أمريكا: على الحلفاء الأفارقة الاستعداد للاعتماد بشكل أكبر على أنفسهم

07:17 م
الأحد 25 مايو 2025
طانطان، المغرب (أ ب)
تتراجع القوات الأمريكية عن خطابها المعتاد حول “الحكم الرشيد” ومعالجة الأسباب الجذرية للتمرد، وتميل بدلا من ذلك إلى إيصال رسالة مفادها أن على “حلفائها الضعاف ” في إفريقيا أن يكونوا أكثر استعدادا للاعتماد على أنفسهم.
وخلال مناورات “الأسد الإفريقي”، وهي أكبر تدريب مشترك للقوات الأمريكية في القارة، بدا هذا التحول واضحا. وقال الجنرال مايكل لانجلي، كبير المسؤولين العسكريين الأمريكيين في إفريقيا، في مقابلة مع وكالة أسوشيتد برس: “نحن بحاجة إلى رفع شركائنا إلى مستوى العمليات المستقلة”.
وأضاف لانجلي أمس الأول الجمعة، في اليوم الأخير من المناورات: “يجب أن يكون هناك تقاسم للأعباء”.
وعلى مدى أربعة أسابيع، تدربت قوات من أكثر من 40 دولة على كيفية مواجهة التهديدات برا وجوا وبحر، وشملت التدريبات استخدام طائرات مسيّرة، ومحاكاة قتال في أماكن ضيقة، وإطلاق صواريخ موجهة بالأقمار الاصطناعية في الصحراء.
وبدت هذه المناورات مشابهة إلى حد كبير للنسخ السابقة من “الأسد الإفريقي”، التي تقام هذا العام في نسخته الخامسة والعشرين، لكن ما غاب إلى حد كبير هو اللغة التي كانت تركز على مفاهيم كانت واشنطن تعتبرها تميزها عن روسيا والصين.
فقد كانت الرسائل التي تدمج بين الدفاع والدبلوماسية والتنمية تشكل محور الطرح الأمني الأمريكي، أما الآن فقد حلت محلها دعوات لمساعدة الحلفاء على بناء قدراتهم الذاتية لإدارة شؤونهم الأمنية، وهو ما قال لانجلي إنه كان أولوية لدى وزارة الدفاع الأمريكية في عهد الرئيس دونالد ترامب.
وقال لانجلي: “لدينا أولويات محددة الآن وهي حماية الوطن. ونحن نبحث أيضا عن مساهمات من دول أخرى في مناطق عدم الاستقرار العالمي”، في إشارة إلى الدعم الأمريكي للسودان.
ويأتي هذا التحوّل في الوقت الذي تسعى فيه القوات الأمريكية إلى “بناء قوة أكثر رشاقة وفتكا”، ويشمل ذلك احتمال تقليص عدد المناصب القيادية العسكرية في مناطق مثل إفريقيا، حيث يواصل خصوم أمريكا تعزيز نفوذهم.
فالصين أطلقت برنامجا تدريبيا واسع النطاق خاصا بالجيوش الإفريقية، في حين يقوم المرتزقة الروس بإعادة تنظيم أنفسهم وتثبيت مكانتهم كشريك أمني مفضل في مناطق شمال وغرب ووسط إفريقيا.
وفي مقابلة أُجريت قبل عام، شدّد لانجلي على ما يصفه المسؤولون العسكريون الأمريكيون منذ زمن طويل بـ”نهج الحكومة الشامل” في مواجهة التمرد، وحتى في ظل الانتكاسات، دافع عن النهج الأمريكي، مؤكدا أن القوة وحدها لا تكفي لتحقيق الاستقرار في الدول الضعيفة وحماية المصالح الأمريكية من خطر تفشي العنف.
وقال لانجلي العام الماضي: “لطالما أكدت أن أفريكوم ليست مجرد منظمة عسكرية”، ووصف الحوكمة الرشيدة بأنها “حل دائم لعدد من التهديدات المتداخلة، سواء كانت التصحر أو فشل المحاصيل نتيجة تغير المناخ أو الجماعات المتطرفة العنيفة”.
لكن نهج “الحكومة الشاملة” لم يعد يحتل الموقع نفسه في صميم الرسائل الأمريكية، رغم أن لانجلي أشار إلى أن الجهود الشاملة أثمرت في أماكن مثل كوت ديفوار، حيث أدى الدمج بين التنمية والدفاع إلى تقليص هجمات الجماعات الجهادية قرب حدودها الشمالية المتوترة.
غير أن مثل هذه النجاحات لا تشكل نمطا عاما.
وذكر لانجلي، الذي من المقرر أن يغادر منصبه في وقت لاحق من هذا العام: “لقد رأيت تقدما، كما رأيت تراجعا”.
يأتي هذا التحول في الموقف العسكري الأمريكي في وقت لا تزال فيه العديد من الجيوش الإفريقية تفتقر إلى التجهيز الكافي، بينما توسع الجماعات المتمردة نطاق نفوذها.
وقال مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأمريكية في وقت سابق من هذا الشهر: “نحن نرى إفريقيا كمركز رئيسي لكل من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية”، مشيرا إلى أن كلا التنظيمين يمتلكان فروعا إقليمية متنامية، وأن تنظيم الدولة الإسلامية قد نقل قيادته وسيطرته إلى إفريقيا.
وتحدث المسؤول بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخوّل بمناقشة المسألة علنا.
ونادرا ما احتلت إفريقيا مرتبة عالية في قائمة أولويات البنتاجون، إلا أن الولايات المتحدة أنفقت مع ذلك مئات الملايين من الدولارات على المساعدات الأمنية، ولديها نحو 6500 عنصر من قيادة القوات الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) منتشرين في القارة.
وفي بعض المناطق، تواجه الولايات المتحدة منافسة مباشرة من روسيا والصين، بينما تتطلب مناطق أخرى تدخلا عسكريا مباشرا ضد فروع إقليمية للقاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، بحسب ما قاله لانجلي.
ويأتي التحول في الرسائل من “نهج الحكومة الشاملة” إلى نهج “تقاسم الأعباء” في وقت تتزايد فيه المخاوف من أن يتسع نطاق العنف ويتجاوز البؤر الساخنة، حيث وسّعت الجماعات المتمردة نفوذها واستغلت الفراغات الأمنية لتعزيز سيطرتها.
وأصبحت أجزاء من شرق وغرب إفريقيا بؤرا للعنف؛ ففي عام 2024، قُتل أكثر من نصف ضحايا الإرهاب في العالم في منطقة الساحل بغرب إفريقيا، وهي منطقة صحراوية شاسعة تخضع لحكم مجالس عسكرية، وفقا لمعهد الاقتصاد والسلام.
وأشار المعهد، الذي يُصدر إحصاءات سنوية عن الإرهاب، إلى أن الصومال شكلت 6% من إجمالي الوفيات المرتبطة بالإرهاب، مما يجعلها الدولة الأكثر دموية من حيث الهجمات الإرهابية في إفريقيا خارج منطقة الساحل.
ومنذ تولي دونالد ترامب الرئاسة، كثّفت القوات الأمريكية ضرباتها الجوية في الصومال، مستهدفة عناصر من تنظيم الدولة الإسلامية وحركة الشباب.
لكن وعلى الرغم من الدعم الجوي، أقر لانجلي بأن الجيش الصومالي لا يزال بعيدا عن القدرة على الحفاظ على الأمن على الأرض.