جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

تسعى الشركات الاستثمارية الكبرى في العالم اليوم للاستفادة من قاعدة “إغلاق الدائرة” في التخطيط لعملياتها ومشاريعها بشكل ربع سنوي، وذلك لما تحققه هذه القاعدة لها من فوائد تتعلق بتحديد أماكن الضعف التي يمكن معالجتها لتزداد أرباحها في الربع التالي.
ولا تقتصر أهمية هذه القاعدة على الشركات الاستثمارية، ولكنها تمتد أيضا للقطاعات الحكومية. ولذا تعد هذه القاعدة من أهم القواعد الأساسية التي يتم تعليمها في كثير من المعاهد الدولية المتخصصة في مجال القيادة والتطوير المؤسسي.
وتعني قاعدة “إغلاق الدائرة”، بناء عملية صنع القرار على المعلومات الناتجة عن عملية التقييم والمتابعة، وبالتالي تكون القرارات مستندة للمعلومات والأدلة المستقاة من الواقع، فعملية التقييم والمتابعة أداة لتطوير القرارات والارتقاء بها وليست غاية في حد ذاتها.
ويتضح في الممارسة العملية أن تطبيق هذه القاعدة ليس أمرا سهلا في القطاعات الحكومية مقارنة بالشركات الاستثمارية ، وذلك يرجع إلى أن اتخاذ القرار في القطاعات الحكومية بخصوص أي مشكلة تكتنفه كثير من القيود والمحاذير على نحو يقلص فرص تنفيذ عمليات المتابعة والتقييم والاستفادة من المعلومات والبيانات الناتجة عنها، وأحيانا يضع قيود على جمع البيانات والمعلومات ابتداءً. وبسبب تلك القيود تظل الخطط التي تضعها القطاعات الحكومية تتم بعيدا عن بيانات ومعلومات كاملة عن الواقع كما يعيشه الناس.
حيث تفيد التجربة العملية والممارسة الدولية بأن قاعدة “إغلاق الدائرة” ليست قابلة للتطبيق في كل السياقات، فأحيانا يكون إغلاق الدائرة مهم لضمان تحقيق التغيير والتطوير علي النحو المخطط له وبما لا يترك فجوات يتم استخدامها لإحباط أو إفشال عملية التغيير سواء بقصد أو بدون قصد. وفي أحيان أخرى قد يترتب على إغلاق الدائرة توسيع دائرة المتضررين من عمليات التطوير علي نحو يمس باستدامة التطوير نفسه ، وبالتالي إهدار أي استثمارات رصدت للتطوير من الأساس.
وترتبط بعض تلك القيود التي تقوض تنفيذ القطاعات الحكومية لقاعدة “إغلاق الدائرة ” بعامل الوقت والفترة الزمنية الضيقة التي يتعين على الجهة الحكومية التحرك خلالها لمعالجة مشكلة ما أو الاستجابة العاجلة لأزمة ما والتي لا تتيح الوقت اللازم لتنفيذ عملية متابعة وتقييم دقيقة وشاملة. وهناك أيضا قيود ناتجة عن اعتبارات اجتماعية وثقافية وسياسية، وبعضها الآخر يرتبط بالقدرات التقنية والفنية الخاصة بالتوظيف الجيد للبيانات والمعلومات والتوصيات الناتجة عن عملية التقييم والمتابعة.
ونظرا لأهمية التقييم والمتابعة طورت عدة ممارسات إيجابية في هذا الصدد، فعلى سبيل المثال تلجأ عديد من المنظمات الدولية المانحة مثل الاتحاد الاوروبي والبنك الدولي للاستعانة بمقيمين مستقلين لضمان الحصول على بيانات واقعية حول ما تنفذه الدول والحكومات من مشاريع وبرامج ممولة من جانبها، وعادة ما يكون هؤلاء المقيمين من المجتمع المدني أو القطاع الخاص أو خبراء مستقلين.
وعلى مستوى الدول، تقدم جنوب أفريقيا ممارسة متميزة حيث أنشأت إدارة لمتابعة وتقييم الأداء تتبع مؤسسة الرئاسة، وتقوم هذه الإدارة بعمليات التقييم والمتابعة في مختلف البرامج والخطط الوطنية التي تنفذها الوزارات باعتبار تلك العمليات أداة لتطوير وتحسين الأداء وليست غاية في حد ذاتها. وقد بذلت هذه الإدارة منذ إنشائها مجهودا لحوكمة عمليات التقييم والمتابعة في الدولة من خلال وضع سياسات وإجراءات تحدد كيفية تنفيذ المتابعة والتقييم، وأيضا تتعلق بكيفية الاستفادة من المعلومات والتوصيات الناتجة عن عمليات التقييم والمتابعة في أي قرارات جديدة يتم اتخاذها أو في تعديل القرارات المنفذة والتي اتضح وجود نقص فيها.
والعامل المهم في هذه الممارسات هو مستوى ما تمتلكه القيادات المسئولة عن المشاريع والبرامج من مهارات وكفاءات التوظيف الجيد للبيانات الناتجة عن التقييم والمتابعة، فهذه الكفاءات هي التي تمكن القائدة من اتخاذ قرار إغلاق الدائرة أو تركها مفتوحة.

شاركها.