| الخجل والاهمال يعرقلان نهوض “الصحة النفسية” في العراق
اكدت منظمة الصحة العالمية، ان واحداً من بين كل أربعة عراقيين يعاني هشاشة نفسية، في بلد يوجد فيه ثلاثة أطباء نفسيين لكل مليون شخص، مقارنة مع 209 أطباء لكل مليون شخص في بلد كفرنسا مثلا.
وبحسب المنظمة، فإن إنفاق العراق على الصحة النفسية لا يتجاوز اثنين في المئة من ميزانيته للصحة، على الرغم من حقيقة أنه في مقابل كل دولار أميركي يستثمر في تعزيز علاج الاضطرابات الشائعة مثل الاكتئاب والقلق، يتحقق عائد قدره خمسة دولارات في مجال تحسين الصحة والإنتاجية.
ففي مستشفى الرشاد التعليمي ببغداد الذي يضم 1425 مريضاً نفسيا، ثلثان منهم رجال وثلث نساء، اذ لا يزال ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ يعاني من قلة ﺍﻻﻫﺘﻤﺎﻡ ﺑﺎﻟﺼﺤﺔ ﺍﻟﻨﻔﺴﻴﺔ، كما يعتبر وصمة في حياة صاحبه. فضلا عن النقص في الكوادر الطبية عامة وخاصة في مجال الصحة النفسية. وفقا للأطباء النفسيين بمستشفى الرشاد التعليمي فقد أعادت الحرب على غزة إحياء الصدمات النفسية لدى العراقيين الذين عانوا من عقود من النزاعات.
طريق مسدود
وتصل رحلات البحث عن معالجين نفسيين في العراق إلى طريق مسدود، فيتم اللجوء إلى الاستشارات عبر الإنترنت، في بلد استنزفته عقود من النزاعات والحروب والانتهاكات الدموية، والتي خلّفت صدمات وأمراضاً نفسية عميقة لدى سكان بلاد الرافدين، بينما لا تزال الحاجة في مجال الصحة النفسية كبيرةً جداً، فيما الاستجابة والقدرات أدنى بكثير من التوقعات.
في الوقت الذي تشير فيه الظواهر الميدانية إلى ارتفاع كبير في أنواع الأمراض النفسية بين شريحة واسعة من المواطنين العراقيين، فإن المؤسسات الصحية والمجتمعية تقف عاجزة أمام استيعاب هذه الكمّ المضطرد من المرضى، ليس بسبب نقص المؤسسات العلاجية والأطباء النفسانيين فحسب، بل بسبب العزوف المجتمعي عن المعالجة، مما أدى إلى تفاقم الظاهرة، الى الحد الذي أضحت فيه قضية رأي عام يتداولها الشارع العراقي.
اهمال
فيما انتقد رئيس لجنة الصحة النيابية ماجد شنكالي، اهمالاً وعزوفاً لملف الصحة النفسية في العراق، فيما أكد السعي لإقرار قانون ينظم العمل في هذا المجال، بعيداً عمّا يشاع بشأن علاقة القانون بالشدوذ الجنسي.
وقال شنكالي في تصريح صحفي إن “قانون الصحة النفسية الذي سيقرأ القراءة الاولى هدفه تنظيم العمل في مجال الصحة النفسية وتقديم الرعاية الصحية الافضل والامثل للمرضى النفسيين، وتشجيع الاطباء والكوادر الصحية للعمل في الصحة النفسية التي تعاني اهمالاً وعزوفاً من الكوادر الطبية والصحية للعمل فيه”.
وأضاف أن القانون “لا علاقة له بالمثلية والشذوذ الجنسي من بعيد او قريب كما يدعي البعض ويحاولون من خلاله التغطية على الفشل الذريع في ادارة ملفات اهم بكثير، والبند الذي تم تداوله المتعلق بحماية حقوق المريض النفسي حسب معايير WHO سيتم تعديله حسب ما يلائم معاييرنا وثقافتنا وقوانيننا بعيداً عن الطشة والفيسبوك ووسائل التواصل الاجتماعي”.
