اخبار العراق

| الصناعة العراقية.. رهينة «أجندات» سياسية


20240817
منذ تسعينيات القرن الماضي بدأت الصناعة العراقية بالاندثار بسبب الحصار الدولي الذي أطاح باقتصاد الدولة، ما أدى إلى انتكاسة خطيرة انعكست آثارها على المصانع والمعامل والورش وتضاءلت فرص الإنتاج إلى حد كبير لتصل إلى مرحلة الكساد التام في العام 2003، حيث تم فتح أبواب الاستيراد على مصراعيها، إلا أن مختصين يؤكدون أن هناك إرادة سياسية تتعمد تعطيل الإنتاج المحلي.

وبهذا الصدد، يقول عضو لجنة الصناعة البرلمانية ياسر الحسيني، خلال حديث
، إن “هناك إرادة سياسية هي من عطلت منذ سنين طويلة الصناعة المحلية المختلفة وهي ما زالت تعطل تلك الصناعة، إضافة إلى إرادة خارجية سياسية واقتصادية تعمل على هذا التعطيل”.

ويضيف الحسيني، أن “القطاع الصناعي في العراق ما زال مهملا وغير فاعل بشكل حقيقي في السوق المحلي التي تعاني من غزو البضائع المستوردة، وهذا جزء من سياسة تدمير الاقتصاد العراقي، وإبقاء الاعتماد على الاستيراد بالدرجة الأساس”.

ويشير إلى أن “مجلس النواب داعم وبقوة من خلال التشريع والرقابة لتقوية الصناعة الوطنية بمختلف أنواعها، لكن يبقى هذا الأمر مرهون بالإرادة السياسية والتي نعتقد أنها ما زالت غائبة ولهذا سيبقى العراق بلا صناعة مهما حاولت بعض الجهات الحكومية تطويرها خلال المرحلة المقبلة”.

يذكر أن المجلس التنسيقي الصناعي، عقد قبل أيام اجتماعه الأول برئاسة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، واتخذ جملة قرارات وإجراءات، منها أهمية التكامل بين إقليم كردستان العراق وباقي المحافظات في تنمية الصناعة الوطنية، وأن أسواق كبرى سيتمّ تفعيلها من قبل وزارة التجارة بالاشتراك مع القطاع الخاص وستكون مكاناً لعرض المنتجات الصناعية المحلية.

وتحوّلت الصناعة العراقية إلى “سلعة” سياسية يحاول رؤساء الحكومات حصد إنجاز إعلامي بها ورفع رصيدهم الشعبي فقط، بحسب ما يرى مراقبون، ويؤكدون غياب أي حلول حقيقية لدعمها، سواء بفرض ضرائب على البضاعة المستوردة أو المساهمة بتسويقها داخليا، أكدوا أن دعم هذه الصناعة وخاصة الكهربائية سيشكل موردا ماليا كبيرا للدولة.

من جهته، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “إعادة تنشيط الصناعة الوطنية أمر مهم لتقوية الاقتصاد العراقي، بهذا سيقوى العراق اقتصاديا داخليا وخارجيا، كما أن هذه الصناعة سوف تقلل من الاستيرادات الخارجية وهذا له عوامل اقتصادية مهمة، أبرزها تقليل خروج العملة الصعبة للخارج”.

ويلفت الكناني، إلى أنه “مضى على عمر الحكومة العراقية الحالية فترة طويلة، لكن لغاية الآن لم نر تفعيلا حقيقيا للقطاع الصناعي، ولا حتى دعما حكوميا للقطاع الخاص وليس الحكومي، وهذا يضعف الاقتصاد الوطني بالتأكيد، ولذا فإن الاقتصاد ما زال هشا”.

ويبين أن “العراق لا يمكن له الاعتماد فقط على عمليات الاستيراد، مقابل ذلك استمرار الاعتماد على النفط في دعم موازنة الدولة، فيجب أن تكون هناك صناعة وطنية تشكل موردا أساسيا لدعم خزينة الدولة، فهذا أمر اقتصادي مهم لتعزيز موارد الدولة”.

وكان رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، قال في 2 آيار مايو 2023، خلال مؤتمر الاستثمار المعدني الذي أقيم في بغداد، إن “العراق قادر على إنتاج صناعة وطنية تضاهي ما ينتج في الدول العربية.. ولن نبقى متفرجين ببقاء العراق سوقا استهلاكية بل سيكون هنالك إنتاج وطني”.

يشار إلى أن العراق يمتلك شركات رسمية ما زالت فاعلة ومنتجة، مثل النسيج والصناعات الكهربائية، التي تحمل أسماء “عشتار” و”القيثارة” لمنتجاتها، فضلا عن المواد الغذائية، مثل الألبان.

جدير بالذكر، أن أغلب هذه المنتجات المحلية تباع في مراكز الشركات، أو مكاتب محدودة فقط، ولم تصل للسوق للمحلية، التي تزخر بالبضائع المستوردة.

بالمقابل ينبه الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، أن “ملف إعادة الصناعة الوطنية ملف سياسي أكثر مما هو ملف اقتصادي، ولذا فهناك أطراف سياسية داخلية وخارجية لا تريد إعادة حقيقية للصناعة الوطنية، حتى يبقى السوق المحلي يعتاش على الاستيراد”.

ويوضح الحكيم، أن “الحكومة العراقية هي أضعف من تلك الإرادة السياسية التي لا تريد إعادة الصناعة الوطنية، والتي هي صناعة بكفاءة عالية وجودة ممتازة، بمختلف المنتجات، ولذا فكل تحركات الحكومة الحالية وحتى المقبلة سوف تواجه معرقلات كثيرة تمنعها من أي نجاح حقيقي لإعادة الصناعة الوطنية”.

ويشدد على أن “الحكومة العراقية الحالية شكلت الكثير من مجالس التنسيق للصناعة وغيرها من الملفات وهي تعقد اجتماعات منذ أشهر طويلة، لكن على أرض الواقع لغاية الآن لا يوجد أي شيء ملموس لتلك المجالس، وأغلب قرارات الحكومة هي إعلامية أكثر مما هي حقيقية”.

يذكر أن “العالم الجديد” سلطت الضوء في تقارير سابقة على الصناعة المحلية، وخاصة شركات وزارة الصناعة والمعادن، وعزا متخصصون بالاقتصاد الضعف الحاصل إلى الفساد وضعف التسويق، وأكدوا أن معامل الوزارة شبه مشلولة، فيما بينوا أن الطريقة السليمة هي استيراد الأدوات وتكون الصناعة بمسمى نصف المصنع، حتى تخلق فرص عمل بالداخل وتسير العملية وفق هذا النمط.

يشار إلى أن معامل الفوسفات والأسمدة والطابوق والمعجون والأدوية، كلها متوقفة أو شبه متوقفة، رغم أنها متداخلة بالقطاع الزراعي والصناعي.

ويواجه قطاع الصناعة في العراق بشكل عام، الذي من المفترض أن يساهم بتشغيل شرائح عديدة من المجتمع، تدهورا كبيرا منذ العام 2003 ولغاية الآن، في ظل توقف أغلب المعامل والتوجه للاستيراد، وقد قدر اتحاد الصناعات العراقية قبل سنوات، نسبة المشاريع المتوقفة بـ40 ألف مشروع، ودائما ما تتضمن البرامج الحكومية المتعاقبة موضوع تنشيط الاقتصاد والصناعة المحلية، لكن من دون تحقيق أي وعد، بل يستمر التبادل التجاري مع دول المنطقة مع إهمال الصناعة المحلية.

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *