آخر تحديث:

و الجهة الوحيدة التي يفترض أن تعيد الحياة للعملية الديموقراطية في البلاد، في ظلّ ظروف كهذه، ومع ضعف الوعي السياسي لدى الجماهير، وما يترتّب عليه من ضعف في رقابة الأحزاب المؤمنة بالديموقراطية ، هي السلطة القضائية. الا أن العقبة الكبرى تكمن في أن السلطة القضائية شريكة في كل هذا الكمّ الهائل من الفساد والتجاوز على القانون والدستور ومتورطة فيه، كونها تأتمر بأوامر الأحزاب التي تمتلك مقدّرات البلد وتريد البقاء في السلطة، رغم الخراب الذي رافق وصولها الى الحكم وحتى اليوم.

مشكلة الديموقراطية بالعراق هي أنّ مركز ثقلها يقع خارج الحدود، ومن هناك تأتي الإملاءات التي ترسم عبر الأحزاب الأسلامية شكل المشهد السياسي، بما يتناغم مع مصالح هذه الأحزاب ورعاتها. ولو راجعنا زيارات بعض الشخصيات السياسيّة الأقليمي الى البلاد قبل كل أنتخابات، لرأينا حضورها الفاعل، وإجتماعاتها مع الأحزاب الإسلاميّة، ورسم خارطة طريق تفضي في النهاية الى تكريس هيمنة هذه الأحزاب، وبالتالي هيمنة الجهات الراعية لها على المشهد السياسي، بما يخدم مصالحها.

إنّ زيارة أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي لاريجاني، إلى بغداد قبل أسبوع، لم تكن بعيدا عن أجواء الأنتخابات، رغم أن وسائل الإعلام لم تتطرق اليها، ، بل ركّزت على أنّ زيارته جاءت من أجل توقيع إتفاقيّة أمنية ثنائية بين البلدين. وهذا في حين أننا، في العراق، لسنا بحاجة لعقد إتقاقية أمنية مع إيران، لأنها تهيمن دون إتفاقات رسمية على كامل المشهد السياسي العراقي تقريبا.

إنّ قرارات المفوضية ” المستقلة” للأنتخابات بأستبعاد عددا من المرشحين المستقلين والمعارضين لنهج السلطة، لأسباب يغلب عليها الطابع السياسي، تمثل تطبيقا عمليا لآليات عمل مجلس صيانة الدستور في إيران، الذي يحافظ على الهويّة الإسلامية لنظام الحكم هناك. فالمجلس، الذي يمتلك حق إبعاد المرشحين الذين يشك في ولائهم لمبدأ ” ولاية الفقيه” حتى آن كانوا إسلاميين مارس هذا الدور مرارا، في الأنتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، وحتى انتخابات مجلس خبراء القيادة.

إن إستبعاد مرشّحين سبق لهم أن شاركوا في دورات انتخابية سابقة، ما هو الا دليل واضح على وجود اسباب سياسية بحتة وراء هذه الأقصاءات، خاصة وأن بعض هؤلاء يتمتعون بجماهيرية لا بأس بها، في ظل تراجع شعبية العديد من الاحزاب والشخصيات الاسلامية الحاكمة.قد لا يكون لدينا في العراق مجلس صيانة دستور كما هو الحال في إيران، ليصدر قرارات الإقصاء، لكن لدينا من يطبّق مبادئه فعليا، وزيارات المسؤولين الإيرانيين الى البلاد قبل كل انتخابات، هي جزء من سياسة الأملاءات التي يدفع شعبنا ثمنه.

ومن خلال موقف المفوضية وصمت القضاء ولا مبالاة التنظيمات السياسية التي ستشارك في الانتخابات، وعدم تقديمها أي شكوى قانونية حتى من باتب التظاهر نعرف تماما أن القضاء يمثل موقف السلطة، وهو بالتالي يعكس موقفا شبيها بموقف مجلس صيانة الدستور الإيراني. لذلك، يمكن القول بثقة: نحن أمام أنتخابات عراقية تدار بآليات إيرانية.لا ديموقراطية في ظل تحكّم منظومة الفساد وشيوع التخلف.

شاركها.