جميع الآراء المنشورة تعبر فقط عن رأى كاتبها، وليست بالضرورة تعبر عن رأى الموقع

الصورة التقليدية عن دول شمال أوروبا أنها تعيش في مكانها بعيدة عن العالم ومشاكله، وأن الترف الذي تعرفه في حياة مواطنيها يجعلها لا تبالي كثيراً بما يملأ عالمنا المعاصر من أزمات، ومشكلات، وحروب في كل مكان تقريباً.

ولكن لأن حرب الإبادة التي شنتها وتشنها حكومة التطرف في تل أبيب على الفلسطينيين في قطاع غزة بالأساس، وعلى الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً، ليست كأي حرب عرفناها من نوعها، فإنها قد استدعت دول الشمال المُترفة إلى القلب من الإبادة الدائرة، وصرنا نسمع ونقرأ عن مواقف لهذه الدول لم يكن من الممكن اتخاذها ما لم يكن الحاصل للفلسطينيين إبادة حقيقية.

قرأنا لرئيسة وزراء الدنمارك، ميته فريدريكسن، أن بنيامين نتنياهو، رئيس حكومة التطرف في تل أبيب، هو مشكلة في حد ذاته. والمعنى أنه لا حل لهذه المقتلة التي لا تتوقف للفلسطينيين في القطاع وفي الضفة، ما لم يرحل هذا الكائن عن رئاسة الحكومة. فلقد تحول الأمر معه من هجوم على حركة حماس في البداية رداً على هجوم طوفان الأقصى، إلى ممارسة القتل في حق الفلسطينيين من أجل القتل في حد ذاته!

وفي غياب مجتمع دولي قادر على لجم هذا المجرم القاتل، فإن منظر الدم الذي يسيل في القطاع والضفة ساعات الليل والنهار يزيده تعطشاً للمزيد من سفك دماء الأطفال بالذات، ولا دليل على هذا إلا أن ربع عدد الذين سقطوا شهداء منذ بدء الحرب قبل ما يقرب من العامين هم من الأطفال!.. فإذا عرفنا أن مجمل العدد زاد على الستين ألفاً، تبين لنا أن عدد أطفال غزة والضفة الذين لقوا حتفهم لا يقل عن ١٥ ألفاً!

من أجل هذا ضاقت رئيسة وزراء الدنمارك ذرعاً بمشهد القتل اليومي، ورأت أن المشكلة هي في وجود هذا المتطرف على رأس الحكومة.

وليست حكومة الدنمارك وحدها التي بادرت إلى الإعلان عن هذا الموقف الشجاع، ولكن حكومة هولندا بادرت هي الأخرى وأعلنت أن إيتمار بن غفير، وزير الأمن الداخلي في حكومة التطرف الإسرائيلية، وبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية في الحكومة نفسها، شخصان غير مرغوب فيهما بالنسبة لها. والمعنى أنهما معرضان للاعتقال إذا ما فكرا في دخول البلاد.

وقد بلغ الخلاف بين أعضاء الحكومة الهولندية حول فرض عقوبات على إسرائيل، إلى حد أن وزير الخارجية كاسبار فيلدكامب، قدم استقالته عندما احتدم الخلاف واشتد داخل الحكومة حول القضية، وكان تقدير الوزير أنه لا بد من عقوبات!

والحقيقة أن الثلاثة، نتنياهو وبن غفير وسموتريتش، مكانهم أمام العدالة في المحكمة الجنائية الدولية، لعلها تسترد منهم بعضاً من حق هؤلاء الذين جرى قتلهم بلا سبب في القطاع وفي الضفة، ولكن المحكمة الجنائية الدولية تقف عاجزة عن فعل شيء، وبرغم ما صدر عنها في حق نتنياهو على سبيل المثال.

أصحاب الضمائر الحرة في العالم يتألمون في كل لحظة، لا لشيء، إلا لأنهم يقفون كالمحكمة الدولية عاجزين، ولكن إذا كان هذا هو حال الأرض وأهلها في العجز وقلة الحيلة، فالمؤكد أن عدل السماء لن يغيب.

شاركها.