عراق التقاليد
وعلى مدى الأربعين سنة الماضية، عانى العراق من أربعة صراعات كبرى، وحصار دام 13 عاماً، والعديد من الحروب الأهلية. أسفر هذا الوضع عن تدمر المجتمع العراقي، لكن الأشخاص الذين يعانون من أمراض عقلية ونفسية يتعرضون بصفة خاصة لوصمة عار كبيرة. والاستجابات الصحية ليست مناسبة ولا كافية، فمن الشائع جداً أن يعاني الأطفال والشباب والكبار في العمر من تدهور في الصحة النفسية، ومع ذلك، هنالك وجود لوصمة مجتمعية يؤدي إلى الشعور بالحرج من طلب المساعدة والتحدّث عن الصحة النفسية.
الباحثة الاجتماعية بان كاظم، رأت ان “الاهم والذي يمكن ان يقود الى صحة نفسية عامة لدى الشارع هو التخلص من الاحساس بإن كلمة طبيب نفسي تعني مجنون”، ونوهت الى ان كل ما يشعر به المرء متاح والاهم هو كيفية تعامله معه خاصة وان “البيئة العراقية والتركة الثقيلة من الحروب تسببت بمشكلات وعلل اجتماعية كثيرة ادت الى زيادة مثلا في نسب الانتحار او الطلاق او حالات القتل حتى”.
وتشير كاظم الى أن “الكثير من العلل هذه تبدأ في فترة الطفولة، وعلى الاغلب يجب ان يكون هناك انفتاح أكثر فيما يخص الصحة النفسية عن طريق دورات توعية او ما شابه”، الا ان المختص النفسي هاني علاوي قال “ان نسب الاطفال الذي يعرضهم الاهالي على الطبيب النفسي قليلة جدا”.
قانون الصحة النفسية
واستضافت لجنة الصحة والبيئة النيابية يوم امس الاربعاء، برئاسة النائب الدكتور ماجد شنگالي رئيس اللجنة بحضور عدد من اعضائها، مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة وأخصّائيين الطب النفسي في الوزارة، وكذلك أساتذة من وزارة التعليم العالي ومختصين بعلم النفس الأجتماعي، لمناقشة مشروع قانون الصحة النفسية.
وجرى خلال الاستضافة استكمال المناقشات لمشروع القانون و من ثم تهيأته للقراءة الثانية مع التقرير لرفعه إلى مجلس النواب. علماً ان هذه هي الاستضافة الثانية التي تناقش فيها اللجنة مشروع القانون مع الضيوف.
وقد أستمع رئيس اللجنة إلى المقترحات والأراء من الضيوف وتعهد بدراستها، وفي حال ادخالها لمسودة المشروع سوف يتم ارسالها للجهات المستضيفة لبيان رأيها لرفع القانون للتصويت.
بينما أعلن وزير الصحة صالح الحسناوي في شباط الماضي من العام الجاري، عن إطلاق الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار، فيما أكد مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصحة صالح ضمد تركيز الحكومة على الطب النفسي للذين يعانون من الامراض النفسية.
وقال الحسناوي “شهدنا في الفترة الأخيرة ارتفاعاً طفيفاً في نسب الانتحار بالعراق ولكنها لا تزال تحت المعدل العالمي بكثير”، معرباً عن أمله “بتطبيق الستراتيجية واحتواء الشباب الذين يتعرضون الى ضغوط نفسية قد تؤدي الى تلك الحوادث”.
بدوره، قال مستشار رئيس الوزراء لشؤون الصحة صالح ضمد إن “من أولويات الحكومة هو سلامة وصحة المواطن، حيث تطرقت في برنامجها الحكومي لكل ما يهتم بالعيش الكريم للإنسان وسعادته”، لافتاً الى أن “الاقتصاد والفقر والبطالة هي عوامل مؤثرة وتزيد من مسبباب الحالة النفسية المؤدية للانتحار”.
وأكد أن “الحكومة عالجت هذه الأسباب، وستركز خلال الفترة المقبلة على الطب النفسي ودعم المواطنين الذين يعانون من الأمراض النفسية”.
كما قال رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية ماجد شنكالي، إن “هذه الستراتيجية هي باب واضح لتقديم الخدمة النفسية للمواطن العراقي”، موضحاً أن “المرض النفسي كحال الأمراض الأخرى”.
يشار الى ان في العالم، يوجد من 9 إلى 40 طبيباً نفسياً لكل 100 ألف مواطن. لكن في العراق تتضاءل هذه النسبة إلى أقل من 2 لكل 100 ألف شخص، ثلثهم من غير المتخصصين، ما يعني أن البلاد تعاني من نقص حاد في أعداد الأطباء والمعالجين النفسيين.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط