كتب محمود الهواري


09:03 ص


15/12/2025

تنحى لغز مثلث برمودا جانبا، بعدما كشف علماء عن لغز جيولوجي جديد أكثر عمقا تحت أرخبيل برمودا في شمال المحيط الأطلسي.

وبحسب نتائج دراسة نشرت في مجلة “Geophysical Research Letters” توصل باحثون إلى اكتشاف طبقة صخرية غير مألوفة بسمك يصل إلى 20 كيلومترا، تقع أسفل القشرة المحيطية مباشرة، في ظاهرة لم تسجل من قبل في أي منطقة مماثلة حول العالم.

وقال ويليام فريزر، المؤلف الرئيسي للدراسة وعالم الزلازل في مؤسسة كارنيجي للعلوم بواشنطن، إن الوضع الطبيعي يتمثل في وجود قشرة محيطية تعلو الوشاح مباشرة، إلا أن ما يميز برمودا هو وجود طبقة إضافية أسفل القشرة وداخل الصفيحة التكتونية التي تقوم عليها الجزيرة.

ورغم أن الأصل الدقيق لهذه الطبقة لا يزال غير محسوم، فإن الاكتشاف قد يفسر أحد أكثر الألغاز الجيولوجية المحيطة ببرمودا، وهي سبب ارتفاع قشرة المحيط في تلك المنطقة مقارنة بمحيطها، رغم غياب أي نشاط بركاني مستمر. ويُذكر أن آخر ثوران بركاني معروف في برمودا يعود إلى نحو 31 مليون سنة.

ويشير الباحثون إلى أن هذه الطبقة الصخرية العملاقة قد تكون نتاج آخر نشاط بركاني شهدته الجزيرة، حيث يرجح أن تكون صخور من الوشاح قد اندفعت إلى داخل القشرة ثم تجمدت في موضعها، مشكلة بنية تشبه “الطوف” أسهمت في رفع قاع المحيط بنحو 500 متر.

ورغم الشهرة الواسعة لبرمودا بسبب الأساطير المرتبطة بمثلث برمودا، يؤكد العلماء أن اللغز الحقيقي لا يكمن في حوادث السفن والطائرات، بل في السبب الجيولوجي الذي جعل برمودا منطقة مرتفعة وسط المحيط الأطلسي.

وعادة ما تفسر نشأة سلاسل الجزر، مثل هاواي، بوجود “نقاط ساخنة” في الوشاح الأرضي، ترتفع منها مواد ساخنة تؤدي إلى نشاط بركاني وارتفاع في قاع المحيط، لكن في حالة برمودا، لم يتراجع هذا الارتفاع رغم توقف النشاط البركاني منذ ملايين السنين، وهو ما اعتبره فريزر أمرًا غير مألوف.

واعتمد فريزر، بالتعاون مع جيفري بارك، أستاذ علوم الأرض والكواكب في جامعة ييل، على تسجيلات زلزالية التقطتها محطة رصد في برمودا لزلازل قوية وقعت في مناطق بعيدة من العالم.

ومن خلال تحليل التغيرات المفاجئة في سرعة الموجات الزلزالية، تمكن الباحثان من رسم صورة لبنية الأرض حتى عمق يقارب 50 كيلومترا أسفل الجزيرة.

وكشفت هذه التحليلات عن وجود طبقة صخرية سميكة ذات كثافة أقل من الصخور المحيطة بها، ما يعزز فرضية دورها في دعم ارتفاع قاع المحيط في المنطقة.

من جانبها، قالت سارة مازا، وهي جيولوجية في كلية سميث بولاية ماساتشوستس ولم تشارك في الدراسة، إن بقايا المواد الناتجة عن النشاط البركاني القديم تحت برمودا لا تزال تسهم في الحفاظ على ارتفاعها الجيولوجي داخل المحيط الأطلسي.

وأشارت مازا إلى أن أبحاثها السابقة حول تاريخ برمودا البركاني أظهرت أن الحمم البركانية هناك منخفضة في محتوى السيليكا، ما يدل على أنها نشأت من صخور غنية بالكربون، إذ كشفت دراسات حول نظائر الزنك في عينات من برمودا أن هذا الكربون مصدره أعماق الوشاح الأرضي، وربما اندفع إلى هناك خلال تشكل القارة العظمى بانجيا قبل ما بين 900 و300 مليون سنة.

وأضافت أن هذا النمط يختلف عن الجزر التي تشكلت بفعل النقاط الساخنة في المحيطين الهادئ والهندي، مرجعة ذلك إلى أن المحيط الأطلسي يعد محيطا حديث التكوين نسبيا، مقارنة بالمحيطين الآخرين اللذين كانا على أطراف بانجيا.

وفي ختام الدراسة، أوضح فريزر أنه يعمل حاليا على فحص جزر أخرى حول العالم لمعرفة ما إذا كانت تحتوي على طبقات صخرية مشابهة، أم أن برمودا تمثل حالة فريدة بالفعل.

وقال: “إن فهم موقع متطرف مثل برمودا يساعدنا على فهم المواقع الأقل تطرفا، ويمنحنا رؤية أوسع للعمليات الطبيعية التي تشكل كوكب الأرض”.

شاركها.