جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع
“مفيش لبن حلال ولبن حرام”….
بهذه العبارة المفعمة بالثقة حاول علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، تبرير قرار إلغاء شهادات “الحلال” الخاصة بمنتجات الألبان المستوردة، في مداخلة مع برنامج الحكاية.
لكن هذه الثقة الصوتية تسقط سريعا في بئر تشكيك بديهي، فأول ما يتبادر إلى ذهن أي مستمع للوزير هو سؤال منطقي جدا: لماذا كنا نشترط شهادة الحلال للألبان، طالما أنها حلال بالمطلق؟!
هذا السؤال البديهي يزداد تعقيدا، عندما نضعه إلى جوار تصريح رئيس الوزراء بأن تكلفة الشهادة الحلال للألبان 1500 دولار لكل حاوية. فإذا كانت هذه الشهادة عبثية والألبان حلال بكل الأحوال، فكيف لا يحيل الوزير المسؤول في وزارته عن قرار الإلزام بشهادة الحلال للألبان، الذي كلف المصريين ملايين الدولارات، إلى المحاكمة!!
هل اللبن حلال بالمطلق؟!
في تصريحاته الواثقة، أوضح وزير الزراعة رؤيته “الألبان ومنتجاتها تؤخذ من الرؤوس الحيوانية وهي حية، وبالتالي هي خارج مسألة شهادات الحلال… ومفيش لبن حلال ولبن حرام”.
فهل حقا لا يوجد لبن حلال ولبن حرام؟
على عكس ما يقوله الوزير، فإن الشرع حدد أنواع من اللبن الحرام، لأسباب متفرقة:
1 مصدر اللبن:
فاللبن المستخرج من حيوانات محرم أكلها مثل الخنازير والحمر الأهلية والسبع والأسد، محرم.
روى البخاري (5527) ومسلم (1936) عن أبي ثَعْلَبَةَ رضي الله عنه قَالَ : حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ. وقال ابن قدامة رحمه الله في “المغني” (9/325) : ” وألبان الحمر محرمة , في قول أكثرهم . ورخص فيها عطاء، وطاوس والزهري. والأول أصح ; لأن حكم الألبان حكم اللحمان”.
وقال أيضا (9/338) : “وَلا يَجُوزُ التَّدَاوِي بِمُحَرَّمٍ، وَلا بِشَيْءٍ فِيهِ مُحَرَّمٌ، مِثْلِ أَلْبَانِ الأُتُنِ ( جمع أتان وهي أُنثى الحمار).
2 لبن الجلالة
في حديث ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ، وَأَلْبَانِهَا. رواه أبو داود، وابن ماجه، واللفظ له.
والْجَلَّالَةُ هي الحيوان الذي يتغذى على النجاسات.
يقول الدكتور أبو اليزيد سلامة، الباحث الشرعي بمشيخة الأزهر الشريف، في تصريح قديم لمصراوي نشر في 12 مايو 2022: إذا كان الحيوان يأكل من النجاسات كثيرًا بحيث يكون أكثر طعامه منها، وظهر تأثير ذلك على الحيوان في تغير لحمه ورائحته، فلا يجوز أكل لحمه وبيضه، ولا شرب لبنه، ولا ركوبه، إلا بعد حبسه عن تلك النجاسات وحمله على الأكل من العَلَفِ الطَّاهِرِ، حتى تزول نجاسَتُه، ويذهب أثَرُ نَتْنِه.
وبين سلامة أن الحكمة من تحريم الأكل من الجلالة: أن هذا الحيوان يكون لحمه ضارًا بالإنسان طالما وصل إلى مرحلة النتن، والإسلام يدعو للتطهر دائمًا، والابتعاد عن القاذورات والنجاسات.
3 اللبن المختلط بمحرم
تحدد مؤسسة الحلال الأمريكية American Halal Foundation، وهي جهة منح واعتماد شهادة الحلال للمصدرين، طريقين يؤديان إلى تصنيف اللبن حراما وفق التصنيفات الخليجية والإماراتية والمعيار الإندونيسي والماليزي، وهي:
أ الإضافات غير الحلال:
قد تحتوي بعض منتجات الألبان التجارية على إضافات مثل الجيلاتين أو الإنزيمات أو المثبتات أو الفيتامينات المستخلصة من مصادر غير حلال، كمنتجات الخنزير أو الحيوانات غير المذبوحة وفقًا للشريعة الإسلامية.
ب التلوث المتبادل:
إذا تم تصنيع اللبن في منشآت تنتج أيضًا منتجات غير حلال، فقد يحدث تلوث متبادل، مما يؤثر على حلالية المنتج النهائي.
وضمن إرشاداتها تكشف المؤسسة أن بعض شركات الألبان تضيف شحم الخنزير إلى الحليب كمستحلب. وتتضمن اشتراطاتها لاعتماد أي مؤسسة تصديرية لتصدير اللبن الحلال ألا تتعامل المؤسسة مع الخنزير ولحمه ولبنه في نفس مكان إنتاج اللبن الحلال.
وتحدد مؤسسة الحلال الأمريكية العوامل التي تحدد ما إذا كان اللبن حلالا أم حرام في 5 أسئلة وهي:
1 ما مصدر اللبن؟ هل هو حيوان يحل أكله أم لا؟
2 هل علف الحيوان حلال؟
3 المواد المضافة ومساعدات المعالجة، هل مشتقة من حيوان حلال أم لا؟
4 هل الإنزيمات أو مساعدات المعالجة حلال؟
5 كيف يتم منع التلوث المتبادل والتلامس مع مادة غير حلال أثناء التعبئة؟
6 هل التغليف متوافق مع الشريعة الإسلامية؟
وتحدد آليات عملها في مراقبة الجهات الراغبة في الحصول على شهادة الحلال، أثناء تربية الحيوان، وأثناء تصنيع اللبن، وأثناء تعبئة اللبن.
لكن هل قرار إلغاء شهادة الحلال خطأ؟
الحقيقة أن إلغاء شهادة الحلال للبن، ليس قرارا خاطئا أو يتجاهل متطلبات الشريعة بالضرورة. والفيصل، ما هي الآلية البديلة لضمان أن الألبان حلال التي ستتخذها وزارة الزراعة المصرية.
لكن الخطأ، هو أن يخرج وزير الزراعة بتصريح “مفيش ألبان حرام”، وكأن اشتراط الشهادة سابقا كان ترفا دفع المصريون ملايين الدولارات بلا فائدة منه.