| الاموال مخزنة في منازلهم.. لماذا لا يثق العراقيون بمصارفهم؟
على مدى العقود الماضية، امتنع العراقيون عن حفظ أموالهم أو إيداعها في المصارف ولأسباب عديدة، ما جعل غالبية السيولة النقدية بالعملة العراقية خارج المصارف سواء الحكومية منها أو الأهلية، ما تسبب بأزمة مالية على سنوات.
وعقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003، أدت عمليات النهب الواسعة إلى إفراغ البنوك من السيولة. وتأسس منذ ذلك الحين أكثر من 70 مصرفا، لكن القطاع في الإجمال لم يتطور.
العديد من اء في العراق يعزون عدم ثقة المواطن العراقي بالنظام المصرفي إلى أسباب عديدة، من أبرزها افتقار البنية التحتية للأنظمة المصرفية بجميع أنواعها للمصداقية من قبل العراقيين رغم أن العراق لديه 86 مصرفا حكوميا وأهليا.
ويشير أستاذ الاقتصاد في الجامعة العراقية عبد الرحمن المشهداني إلى أن نسبة اكتناز العراقيين لأموالهم تقارب الـ 77% من مجموع الكتلة النقدية في البلاد، مع غياب ماكنات الصرافة الآلية ونقاط البيع في المتاجر (BOS).
اجراءات معقدة
ويعتقد المشهداني أن النظام المصرفي لا يمتلك القدرة على استقطاب المودعين والحفاظ على أموالهم، فضلا عن التعامل الحسن معهم، بما أدى منذ تسعينيات القرن الماضي إلى أن تلجأ جميع الحكومات إلى إيقاف سحوبات المودعين في فترة الأزمات.
وفي حديث صحفي، كشف المشهداني عن أن قانون مكافحة غسيل الأموال والإرهاب طُبِّق بإجحاف كبير على العراقيين، إذ إن فتح أي حساب مصرفي يتطلب ملء استمارات معقدة وأسئلة عن مصدر الأموال، فضلا عن مطالبة المصرف للمودع بجلب كفيل يضمنه في خطوة وصفها بـ (غير المنطقية).
وعن سبب عدم وجود مصارف أجنبية مرموقة في البلاد، يشير إلى أن البنك المركزي اشترط على المصارف الأجنبية أن يكون رأس مالها 50 مليون دولار وأن يكون هدفها الدخول في مجال التنمية، غير أن بعضها استغل وجوده في تهريب الأموال، فضلا عن أن السماح لها بدخول مزاد العملة الأجنبية (شراء الدولار من البنك المركزي مباشرة) حوّل عملها من تنموي وإقراضي إلى البحث عن الأرباح بعد أن سمح لها البنك المركزي بشراء 5 ملايين دولار يوميا وبسعر صرف (1190 دينارا للدولار) وهو أقل بـ 40 دينارا لكل دولار يباع في السوق السوداء.
رقمنة المصارف
فيما كشف الخبير في الشأن المالي والاقتصادي نوار السعدي، عن أهمية فوائد “رقمنة” التعاملات المالية للمصارف العراقية، فيما أشار الى ان الرقمنة يمكن لها أن تعزز الشمول المالي من خلال جذب المستخدمين الذين لا يتعاملون مع البنوك التقليدية عن طريق تقديم خدمات سهلة الوصول وسهلة الاستخدام.
وقال السعدي، إن “رقمنة التعاملات المالية في المصارف العراقية يمكن أن تقدم فوائد كبيرة خاصة فيما يتعلق بتقليل حالات تهريب العملة”، مبينا انه “من خلال اعتماد الأنظمة الرقمية، يمكن للمصارف تتبع التحويلات المالية كافة بدقة وشفافية أكبر، وهذا يعني أن كل معاملة تسجل تلقائيًا وتحفظ في قاعدة بيانات مركزية يمكن مراجعتها في أي وقت، وهذا يسمح للسلطات المعنية بمراقبة النشاطات المالية المشبوهة والكشف عنها بسرعة، مما يصعب على المهربين استغلال النظام المالي لتهريب العملات”.
وأضاف أن “رقمنة النظام المصرفي تساهم في تقليل حالات غسيل الأموال، إذ تعتمد هذه العمليات عادة على استغلال الثغرات في النظم التقليدية، ولكن مع وجود نظام رقمي متقدم، تصبح هذه العمليات أكثر تعقيدًا، كما ان الرقمنة تسمح باستخدام تقنيات متطورة مثل الذكاء الاصطناعي لتحليل الأنماط في البيانات المصرفية وتحديد أي معاملات غير طبيعية أو مشبوهة”، مؤكدا ان “هذا يساعد على منع غسيل الأموال عبر التحديد المبكر للأنشطة غير العادية والإبلاغ عنها للجهات المختصة”.
وأوضح السعدي انه “لتنفيذ هذا التحول الرقمي في العراق، فان هناك حاجة إلى استثمارات في البنية التحتية التكنولوجية وتطوير القدرات المؤسسية للمصارف”، مشيرا الى ان “هذا يتطلب توفير التكنولوجيا الحديثة، وتدريب الموظفين على استخدامها بفعالية، بالإضافة إلى وضع تشريعات وقوانين تحمي المستخدمين وتشجع على التعاملات الرقمية، ومن المهم أيضا تعزيز وعي العملاء بفوائد التعاملات الرقمية وبناء ثقتهم في الأنظمة الجديدة”.
