كشف تقرير لموقع “ميدل إيست آي”، أعده مدير التحرير ديفيد هيرست والصحافي عمران ملا من لاهاي، عن تهديدات وجهها وزير الخارجية البريطاني السابق، ديفيد كاميرون، إلى المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان، بسبب تحقيقات المحكمة في جرائم الحرب الإسرائيلية.
ووفقًا للتقرير، قال كاميرون إن إصدار مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيليين سيكون بمثابة “إسقاط قنبلة هيدروجينية”، ملوّحا بانسحاب بريطانيا من المحكمة ووقف تمويلها.
وأشار التقرير إلى أن هذه التهديدات وقعت في نيسان/أبريل 2024، خلال مكالمة هاتفية حادة بين كاميرون، الذي كان يشغل منصب وزير الخارجية في حكومة ريشي سوناك، والمدعي العام البريطاني للمحكمة كريم خان. وبعد أقل من شهر، أعلن خان طلبه من قضاة المحكمة إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بالإضافة إلى ثلاثة من قادة حماس: إسماعيل هنية، ويحيى السنوار، ومحمد الضيف.
وفي بيان صادر آنذاك، شدد خان على ضرورة السماح للمحكمة بالقيام بعملها “باستقلالية وحيادية تامة”، مضيفًا: “أُصر على وجوب وقف جميع محاولات عرقلة مسؤولي هذه المحكمة أو ترهيبهم أو التأثير عليهم بشكل غير لائق، فورًا”.
وبحسب المعلومات التي حصل عليها “ميدل إيست آي”، كان فريق خان من المحامين والباحثين قد توصّل في 25 آذار/مارس 2024 إلى قناعة بإمكانية التقدّم بطلب استصدار مذكرات توقيف قبل نهاية نيسان/أبريل، وأبلغ خان بهذا القرار كلا من الإدارة الأمريكية ووزير العدل البريطاني أليكس تشولك. وعندما حاول ترتيب لقاء مع وزير الخارجية البريطاني، أُبلغ أن الأخير خارج البلاد.
في 23 نيسان/أبريل، اتصل كاميرون – المعين وزيرا للخارجية في تشرين الثاني/نوفمبر 2023 – بخان، الذي كان في زيارة رسمية لفنزويلا. وبحسب مصادر متعددة، من بينها موظفون سابقون في مكتب خان، شهدوا محضراً للمكالمة، أبلغ كاميرون خان أن التقدّم بمذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت سيكون كمن يُسقط “قنبلة هيدروجينية”.
وذكر كاميرون أن محاكمة روسيا بشأن جرائم أوكرانيا شيء، أما اتخاذ خطوات مماثلة ضد إسرائيل “التي كانت تدافع عن نفسها ضد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر” فهو أمر مختلف، مؤكدا أن هذا القرار سيترك “تداعيات عميقة” على بريطانيا وعلى حزب المحافظين. وهدد بأنه إذا صدرت مذكرات توقيف من المحكمة ضد قادة إسرائيليين، فإن بريطانيا ستوقف التمويل وستنسحب من “نظام روما”، الذي أسس المحكمة الجنائية الدولية، استنادًا إلى البند 127 الذي يتيح للدول الانسحاب عبر مذكرة مكتوبة إلى الأمين العام للأمم المتحدة.
اتهم كاميرون، وهو عضو في مجلس اللوردات، خان بأنه يستهدف إسرائيل، وتساءل لماذا لم يصدر مذكرات توقيف بحق إيران، التي “هاجمت إسرائيل”. كما أخبره بأن مثل هذه الخطوة ستؤدي إلى فقدان الاحترام الدولي، مستخدما عبارة “سيخسر غرفة التغيير”، أي احترام الفريق له، وقال إن الولايات المتحدة ودولا أخرى سترى أنه فقد السيطرة أو الفهم.
وأضاف كاميرون أن بريطانيا ستكون مُلزمة قانونيا باعتقال نتنياهو في حال زارها، إذا صدرت المذكرات. ورد خان بأن مكتبه تعامل مع إسرائيل خلال السنوات الثلاث الماضية، دون أن تحصل المحكمة على أي مواد حقيقية تتعلق بالتحقيق.
ووفقا للمصادر، رفع كاميرون صوته على خان خلال المكالمة وكان عدوانيا لدرجة أن خان طلب منه أن يمنحه فرصة لإكمال حديثه. وعندما أشار خان إلى أن مكتبه يحقق أيضا في جرائم ارتكبتها حماس، رد كاميرون بأن هذا يُعد “مساواة أخلاقية” بين الجانبين. وأعاد التأكيد على تهديده بانسحاب بريطانيا من نظام روما.
