للسوق الموازي وأبقى التحكم بعيداً عن المؤسسات الرسمية.

من جهة أخرى، حاول البنك المركزي مواجهة الأزمة عبر فتح قنوات للتحويل بعملات بديلة كالدرهم الإماراتي والليرة التركية والروبية الهندية واليورو. وكان قد أوضح محافظ البنك المركزي علي العلاق أن “البنك ماضٍ في الاستغناء عن التحويلات الخارجية تدريجياً، وفتح قنوات مباشرة مع مصارف أجنبية بعدة عملات”.

غير أن الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي أشار في وقت سابق إلى أن “العراق سيبقى أسيراً للدولار ما دامت صادراته النفطية مقومة به، وما دام احتياطيه يغلب عليه”. وبحسب قراءات بحثية، فإن التنويع يبقى ذا أثر محدود، لأن المعاملات التجارية الكبرى مع الصين ودول أخرى لا يمكن تسويتها إلا بالدولار في نهاية المطاف.

ويضيف الشيخلي أن “استمرار هذا التذبذب يضعف ثقة المستثمرين ويؤخر الكثير من الخطط التجارية”. هذا التشخيص يلتقي مع ما كان قد صرّح به المسؤول السابق في البنك المركزي محمود داغر حين أكد أن “السياسة النقدية لا يمكن أن تعمل بمعزل عن السياسة المالية والتجارية”.

فالعراق، بحسب داغر، يستورد أغلب احتياجاته عبر قنوات غير منتظمة، ما يخلق طلباً موازياً على الدولار ويضعف أثر السياسة النقدية. وفي السياق ذاته، أوضح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح أن “ثنائية العملة داخلياً من أخطر المظاهر، وأن التعامل بغير الدينار يضرب مراكز الاستقرار الاقتصادي”. هذه الملاحظات تشير إلى أن الإصلاح لا يمكن أن يكون نقدياً صرفاً، بل يتطلب إعادة بناء السياسة التجارية والمالية معاً.

لم تكن الأزمة النقدية بمعزل عن التوازنات الإقليمية. فقد أوضح داغر في وقت سابق أن “مضمون الأزمة الحالية هو صراع الولايات المتحدة وإيران”، بينما أكد رئيس مركز الأمصار للدراسات الاستراتيجية رائد العزاوي أن “خطوات الفدرالي هدفت لكبح تدفق الدولار إلى إيران عبر العراق، لكن النتيجة أن العراقيين حكومة وشعباً هم من يدفعون الثمن”. هذا البعد السياسي يعزز فرضية أن الأزمة النقدية ليست مجرد خلل اقتصادي، بل انعكاس مباشر للصراعات التي يتأثر بها العراق بحكم موقعه الجيوسياسي.

وختم الشيخلي بالتأكيد أن “استقرار سعر الصرف يشكل عاملاً محورياً في دعم النمو الاقتصادي، وتنشيط القطاع التجاري، وحماية دخل المواطن العراقي من التآكل”. هذا البعد الاجتماعي يعكس أن المواطن يبقى الطرف الأكثر تضرراً من كل موجة تذبذب.

وكان الخبير المالي حسام الخيزران قد أشار في وقت سابق إلى أن “المضاربة المتواصلة والتهريب يهددان قيمة الدينار، وأن الأسر تدفع الثمن الأكبر لأن أغلب المواد الغذائية مستوردة بالدولار”. وفي السياق ذاته، دعا الباحث الاقتصادي أحمد عبد ربه إلى إطلاق حزمة إصلاحية شاملة، بينما حذر الخبير زياد الهاشمي من “مزيد من الارتفاعات بسبب شح المعروض من الدولار”.

المسار الممتد من خفض الدينار عام 2020، إلى تخفيض السعر في 2023، إلى تجربة المنصة وإلغائها في 2025، يوضح أن الأزمة تراكمية الطابع. ما تغيّر هو الأدوات: من قرارات حكومية إلى رقابة دولية ثم العودة إلى إدارة محلية، وما لم يتغيّر هو هيمنة السوق الموازي على حركة الصرف.

الأثر المتوقع يتمثل في استمرار الفجوة بين الرسمي والموازي ما لم تُعالج الاختلالات البنيوية: ضعف السياسة التجارية، تعدد المنافذ غير الرسمية، واعتماد الدولة على النفط والدولار كمورد شبه وحيد. وفي المحصلة، يظل المواطن هو الخاسر الأكبر من هذه الأزمة الممتدة، إذ يدفع من قوته اليومي ثمن التوازنات الداخلية والخارجية التي لم تُحسم بعد.

شاركها.