الوادي الجديد محمد الباريسي:
على وقع ارتفاع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، تشتعل حرب أخرى صامتة في محافظة الوادي الجديد، بطلها كائنات صغيرة قاتلة تخرج من جحورها بحثًا عن ملجأ، لتصيب العشرات من أبناء المحافظة بلدغاتها السامة.
ليست هذه قصة عابرة، بل هي حقيقة مؤلمة يعيشها سكان المحافظة مع كل موجة حر، حيث تحولت العقارب إلى كابوس يطارد الكبار والصغار على حد سواء.
في ليلة صيفية حارقة بحي السبط في مدينة الخارجة، استيقظ الطفل حمزة محمد وصفي، البالغ من العمر 11 عامًا، على ألم حاد في قدمه اليسرى، لم يدرك الصغير في البداية أن عقربًا سامًا لدغه داخل منزله، حتى بدأ الألم يشتد والتورم يظهر بوضوح، في الوقت نفسه، وعلى بعد مئات الكيلومترات في قرية الكفاح بمركز الفرافرة، تعرضت الرضيعة شمس وجدي عزت، ذات العام الواحد، لحادثة مشابهه عندما لدغها عقرب أثناء نومها.
هاتان الحادثتان ليستا معزولتين، بل جزء من مشهد أوسع يعيشه سكان محافظة الوادي الجديد هذا الصيف، حيث سجلت المحافظة 74 حالة لدغ عقرب من يوم 15 يوليو وحتى 18 أغسطس الجاري، وفقًا لتقرير صادر من الشئون الصحية بالوادي الجديد خاص لموقع “مصراوي”.
هكذا بدا الوجهُ الآخر لصيف الوادي الجديد، حيث تُجبر موجةُ الحر الكائناتِ السامة على مغادرة مكامنها بحثًا عن رطوبة وظلٍّ أبرد غالبًا ما يكونان داخل البيوت أو حولها، هذا المشهد الإنساني ليس استثناءً، بل علامةٌ على موسمٍ يُجرِّب فيه المواطنون معنى الحرّ اللاذع حرفيًا.
الحر يخرج العقارب من الجحور
تشهد محافظة الوادي الجديد منذ مطلع شهر يونيو الماضي موجة حر شديدة، حيث وصلت درجات الحرارة إلى مستويات قياسية تجاوزت 48 درجة مئوية في بعض المناطق.
هذه الظروف المناخية القاسية دفعت العقارب للخروج من جحورها الصحراوية بحثًا عن بيئة أكثر رطوبة وبرودة، وهو ما يفسر ظهورها بشكل مكثف داخل المنازل أو بالقرب منها.
يؤكد الدكتور عصام الكومي، مدير مديرية الطب البيطري بالوادي الجديد لـ”مصراوي” أن العقارب تنشط خلال فترات الحر الشديد، حيث تبحث عن مصادر المياه والظلال الباردة، مما يزيد من احتمالية تواجدها في الأماكن السكنية، خاصة في المناطق الريفية والمزارع.
المزارعون في مرمى الخطر
لا تقتصر المخاطر على سكان المدن فحسب، بل تمتد لتشمل المزارعين العاملين في الحقول، الذين يواجهون تهديدًا مضاعفًا من لدغات العقارب السامة، بالإضافة إلى خطر أكبر يتمثل في لدغات ثعبان الحية أو الطريشة القاتلة، التي تعتبر من أخطر الزواحف السامة في المنطقة.
ويحكي المزارع صالح أحمد صالح، مزارع بمنطقة عين ياسين جنوب مدينة الخارجة لـ”مصراوي” عن تجربته المؤلمة: “كنت أعمل في الحقل عند المغرب، وفجأة شعرت بألم شديد في قدمي. اكتشفت أن عقربًا لدغني، وبدأ التورم والألم ينتشر بسرعة، لولا سرعة نقلي للمستشفى لكانت العواقب وخيمة”.
أنواع العقارب والثعابين السامة في الوادي الجديد
قال مدير الطب البيطري بالوادي اجلديد، إن الوادي الجديد يحتضن عدة أنواع من العقارب، أبرزها:
•العقرب الأصفر: يعد الأكثر شيوعًا في الواحات، ولسعته مؤلمة جدًا للأطفال وكبار السن.
•العقرب الأسود: وهو الأخطر، إذ يتسبب سمه مشكلات عصبية حادة وقد يهدد الحياة إذا لم يُعالج المصاب سريعًا.
•العقرب الصخري: ينتشر في المناطق الجبلية والوعرة، وتقل خطورته مقارنة بالأنواع الأخرى لكنه يظل مؤذيًا.
