مصراوي

في أعقاب الهدنة التي تم التوصل إليها في قطاع غزة، وعقب “قمة شرم الشيخ للسلام”، صعّدت مصر من نشاطها الدبلوماسي لاحتواء التوتر المتزايد بين لبنان وإسرائيل، بالتزامن مع تصاعد القصف الإسرائيلي على مناطق لبنانية.

وتقود القاهرة مبادرة جديدة تهدف إلى تهدئة الوضع في الجنوب اللبناني، وتثبيت وقف إطلاق النار، ضمن ما يُعرف بـ”المبادرة المصرية” التي تشمل لبنان وإسرائيل بمشاركة الولايات المتحدة.

بدأت التحركات المصرية بسلسلة لقاءات واتصالات رفيعة المستوى؛ حيث التقى رئيس الوزراء مصطفى مدبولي نظيره اللبناني في القاهرة الأسبوع الماضي، في أول اجتماع للجنة المصريةاللبنانية المشتركة منذ ست سنوات.

وخلال مؤتمر صحفي أعقب اللقاء، شدد مدبولي على ضرورة إنهاء الأزمة اللبنانية الإسرائيلية وانسحاب القوات الإسرائيلية من الجنوب.

وفي السياق نفسه، زار رئيس المخابرات المصرية، حسن رشاد، العاصمة بيروت، حيث أجرى محادثات مع الرئيس اللبناني جوزيف عون وعدد من كبار المسؤولين، ناقش خلالها الأوضاع في الجنوب وإمكانية توسيع اتفاق شرم الشيخ ليشمل لبنان.

22_11zon

ووفق بيان صادر عن الرئاسة اللبنانية، أبدت مصر استعدادها للمساهمة في تثبيت الاستقرار في الجنوب وإنهاء التوتر الأمني هناك.

تستند المبادرة، وفق مصادر دبلوماسية مصرية تحدّثت إلى “بي بي سي”، إلى خطة تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من خمس نقاط في الجنوب اللبناني، مقابل التزام بيروت بسحب سلاح “حزب الله” وإعادة انتشار الجيش اللبناني في المنطقة الحدودية.

وتتضمن المبادرة أيضًا وقفًا كاملًا لأي اعتداءات أو خروقات إسرائيلية برًا أو جوًا، بمجرد دخول الاتفاق حيّز التنفيذ.

أكدت الصحفية اللبنانية ميساء عبد الخالق لـ”بي بي سي” أن القاهرة عرضت وساطتها خشية اندلاع حرب شاملة على لبنان، مشيرة إلى أن مدير المخابرات المصري قدم المقترح رسميًا خلال زيارته لبيروت.

كما أوضح الكاتب المصري أشرف العشري، من صحيفة الأهرام، أن الجانب اللبناني — برئاسة الرئيس جوزاف عون ورئيس الوزراء نواف سلام ورئيس البرلمان نبيه بري — طلب مهلة لدراسة تفاصيل المبادرة قبل الرد عليها.

33

ورحّبت الرئاسة اللبنانية رسميًا بالدعم المصري، مؤكدة تقديرها لأي جهد يهدف إلى وقف الاعتداءات الإسرائيلية وإعادة الاستقرار.

وأشارت عبد الخالق إلى أن الدولة اللبنانية، وعلى رأسها الرئيس عون، أبدت تجاوبًا إيجابيًا مع المبادرة، في حين لم تُبدِ إسرائيل موقفًا رسميًا بعد، مفضلة المفاوضات المباشرة والسعي إلى إقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات داخل الأراضي اللبنانية.

أما “حزب الله”، فقد أبدى بحسب المصادر استعدادًا لقبول مفاوضات غير مباشرة تحت إشراف لجنة مراقبة وقف إطلاق النار (الميكانيزم)، التي تضم الرئيس عون وبري وسلام كممثلين للبنان.

وذكر العشري أن مصر حصلت على الضوء الأخضر من الولايات المتحدة للمضي في وساطتها، وأن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وافق مبدئيًا على الدور المصري خلال زيارة رئيس المخابرات المصري إلى تل أبيب قبل ثلاثة أسابيع.

وأشار إلى أن علاقات القاهرة المباشرة مع تل أبيب تمنحها قدرة على ضمان تنفيذ أي التزامات مستقبلية.

رغم الترحيب بالمبادرة، تواجه الوساطة المصرية عقبتين رئيسيتين: تسليم سلاح “حزب الله” وانسحابه من جنوب نهر الليطاني، مقابل انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني.

44_11zon

وترى عبد الخالق أن هذين الشرطين قد يشكلان عقبة أمام تقدم الجهود المصرية، في ظل رفض الحزب التخلي عن سلاحه، وسط تقارير تتحدث عن إعادة تجهيز ترسانته العسكرية.

في المقابل، أوضح العشري أن القاهرة تجري اتصالات مستمرة مع طهران عبر وزيري الخارجية للضغط على “حزب الله” من أجل التعامل بإيجابية مع المبادرة، خشية توسع الهجمات الإسرائيلية كما يهدد قادة في تل أبيب.

ذكرت هيئة البث الإسرائيلية، قبل نحو أربعة أيام، أن إسرائيل تدرس زيادة وتيرة الضربات العسكرية داخل لبنان، ما أثار قلقًا أميركيًا من رد الحكومة اللبنانية.

وفي هذا الإطار، دعا الرئيس اللبناني جوزاف عون الجيش إلى “التصدي لأي توغل إسرائيلي”، عقب مقتل موظف بلدي في قرية حدودية جنوبي البلاد برصاص قوة إسرائيلية.

تجدد مصر باستمرار رفضها لـ”الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان”، مؤكدة دعمها الكامل لبيروت وسعيها إلى حل دبلوماسي شامل.

ويترقب المجتمعان الإقليمي والدولي مدى إمكانية تفعيل المبادرة المصرية كمسار جديد لتهدئة الصراع اللبناني الإسرائيلي وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.

شاركها.