شهيد وأسير ومصاب.. صحفيو غزة يواجهون الرصاص بالكلمة والصورة
كتبت سارة أبو شادي
تصميم غلاف مصطفى زهران
في فلسطين لا فرق بين مُجاهدًا يحمل السلاح دفاعًا عن أرضه المُغتصبة، وصحفيّا يوثق صورًا ومشاهد لجرائم محتل غاشم ضد مدنيين أبرياء عزل، هؤلاء سلاحهم “القلم والكاميرا” في مواجهة رصاصات الاحتلال أو صواريخه، بل تجدهم دائمًا بالصفوف الأولى في الميدان، يوثقون وينقلون الحدث وبعد لحظات يصبحون هم الحدث ذاته.
صباح السبت ، السابع من أكتوبر 2023، ومع بدء إغارة المقاومة الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في غلاف قطاع غزة بشكل مفاجئ، كان العالم أجمع يُشاهد صورًا وفيديوهات، ينقلها صحفيو القطاع الذين تواجدوا لتوثيق الحدث، كانوا بمثابة المقاتلين في الميدان، لم يهابوا رصاصات العدو، فطالت بعضهم وسقطوا ما بين شهيد وجريح وأسير.
في تلك القصة نسرد بعضًا من حكايات صحفيين على لسان عائلاتهم، منهم من نال الشهادة ومنهم من وقع أسيرًا وآخرين أصيبوا، خلال الأيام الماضية في قطاع غزة منذ بدء عملية “طوفان الأقصى”.
“الصالحي” شهيد على مشارف إيريز
محمد البابا مصور وكالة الأنباء الفرنسية وخال المصور الصحفي الشهيد الشاب محمد الصالحي، سرد لمصراوي حكاية استشهاد نجل شقيقته محمد، الشاب الذي هوى الصحافة في طفولته حبّا في وطنه وحبًا في خاله الذي حاول الاقتداء به، فالشاب الشهيد صاحب الـ29 عامًا ،عمل كمصورًا صحفيّا حرًا للعديد من المواقع الإخبارية ووكالات الأنباء.
لأكثر من 5 سنوات يعمل محمد في الصحافة بقطاع غزة، وثّق بعدسة كاميرته الأحداث الهامة التي مرّ بها وطنه وأبنائه، تواجد في مسيرات العودة، ووثقت صوره مجازة الاحتلال ضد المواطنين العزل، ولم تكن عدسته توثق فقط مشاهد الحزن، بل كان للحظات الفرح نصيبًا فعمل مصورًا للعديد من حفلات التخرج وغيرها من المناسبات السعيدة.
“محمد كانت حياته عبارة عن كاميرا وعدسة وعائلة” في يوم استشهاد الشاب وتحديدًا السابع من أكتوبر 2023، توجه رفقة عدد من زملائه الصحفيين لتغطية الأحداث شرق مدينة إبريز، وأثناء عمله تلقى الشهيد رصاصة غدر في صدره، فسقط أرضًا تنزف دماؤه على كاميرته التي كان ممسكًا بها في يديه، ومع محاولات إسعافه لكن روجه كانت قد فاضت إلى بارئها، تاركًا خلفه زوجة شابه وجنين حصل على لقب نجل شهيد قبل قدومه إلى الحياة، ليكون بذلك محمد الصالحي أول الشهداء الصحفيين الذين سقطوا مع بداية “طوفان الأقصى”.
حب محمد للصحافة كانت بدايته لدى خاله محمد البابا المصور بوكالة الأنباء الفرنسية، صاحب الـ55 عامًا والذي وثق بكاميرته كافة الأحداث الهامة التي مرّ بها قطاع غزة، وكان شاهدًا على العديد من حروبها لسنوات، وتعرض هو الآخر لإصابة خطيرة في قدميه الاثنتين خلال مسيرات العودة، لكن هذا الأمر لم يثنيه للتخلي عن دوره تجاه وطنه.
“مقدرتش أشارك في جنازة محمد” لم يتمكن خال الشهيد الشاب من حضور جنازته نتيجة عمله والأحداث التي تدفع به نحو توثيقها على مدار الساعة واستكمال مسيرة محمد ورفاقه الذين استشهدوا لنقل الصورة، وأيضًا بسبب القصف العشوائي على المدن في القطاع من قبل الاحتلال، فالمسافة بين المنطقة التي يتواجد بها “البابا” وعائلة محمد، تبعد حوالي نحو 25 دقيقة لذا كان هناك صعوبة في الوصول والمشاركة بالجنازة.
