آخر تحديث:

بقلم:د. مصطفى الصبيحي

حين نتحدث عن الشباب في العراق اليوم فإننا لا نتحدث عن فئة عمرية عابرة، بل عن طاقة حقيقية قادرة على إعادة بناء الوطن وصياغة مستقبله. الشباب هم القلب النابض لكل بيت وكل شارع، هم الذين يحملون الأمل في عيونهم رغم التعب والإحباط، وهم الذين يستطيعون تحويل الحلم إلى واقع إذا وجدوا من يثق بهم ويدعمهم.في السنوات الماضية، أثبت الشباب العراقي أن حضوره ليس حضورًا شكليًا أو صوتًا احتجاجيًا فقط، بل هو طاقة بناء وتغيير حقيقية. من ساحات الجامعات إلى ساحات العمل، ومن المبادرات الصغيرة إلى المشاريع المجتمعية الكبرى، ظهر جيل جديد يرفض الاستسلام ويبحث عن دور فاعل في صياغة المستقبل.ووفقًا لإحصاءات الجهاز المركزي للإحصاء في العراق، يشكل الشباب الذين تقل أعمارهم عن 35 عامًا ما يزيد على 60% من سكان العراق، وهي نسبة هائلة تعد أكبر ثروة بشرية في البلاد، بل وتتجاوز النسب في كثير من الدول العربية المجاورة. وإذا أحسن استثمار هذه الطاقة السكانية الهائلة، يمكن أن تتحول إلى قوة إنتاج وإبداع غير مسبوقة، تعيد رسم صورة العراق اقتصاديًا واجتماعيًا.المشاركة في الانتخابات ليست مجرد ورقة توضع في صندوق، بل هي فعل وعي ومسؤولية ومشاركة حقيقية في صنع القرار. عندما يشارك الشباب في الانتخابات، فإنهم يعلنوت أن صوتهم حاضر وأن قرارات وطنهم لا تصنع بمعزل عنهم. كل شاب وشابة يدخلون إلى صناديق الاقتراع يضعون حجرًا في بناء عراق جديد أكثر عدلاً وتمثيلاً، عراق يكون فيه صوت الناخب الشاب هو المحرك الرئيس للتغيير. وتجارب دول عديدة تؤكد أن رفع نسبة مشاركة الشباب في الانتخابات يغيّر الخريطة السياسية ويفرض برامج أكثر حداثة وشفافية.لكن المشاركة السياسية وحدها لا تكفي، ما يحتاجه العراق اليوم هو شباب يمتلكون روح المبادرة الاقتصادية والاجتماعية أيضًا. إن فتح المشاريع الخاصة، مهما كانت صغيرة، هو فعل تحد ورسالة أمل. فبحسب تقارير وزارة التخطيط، أكثر من 7000 مشروع صغير ومتوسط أنشئ خلال الأعوام الأخيرة بمبادرات شبابية رغم التحديات الأمنية والاقتصادية. هذه المشاريع لم تقتصر على توفير فرص عمل جديدة فحسب، بل أسهمت في تعزيز الأمن الاجتماعي وتخفيف البطالة وتحريك عجلة الاقتصاد الوطني من القاعدة إلى القمة. كل مشروع صغير يفتحه شاب عراقي هو بذرة لمستقبل اقتصادي مختلف، وهو تأكيد على أن العراق بلد ينهض بسواعد أبنائه لا بوعود السياسيين.
الشباب المثقق والمتعلم هو عماد هذا التحول. هؤلاء الذين تعبوا في مقاعد الدراسة واكتسبوا خبرة ومعرفة يجب أن يكونوا في صدارة البناء والتطوير. العراق لا يبنى بالصدفة ولا يعمر بالخطابات، بل بالعلم والعمل والمثابرة. ومن المؤسف أن كثيرًا من الكفاءات الشابة تضطر للهجرة بحثًا عن فرصة أو بيئة حاضنة، في حين يمكن بسياسات صحيحة أن تتحول هذه الطاقات إلى قاطرة للتنمية في الداخل.إن الوطن الجميل الهادئ الذي نحلم به لن يقدمه لنا أحد على طبق من ذهب، علينا أن نصنعه نحن، بسواعدنا، بعرقنا، وبأفكارنا الجديدة. لا يمكن أن يظل العراق أسير وجوه قديمة ونظم تجاوزها الزمن. هناك جيل جديد، أكثر وعيًا وأكثر إصرارًا على النزاهة، وأكثر استعدادًا لدفع الثمن من أجل عراق أفضل.كلما اتحد الشباب حول فكرة البناء والعمل والمشاركة، كلما ضعفت نفوذ الفاسدين والعابثين، وكلما اقتربنا من عراق يحترم الإنسان ويصون كرامته. إننا اليوم أمام لحظة تاريخية فاصلة: إما أن نستسلم لليأس ونترك وطننا يضيع بين أيدي من لا يريد له الخير، أو ننهض جميعًا شبابًا وشابات لنبني وطنًا جديرًا بنا وبأحلامنا.الشباب هم بركة العراق الحقيقية، وهم الضمانة الكبرى لبقائه حيًا نابضًا. فلنكن جميعًا شركاء في هذا البناء، لنفتح أمامهم كل الأبواب، ولنشجعهم على المشاركة في القرار، وعلى خلق الفرص بأيديهم، وعلى الإيمان بأن المستقبل لهم إذا عملوا له من اليوم.

شاركها.