08:44 م


الأحد 21 سبتمبر 2025

كتب مختار صالح:

في قلب الصحراء الغربية بمحافظة الفيوم، وعلى بعد نحو 200 كيلومتر جنوب غرب القاهرة، يرقد وادي الحيتان؛ أحد أعظم الكنوز الطبيعية والتراثية في العالم، وموقع استثنائي يكشف عن أسرار عُمرها ملايين السنين.

وادي الحيتان ليس مجرد محمية طبيعية، بل هو شهادة حية على تطور الحياة على كوكب الأرض، ومتحف مفتوح يعرض تفاصيل مذهلة عن الكائنات البحرية العملاقة التي جابت البحار في عصور سحيقة.

في حلقة جديدة من السلسلة الوثائقية “عارف”، تسلط مكتبة الإسكندرية الضوء على هذا الموقع الفريد، في إطار جهودها المستمرة لتوثيق التراث الثقافي والطبيعي لمصر وإتاحته للجمهور في صورة ملهمة ومؤثرة، تعزز الوعي بالهوية المصرية وتاريخها الممتد عبر العصور.

شهادة جيولوجية نادرة

قبل نحو 40 مليون سنة، كانت منطقة الفيوم ومصر السفلى غارقة تحت مياه البحر. ومع انحسار المياه تدريجيًا قبل حوالي 20 مليون سنة، ظهرت أسرار مذهلة: هياكل متحجرة لحيتان عملاقة وكائنات بحرية أخرى، لتكشف عن قصة تطور فريدة من نوعها.

يضم الوادي أكثر من 1000 هيكل عظمي لحيتان قديمة، بعضها يصل طوله إلى 18 مترًا، إضافة إلى حفريات لكائنات بحرية أخرى مثل: الدلافين، وأبقار البحر، وأسماك المنشار. هذه الكنوز العلمية توثق التحول المدهش للحيتان من كائنات ثديية كانت تعيش على اليابسة إلى عمالقة بحرية جابت المحيطات.

موطن للحياة البرية

إلى جانب حفرياته النادرة، يعد وادي الحيتان موطنًا لمجموعة من الحيوانات البرية المهددة بالانقراض، مثل: الغزلان المصرية، والثعالب الرملية والفينيقية، والذئاب.

كما يعج الوادي بطيور متنوعة مثل الصقر شاهين والطيور المهاجرة، فضلًا عن زواحف مميزة مثل الكوبرا المصرية، ما يجعله بيئة طبيعية متكاملة وغنية بالتنوع البيولوجي.

اعتراف عالمي ومتحف متخصص

نال وادي الحيتان اعترافًا عالميًا حين تم تسجيله كموقع تراث عالمي على قائمة اليونسكو في يوليو 2005، كما أدرجته وزارة البيئة المصرية عام 2018 على القائمة الخضراء للمناطق المحمية.

وفي خطوة مهمة لتوثيق هذا الإرث الطبيعي، أنشأت الدولة متحف “الحفريات وتغير المناخ” داخل الوادي، ليقدم للزوار تجربة تعليمية فريدة، حيث تُعرض حفريات الكائنات البحرية العملاقة، ويتم ربطها بتاريخ التغيرات المناخية في مصر، بما يجعل الزيارة رحلة علمية شيقة بقدر ما هي ملهمة.

متحف الطبيعة المفتوح

اليوم، يمثل وادي الحيتان كنزًا علميًا وسياحيًا لا يقدر بثمن، يجمع بين التاريخ الطبيعي والحياة البرية، ويتيح للزوار فرصة فريدة للعودة بالزمن إلى ملايين السنين. وبين رماله الصفراء وصخوره العتيقة، تظل هياكل الحيتان العملاقة شاهدة على عظمة الطبيعة، وقادرة على إبهار كل من تطأ قدماه هذا المتحف الطبيعي الفريد.

شاركها.