الأحداث حاليّا في غزة مختلفة تمامًا عن السابقة، تلك الحرب هي الأشد عدوانًا على القطاع، عاصر “البابا” العديد من العدوان على غزة لكن تلك المرة هي الأشد ، فالاحتلال الإسرائيلي يستهدف المنازل فوق ساكنيها وهم نيام دون تحذير، لم يفرق بين طفل أو شاب يحمل السلاح، استهدف المستشفيات والمساجد وسيارات الإسعاف، في كل حرب لم يكن هناك استهداف مباشر للصحفيين كثيرًا لكنّ اليوم حتى في ظل اتخاذ جميع الإجراءات، لم ينجوا الصحفيون من الاستهداف المباشر.
خلال اللحظات القادمة من المتوقع أن تكون هي الأصعب على الصحفيين في غزة وفقا لمصور وكالة الأنباء الفرنسية، في ظل انقطاع الكهرباء، وتوقع نفاذ السولار وذلك عقب الحصار الذي يعمل الاحتلال على فرضه من جانب، واستهداف البنى التحتية من جانب آخر، لذا فمن الممكن أن يعجز الصحفيون أنفسهم من نشر الصور والفيديوهات، التي يوثقون من خلالها جرائم إسرائيل على القطاع، فوفقًا لـ “البابا ” كل ما تعرضت له غزة من عام 2008 حتى الآن لا يقارن بما يجري اليوم”.
مصير مجهول لـ”هيثم عبد الواحد”
في نفس المنطقة “إيريز” وبالقرب من محمد الصالحي، تواجد المصور الصحفي الشاب هيثم عبد الواحد، شقيق هيثم الأكبر هشام تحدث عن فقدان الاتصال بشقيقه منذ اليوم الأول من عملية طوفان الأقصى، وحتى اللحظة لا توجد أنباء عن الشاب.
ففي يوم السابع من أكتوبر ومع انتشار أنباء تفيد بتسلل عدد من رجال المقاومة الفلسطينية إلى بعض مستوطنات غلاف قطاع غزة ومن بينهم سديروت، استعد الشاب الفلسطيني هيثم للخروج من أجل أداء عمله ومع اشتداد الأحداث حاولت عائلة هيثم حسب شقيقه التواصل معه ما بين العاشرة والحادية عشر صباحًا لكنهم لم يتلقوا أي اتصال منه.
بعد ساعات قليلة تداولت أنباء من معبر إيريز بأنّ هناك صحفي تم استشهاده وفقد الاتصال باثنين آخرين، ومع القلق الشديد الذي عاشت فيه عائلة الشاب، لكنّهم تأكدوا فيما بعد أنّ الشاب الذي استشهد هو إبراهيم لافي صديق وزميل هيثم، وفقد الاتصال به، بعد ذلك تم إبلاغ “هشام” أن المكان الذي تواجد فيه شقيقه وزملائه، تم استهدافه وانقطع الاتصال.
“سمعنا فيما بعد أنه تم أسر نضال الوحيدي، لكن لم يتم التأكيد على أسر هيثم، عائلة نضال تعرفت على نجلها من الفيديو الذي نشره الجانب الإسرائيلي للأسرى الفلسطينيين، وبالرغم من انتشار فيديو يكشف تواجد هيثم رفقة نضال في إيريز، لكنّ عائلة الشاب هيثم عبد الواحد لم تتأكد حتى اللحظة من أنّه تم أسر نجلهم.
تواصل “هشام” فيما مع الصليب الأحمر للتأكد من وجود هيثم في قبضة الاحتلال الإسرائيلي، لكن الصليب الأحمر لم يبلغهم بعد بمصير نجلهم.
“أي صحفي في فلسطين معرض لخطر الأسر أو الاستشهاد”، على مدار نحو 6 سنوات وخلال الحروب التي شهدتها غزة خلالهم، ووثقها هيثم بكاميرته عرف بالتزامه بالصحافة اللاعنفية ومهنيته القصوى، لازال هيثم مختفيا غير معلوم مصيره، بينما لم يترك الاحتلال عائلته بسلام، فاستهدف منزل شقيقه هشام اليوم، في قصف صاروخي.
إبراهيم قنن.. إصابة قبل البث
في اليوم الأول للحرب وتحديدًا في الثانية عشر ظهرًا، كان مراسل قناة الغد إبراهيم قنن، يستعد للخروج في بث مباشر من داخل مجمع ناصر الطبي في مدينة خانيونس بقطاع غزة ، لكن وفجأة وبدون تحذير تم استهداف إحدى سيارات الإسعاف والتي كانت تحمل مصابين نتيجة القصف الإسرائيلي، على مسافة قريبة من إبراهيم وزميله، ما أدى إلى إصابتهما بشظايا,
“لما انقصفت السيارة كنا قريبين منها” أصيب إبراهيم بنحو 13 شظية في جميع أنحاء جسده وتحديدًا بالجهة اليمنى ، بالذراع والقدمين وأيضًا بشظايا في الصدر و الأكتاف، بينما أصيب زميله حسام الكردي، بشظايا بالبطن والصدر والرقبة، مكث إبراهيم في المستشفى عدة ساعات من أجل تضميد جراحة وزميله، أبلغهم الأطباء بالعودة إلى منازلهما والحصول على راحة لكنهما قررا استكمال المهمة التي أصيبا من أجلها ألا وهي نقل صورة ما يحدث في قطاع غزة إلى العالم.
في اليوم الثالث وأثناء تواجد إبراهيم على الهواء مباشرة لاستكمال التغطية، تلقى خبر استشهاد 10 من عائلته في قصف منزل ابن عمه غرب مدينة خانيونس، كان صعبًا لكنّه لم يقطع التغطية وقرر استكمال عمله رغم ألمه الشديد، سواء من الإصابة أو حتى من استشهاد عددًا كبيرًا من عائلته.
” احنا ما فيه أمامنا خيار سوى مواصلة رسالتنا وكشف جرائم إسرائيل ضد شعبنا” في اليوم الأول أصيب وزميله واستكمل عمله وفي اليوم الثالث قصف منزل أقاربه مستكملًا أيضًا عمله، فلايوجد أمامه وغيره من الصحفيين في غزة سوى استكمال عملهم لكشف الحقيقة.
” لا نملك إلا الكاميرا والصورة والكلمة من أجل إيصال صوت الشعب الفلسطيني إلى العالم، هذا قدرنا وهذا خيارنا ونحن راضون” مراسل قناة الغد في قطاع غزة إبراهيم قنن.
استشهاد وفقدان اتصال
وأعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة، اليوم الثلاثاء، استشهاد 7 صحفيين فلسطينيين منذ العدوان الإسرائيلي على القطاع السبت الماضي.
وقالت وحدة الرصد والمتابعة بالمكتب الإعلامي الحكومي، إنها وثقت عشرات الاعتداءات والجرائم بحق الصحفيين ووسائل الإعلام، مؤكدة استشهاد 7 من الصحفيين، هم إبراهيم لافي، محمد جرغون، محمد الصالحي، أسعد شملخ، سعيد الطويل، محمد صبح أبو رزق، هشام النواجحة.
وأشارت إلى إصابة أكثر من 10 صحفيين بجروح وإصابات متفاوتة، وفقدان الاتصال مع إثنين وهما نضال الوحيدي وهيثم عبد الواحد، متابعة أنّه تم استهداف وهدم منازل صحفيين بشكل كلي لكل من الزملاء رامي الشرافي وباسل خير الدين، وتضرر جزئي لمنازل عشرات الصحفيين”.
فيما تم الإعلان اليوم، عن استشهاد الصحفية سلام ميمة وزوجها وأطفالها الثلاثة هادي وعلي وشام، في قصف منزلهم في مخيم جباليا.
وقالت وحدة الرصد “هناك تضرر بليغ لمقار عشرات المؤسسات الإعلامية بشكل كلي وجزئي جراء قصف مبان وأبراج سكنية من ضمنهم برجي فلسطين ووطن، حيث تم حصر تضرر أكثر من 40 مقرا لوسائل الإعلام، مؤكدة على مواصلة صحفيينا لدورهم المهني وواجبهم الوطني بتغطية مجريات العدوان، وبذل المزيد من الجهد لفضح جرائم الاحتلال وكشف زيف ادعاءاته”.
وأدان المكتب الإعلامي الحكومي جرائم الاحتلال، داعيا إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية فيها. وطالب المكتب المؤسسات المعنية بحرية العمل الإعلامي بشطب عضوية الاحتلال منها كإجراء ضاغط وموقف أولي في ظل هذه الجرائم المرتكبة.