وأكد ان “الرقمنة في المصارف تسهم في تحقيق المزيد من الشفافية والمصداقية في النظام المالي، حيث يمكن تتبع ومراجعة كل معاملة بسهولة، كما تعمل على تحسين الكفاءة التشغيلية للمصارف من خلال إتمام المعاملات بسرعة أكبر وبتكلفة أقل، ومن الناحية الأمنية، توفر الرقمنة مستويات أعلى من الحماية ضد الاحتيال والسرقة عبر تقنيات التشفير المتقدمة”.
وختم الخبير في الشأن المالي والاقتصادي قوله انه “يمكن للرقمنة تعزيز الشمول المالي من خلال جذب المستخدمين الذين لا يتعاملون مع البنوك التقليدية عن طريق تقديم خدمات سهلة الوصول وسهلة الاستخدام، كما ان رقمنة التعاملات المالية في المصارف العراقية تحمل إمكانات كبيرة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتقليل المخاطر المرتبطة بغسيل الأموال وتهريب العملة، مما يؤدي إلى نظام مالي أكثر أمانًا وكفاءة”.
بين النقد والدفع الالكتروني
وما زال الدفع النقدي “الكاش” سائدا في البلاد، رغم إعلان العمل بنظام الدفع الإلكتروني، فحتى اللحظة يتسلّم الموظف والمتقاعد راتبه كاملا من محلات الصرف المنتشرة في الأحياء السكنية، بدلا من وجود منافذ صرف آلية، ما أفرغ التوجه الحكومي للسيطرة على خط سير الأموال من محتواه، فضلا عن إثقال كاهل المواطن بدفع عمولات لهذه المنافذ وتكبيده عناء الذهاب لها والوقوف بطوابير طويلة أحياناً.
من جهته، يبين الباحث في الشأن المالي مصطفى أكرم حنتوش، أن “هدف الحكومة من العمل بنظام الدفع الإلكتروني، هو مكافحة عمليات غسيل الأموال وغيرها من الأعمال المالية المشبوهة، لكن حتى الآن هذا الهدف لم يتحقق، فالتعامل بهذا النظام من قبل المواطنين والتجار يكاد يكون معدوماً، والسبب الأول عدم انتشار ثقافة التعامل بهذه الطريقة من الدفع بين المواطنين”.
ويؤكد أن “التعامل من خلال الدفع الإلكتروني له أهمية اقتصادية كبيرة، أولها ضمان الاستقرار في الأسواق المحلية، كما أن هذا التوجه يزيد من نسبة الشمول المالي في البلاد، كما يرفع من ثقة المواطنين بالقطاع المصرفي، ما ينعكس بشكل إيجابي على الاقتصاد الوطني بشكل عام”.
ويشير إلى أن “هناك شكاوى كثيرة من قبل الموظفين من تعامل مكاتب سحب الرواتب، خصوصاً أن بقاء هذه المكاتب يعني استمرار التعامل النقدي”.
ارتفاع شهري وانخفاض سنوي
رئيس مؤسسة “عراق المستقبل” للدراسات والاستشارات الاقتصادية منار العبيدي قال في تدوينة عبر الفيسبوك إن الودائع الجارية والتي تمثل بحدود 80% من الودائع ارتفعت بنسبة نمو سنوية بلغت 6.68% وبنسبة نمو شهرية بلغت 1.67% لتصل الى 104.55 ترليون دينار عراقي، اما ودائع التوفير والتي تمثل 12.74% من مجمل الودائع بالرغم من ارتفاع نسبة النمو الشهرية بواقع 0.9% الا انها انخفضت على اساس سنوي وبنسبة انخفاض بلغت 4% ولتبلغ قيمتها الاجمالية 16.2 ترليون دينار عراقي.
واضاف، اما والودائع الثابتة والتي تمثل 7% من مجمل الودائع فانخفضت على اساس شهري بنسبة 0.29% وعلى اساس سنوي بنسبة 11.84% لتصل الى 9.13 ترليون دينار عراقي، اما مصادر الودائع فاحتلت ودائع القطاع الخاص النسبة الاعلى بنسبة 43% من مجمل الودائع وبقيمة اجمالية بلغت 55.89 ترليون دينار عراقي وارتفعت على اساس سنوي وشهري بواقع 2.38% و1.54%، وفقا للعبيدي.
وبحسب العبيدي فان ودائع الحكومة المركزية والتي تمثل 34.3% من اجمالي قيمة الودائع، ارتفعت بنسبة 5.49% على اساس شهري و10.85% على اساس سنوي ولتبلغ قيمتها الاجمالية 44.63 ترليون دينار عراقي، فيما ودائع المؤسسات العامة والتي تمثل 22.6% من اجمالي قيمة الودائع فسجلت انخفاضا بنسبة النمو الشهرية بواقع 4.33% وبانخفاض بنسبة النمو السنوية بواقع 3.38% ولتبلغ قيمتها الاجمالية 29.36 ترليون دينار عراقي.
يشار إلى أن القطاع المصرفي العراقي مهمل من قبل المواطنين الذين فقدوا الثقة به، وبحسب أرقام البنك الدولي فأن 23 بالمئة فقط من الأسر العراقية لديها حساب في مؤسسة مالية، وهي نسبة من بين الأدنى في العالم العربي، ولاسيما أن أصحاب تلك الحسابات هم من موظفي الدولة الذين توزع رواتبهم على المصارف العامة نهاية كل شهر، لكن هذه الرواتب أيضا لا تبقى طويلا في الحسابات، إذ سرعان ما تتشكل طوابير أمام المصارف من الموظفين الذين يسحبون رواتبهم نقدا ويفضلون إبقاءها في بيوتهم.
تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط