بغداد/ شبكة أخبار العراق تطابق تصريحات مسؤولين عراقيين في بغداد وأربيل، بشأن حصول تركيا على تفويض لتنفيذ عملية عسكرية في إقليم كردستان شمالي العراق، وضمن عمق يزيد على 40 كيلومتراً، لضرب جيوب ومواقع مسلحي حزب العمال الكردستاني، ضمن المناطق الخالية من السكان، وذلك خلال تفاهمات مع المسؤولين في بغداد وأربيل، جرى التوصل إليها خلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق، الاثنين الماضي، الأولى من نوعها منذ ما يزيد عن 12 عاماً، والتي جاءت عقب سلسلة لقاءات وزارية عراقية تركية في بغداد وأنقرة للتفاهم على جملة من الملفات المشتركة، تصدّرها ملفا “العمال الكردستاني” وأنشطته في العراق، ومياه نهري دجلة والفرات، إضافة إلى مشروع طريق التنمية الرابط بين مدينة البصرة على مياه الخليج، جنوبي العراق، مع الأراضي التركية.
وبينما كان ملف مسلحي حزب العمال الكردستاني، الذي ينشط داخل العراق ويتخذه منطلقاً لشن هجمات متكررة داخل تركيا، العقدة الأبرز في المباحثات بين البلدين، إلا أن تقدماً واضحاً تحقق أخيراً، بعد اعتبار العراق، عقب اجتماع أمني مع تركيا منتصف مارس/ آذار الماضي، “العمال الكردستاني” منظمة محظورة، وتعهد بالعمل مع تركيا في هذا الإطار. علماً أن تحديات غير خافية، تحيط بهذا التقدّم، أبرزها العلاقة الجيدة بين الحزب وفصائل مسلحة توصف عادة بأنها حليفة لإيران، خصوصاً في مناطق سنجار، غربي نينوى.
ووقّع البلدان خلال الزيارة، وفق بيان الحكومة العراقية يوم 22/4/2024، “اتفاق الإطار الاستراتيجي الثنائي”، إلى جانب توقيع “26 مذكرة تفاهم مشتركة لمختلف المؤسسات بين البلدين”. واعتبرت الحكومة أن ذلك “سينعكس على الشراكة الاقتصادية والتنموية، إلى جانب التفاهم الرباعي الذي ضمّ العراق وتركيا وقطر والإمارات، بشأن مشروع طريق التنمية (طريق بري وسكة حديد تمتد من العراق إلى تركيا وموانئها لنقل البضائع بين أوروبا ودول الخليج)، والفرص الاستثمارية التي يحملها، والدخول في مرحلة جديدة من التفاهمات الأمنية والاقتصادية وفي مجال إدارة المياه والحصص المائية في نهري دجلة والفرات، وكلها ستدفع بالعلاقات إلى الأمام”. وأضافت أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وجّه “الوزراء بمتابعة تنفيذ مذكرات التفاهم، وتوفير أقصى الجهود من أجل تحقيق أعلى مستويات المنفعة المتبادلة مع تركيا”، مكلفاً “اللجان المعنية بتأمين مستلزمات النجاح وحسن التنفيذ للاتفاقات والتفاهمات الموقعة”.
في موازاة ذلك، ذكر أردوغان خلال حديث للصحافيين أثناء عودته إلى أنقرة أول من أمس أنه بحث مع نظيره العراقي عبد اللطيف رشيد ورئيس الحكومة العراقية الخطوات الممكن اتخاذها، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا مثل مكافحة الإرهاب والتجارة والنقل والطاقة وتأثيرات تغير المناخ. وأضاف أن “تجفيف مستنقع الإرهاب في سورية والعراق لن يكون بعملنا فقط بل أيضاً بالجهود المشتركة لإدارتي البلدين”، معتبراً أنه “من الضروري بالنسبة لرؤية العراق التنموية وأمن الاستثمارات الدولية أن تُردم حفر الإرهاب”.
من جهتها ذكرت ثلاثة مصادر عراقية في بغداد وأربيل، أن أردوغان عاد إلى أنقرة بتفويض عراقي لشنّ عملية عسكرية ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني داخل العراق ضمن مناطق وجوده في جبال كارا، وقنديل، وسيدكان، وسوران، وسيد صادق، وكاني ماسي، والزاب وزاخو، والعمادية. ويقضي التفويض العراقي بأن تكون العمليات ضمن مناطق خالية من السكان ويحتلها الحزب، أو مناطق يسيطر عليها الحزب ويمنع دخول البيشمركة الكردية (القوات العسكرية في كردستان) أو الجيش العراقي إليها.وأكد مصدر إطاري على أن التفاهمات العراقية التركية حصلت على موافقة قوى الإطار التنسيقي الحاكم في العراق.
وسيحصل العراق بموجب هذا التفاهم الجديد على الأفضلية في حصة المياه من نهري دجلة والفرات، ومساعدة من تركيا على إدخال تقنيات الري الحديثة، وترشيد استخدام الماء في الزراعة، إلى جانب المضي بتفاهمات تجارية واقتصادية وأمنية مختلفة منها تبادل المعلومات والمطلوبين. وحظيت التفاهمات العراقية التركية، وفقاً لأحد المصادر، على قبول قوى الإطار التنسيقي الحاكم في العراق، ضمن رؤية حكومة السوداني في تغليب المصلحة الداخلية، وأبرزها مشكلة المياه، على أي ملف آخر مع تركيا مثل ملف “العمال الكردستاني”، والذي وضعته أنقرة مفتاحاً لكل الملفات الأخرى مع العراق.
بالمقابل، قال مصدر تركي مطلع على فحوى المحادثات التي جرت خلال زيارة أردوغان إنه “لا يمكن وصف المشاورات التي جرت في العراق بأنها أعطت تفويضاً لتركيا بخصوص العمليات العسكرية ضد العمال الكردستاني بهذا المعنى”، بل إن تركيا وفق المصدر تعتبر أن الموضوع هو “توافق تركي عراقي على تنسيق العمليات العسكرية ضد العمال الكردستاني في شمال العراق، عبر لجان وغرف عمليات مشتركة، بين الجيش التركي وحكومة بغداد المركزية والقوى الأمنية المرتبطة بها، وحكومة أربيل وقواتها العسكرية”. كذلك ستُطرَح مجموعة من الخطط “للتعاون بهدف الوصول إلى منطقة آمنة تصل إلى نحو 40 كيلومتراً”. وأشار المصدر إلى أن العمليات تهدف “إلى السيطرة على مناطق محددة وضبط الحدود مع سورية، منعاً لانتقال عناصر لدعم العمال الكردستاني”، لافتاً إلى أن “هذه المهمات ينتظر أن تقوم بها قوى مرتبطة بحكومة بغداد، فيما تشارك قوات حكومة أربيل في منع انتقال عناصر الحزب في الشمال إلى مناطق أخرى، وسيجري التعاون الاستخباراتي وتبادل المعلومات”.
وكان وزير الدفاع التركي، يشار غولر، قد أعلن في تصريح صحافي يوم 23/4/2024، أن بلاده والعراق اتخذا قراراً بإنشاء مركز عمليات مشترك، مضيفاً “سنواصل العمل معاً لنرى ما يمكننا القيام به. وبعد ذلك ستتضح مسؤوليات المركز المشترك”. من جهته قال المستشار السياسي للسوداني، سبهان الملا جياد، إن “العراق جاد في المضي بكل التفاهمات مع تركيا، وهناك تفاهمات ستبدأ قريباً جداً بالتنفيذ”. وأوضح أن “الاتفاقات، وهي سياسية واقتصادية واستثمارية وأمنية، إضافة إلى ملف المياه، والذي سيتم حسم الخلاف بشأنه قريباً، تعتبر تاريخية، وتحدث لأول مرة منذ عقود طويلة”. ولفت إلى أن “كل الاتفاقات التي تمت كانت وفق المصالح المشتركة للبلدين”. وقال إنه “لم يتم فرض أي شيء على الحكومة العراقية، ولم يتم مساومة بغداد بشأن حزب العمال الكردستاني مقابل حسم ملفات أخرى مثل ملف المياه أو إعادة تصدير النفط أو مشروع (طريق) التنمية وغيره”. وأشار إلى أن “كل ملف تم التفاوض عليه بشكل منفرد وتم الاتفاق عليه لما فيه مصلحة عراقية بالدرجة الأساس، وكذلك مصلحة تركية”.