إلى جانب ذلك، تبقى لدغات الثعابين السامة، وعلى رأسها الطريشة، التهديد الأخطر الذي قد يؤدي إلى الوفاة خلال وقت قصير إذا لم يُحقن المصاب بالمصل المناسب حتى أن هناك مثل شعبي محلي بالوادي الجديد يقول ” اللي تلدغه الحية جهزه المية” كناية عن تجهيز مياه لتغسيل المصاب لأنه أغلب الأوقات يموت وذلك قبل التقدم الطبي وتوفير المصل المناسب للدغات الطريشة.
الإجراءات المتبعة
في تصريح خاص لموقع “مصراوي”، أكد الدكتور شريف صبحي، وكيل وزارة الصحة بالوادي الجديد، أن المحافظة جرى تجهيزها بكميات كافية من المصل المضاد للسعات العقارب والثعابين، موزعة على جميع المستشفيات والوحدات الصحية.
وأوضح الدكتور صبحي أن “البروتوكول الطبي المتبع يقوم على تقييم حالة المصاب فور وصوله، حيث جرى تدريب الطواقم الطبية على التعامل السريع مع هذه الحالات، المصل المضاد متوفر على مدار 24 ساعة، وجرى تأمين خطوط نقل سريعة للحالات الحرجة من المناطق النائية إلى المستشفيات المركزية”.
وأشار إلى أن “74 حالة جرى استقبالها على مدار الـ30 يوما الماضية، تراوحت أعمارهم بين عام واحد و65 عامًا، وجرى علاج جميعها بنجاح دون تسجيل أي وفيات، بفضل سرعة التدخل وتوفر العلاج المناسب”.
خطة طوارئ شاملة
كشف الدكتور هشام بكر ، مدير الطب الوقائي بالوادي الجديد، أنه جرى وضع خطة طوارئ شاملة لمواجهة ازدياد حالات اللدغ خلال فصل الصيف، تشمل زيادة المخزون الاستراتيجي من الأمصال، وتدريب الطواقم الطبية، وتوفير سيارات إسعاف مجهزة بالأدوية الطارئة.
وأضاف هشام، أنه جرى تخصيص خط ساخن للإبلاغ عن حالات الطوارئ، كما جرى تنظيم حملات توعية في القرى والمراكز النائية لتعريف السكان بطرق الوقاية والإسعافات الأولية.
نصائح الوقاية والحماية
لحماية المواطنين من خطر لدغات العقارب والثعابين، يقدم خبراء الصحة العامة عدة نصائح مهمة:
داخل المنزل:
•فحص الأحذية والملابس قبل ارتدائها، خاصة في الصباح
•إغلاق الشقوق والفتحات في الجدران والأسقف
•استخدام الناموسيات حول الأسرّة
•تنظيف المنزل بانتظام وإزالة الأكوام والمخلفات
•رش المبيدات الآمنة حول المنزل بصفة دورية
في الحقول والمزارع:
•ارتداء الأحذية العالية والقفازات أثناء العمل
•حمل مصباح يدوي عند العمل ليلاً
•فحص أدوات العمل قبل الاستخدام
•تجنب وضع اليد في الأماكن المظلمة دون فحصها
•الحرص على تنظيف مناطق العمل من الأكوام والمخلفات
الإسعافات الأولية عند التعرض للدغ
في حالة التعرض للدغ عقرب أو ثعبان، ينصح اء باتباع الخطوات التالية:
فورياً:
•الحفاظ على الهدوء وعدم الذعر
•غسل مكان اللدغة بالماء والصابون
•وضع كمادات باردة على المنطقة المصابة
•منع المصاب من الحركة المفرطة
•رفع العضو المصاب إلى أعلى إن أمكن
ممنوع نهائياً:
•شق مكان اللدغة أو محاولة امتصاص السم
•وضع كمادات ساخنة أو ثلج مباشر
•إعطاء المصاب أي مشروبات أو أدوية
•ربط المنطقة المصابة بإحكام شديد
الإسعاف الطارئ:
•النقل السريع لأقرب مستشفى أو وحدة صحية
•الاتصال بالإسعاف على رقم 123
•إبلاغ الطاقم الطبي بنوع اللدغة إن أمكن
•مراقبة العلامات الحيوية للمصاب أثناء النقل
ومع استمرار موجة الحر الشديدة، تواصل مديرية الشئون الصحية في الوادي الجديد جهودها لحماية المواطنين، مؤكدة على أهمية الالتزام بإرشادات الوقاية والسرعة في طلب المساعدة الطبية عند التعرض للدغ، لضمان سلامة الجميع خلال هذا الصيف الحارق.
بين موجة الحر التي تلفح وجوه الأهالي، وزحف العقارب والثعابين بحثًا عن برودة المنازل، يعيش سكان الوادي الجديد صيفًا استثنائيًا يحمل في طياته الكثير من الخوف والقلق، ومع أن المصل المضاد والإجراءات الطبية خففت من وقع الكارثة، إلا أن الحذر والوعي يظلان خط الدفاع الأول أمام هذا العدو الصامت.