في المقابل قال رئيس مركز التفكير السياسي، إحسان الشمري، في حديث صحفي، إن قضية تنفيذ مذكرات التفاهم تبقى رهينة الاشتراطات. وفق الشمري، فإنه “في بعض فقرات تلك المذكرات وضعت اشتراطات، ومنها ما يخص المياه، والتي خضعت إلى رؤية تركية أكثر مما هي عراقية”. وبيّن الشمري أن “هناك عوامل فنية قد تعيق تنفيذ الكثير من مذكرات التفاهم والاتفاقات، خصوصاً أن الرؤية التركية تختلف بشكل كبير جداً عن الرؤية العراقية بملف المياه والعمليات العسكرية”. وأضاف أن “هناك أطرافاً سياسية عراقية لا تريد المضي بترجمة مذكرات التفاهم، بشكل يدفع لوجود اتفاق ملزم”.
ورأى أن زيارة أردوغان “لم تتحقق بهذا المستوى والثقل إلا بعد إبداء العراق تنازلات لتركيا، خصوصاً بما يتعلق بالملف الأمني”. ومن هذه التنازلات “أن حكومة السوداني أول حكومة عراقية تعلن حزب العمال الكردستاني منظمة محظورة، إذ يعد ذلك تحولاً في طبيعة التعاطي مع هذه المنظمة التي لها امتدادات” داخل العراق. وأضاف أن “ملف العمليات العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني، هي حاجة تركية أكثر مما هي حاجة عراقية”. ولفت إلى أن “العراق يحاول قدر المستطاع، من خلال تلك الحاجة التركية، أن يحصل على تنازلات من أنقرة ببعض الملفات الأخرى، ولهذا فُتح مجال أكبر وأُعطيت مساحة أوسع للتدخل العسكري التركي لحسم وإنهاء ملف الحزب”.وشدّد الشمري على أن “العراق ليست لديه إمكانات لتنفيذ أي عمل عسكري مشترك مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني، فهذا الأمر فيه محاذير كثيرة، لكن العراق قد يعمل على التنسيق بما يتعلق بالمعلومة الاستخباراتية وهو أمر وارد جداً”. واعتبر أن “كل مذكرات التفاهم الموقعة ما بين بغداد وأنقرة، هي قياس لمستوى التزام العراق بتعهداته الأمنية”، لافتاً إلى أن “هذه المذكرات ستكون محطة اختبار للعراق بطبيعة تعاطيه مع حزب العمال الكردستاني وأيضاً مستوى الاستجابة للتمدد العسكري التركي لإنهاء ملف الحزب”. من جهة أخرى لا يتوقع الشمري مضي تركيا بعقد اتفاق نهائي دولي بشأن ملف المياه، مضيفاً أن زيارة أردوغان “كانت باتجاه واحد، فتركيا أكثر الرابحين من هذه الزيارة”.
في غضون ذلك لم تُبد معظم الفصائل العراقية، وجهاتها السياسية، موقفاً واضحاً إزاء الاتفاق، إلا أن عضو تحالف الفتح، المندرج ضمن “الإطار التنسيقي”، علي الفتلاوي، أكد أن “الحشد الشعبي” سيكون بعيداً عن أي معركة ضد “العمال الكردستاني”. وأوضح في تصريح صحافي، يوم 23/4/2024، أن “أرواح أولادنا عزيزة علينا ولا نقاتل نيابة عن الأتراك أو الأكراد”، معتبرا أن “الملف الأمني بين العراق وتركيا من الصعب السيطرة عليه، كون حزب العمال يمتلك مساحات واسعة في الإقليم (كردستان العراق)، وهو أعلم بالمنطقة وخطورتها ووعورتها”.