قال خان: “لو حدث هذا، فعلينا أن نتوقع موت النظام القائم على القواعد”، فيما رد كاميرون: “العالم ليس جاهزا لذلك”، محذرا خان من ارتكاب “خطأ جسيم” وداعيا إياه إلى “التراجع خطوة والتفكير”.
رفض خان التراجع، مؤكدًا أن هناك خطرا كبيرا بأن يرى كثيرون أن النظام القائم على القواعد “لا يُطبق بالتساوي”. وشكر كاميرون على الاتصال، لكن المكالمة انتهت دون اتفاق.
رفض خان التعليق على ما ورد في التقرير حين سئل من قِبل “ميدل إيست آي”، فيما لم يرد كاميرون ولا وزارة الخارجية على طلب للتعليق. وعندما أعلن خان في 20 أيار/مايو تقدمه بطلب مذكرات التوقيف، وصف كاميرون القرار بـ”الخطأ”، متهما المحكمة بمساواة قادة إسرائيل بقادة حماس، وزاعما أن الإسرائيليين هم الأكثر التزاما بالواجبات القانونية، وهو ما أكده له مسؤولون إسرائيليون “في مكالمة تلو الأخرى، ورسالة بعد رسالة”.
في 10 حزيران/يونيو، قدمت حكومة المحافظين اعتراضا رسميا على طلب خان، بحجة أن المحكمة لا تملك ولاية قضائية على المواطنين الإسرائيليين، وهو الموقف الذي تتبناه إسرائيل منذ سنوات. لكن حكومة حزب العمال المنتخبة برئاسة كير ستارمر، أعلنت في الشهر التالي أنها ستسحب هذا الاعتراض. وقال متحدث باسم ستارمر: “نحن واضحون تماما بشأن أهمية سيادة القانون واستقلال المحكمة على الصعيدين المحلي والدولي”.
وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أكدت في 2021 أن لها ولاية على الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد انضمام فلسطين إلى المحكمة عام 2015.
وأفاد الموقع بأن خان أعرب لمقربين منه عن صدمته وغضبه بعد المكالمة، قائلاً: “لا أحب أن يضغط عليّ أحد”، و”لن أقول إن هذا يصل إلى حد الابتزاز، لكن لا أحب أن أُهدد”. وأضاف: “أعتقد أن جرأة التعبير بهذه الصراحة كانت مفاجئة ومخيبة للآمال”، متسائلًا: “كيف يمكن لقادة في مناصب رفيعة أن يعتقدوا أنهم فوق القانون؟”.
وتابع خان: “إذا فعلت هذا بمدعٍ عام محلي، فقد تُعد جريمة جنائية”. وأشار إلى أن دولا مثل بريطانيا “تحط من قدر نفسها حين تسلك هذا الطريق، وتحط من قدر شعبها، ومن المحكمة ذاتها التي لا تملك الحق في إذلالها”.
ورغم كل ذلك، واصلت حكومة سوناك دعمها لإسرائيل، ورفضت كل الدعوات لوقف إطلاق النار أو الحد من مبيعات الأسلحة إليها.
في أيار/مايو 2024، طرحت النائبة المحافظة ورئيسة لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم أليسا كيرنز سؤالًا على كاميرون حول ما إذا كان قد تلقى يوما وثيقة من محامٍ في وزارة الخارجية تشير إلى أن إسرائيل تنتهك القانون الإنساني الدولي. أجاب كاميرون: “لا أستطيع تذكر كل ورقة وُضعت أمامي، ولا أريد الإجابة على هذا السؤال”، لكنه أقر بأنه “قلق من أن إسرائيل ربما اتخذت إجراءات تشكل انتهاكا للقانون الدولي”.
وفي تقرير لصحيفة “الغارديان” في آذار/مارس، قالت كيرنز إنها تعتقد أن الحكومة تلقت بالفعل نصائح قانونية تفيد بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، مشيرة إلى أن “الحكومة أنجزت تقييما جديدا، خلص إلى أن إسرائيل لا تلتزم بالقانون الإنساني الدولي”.
وفي أيلول/سبتمبر، فرضت حكومة العمال الجديدة تعليقا جزئيا على صادرات السلاح إلى إسرائيل، واصفا ستارمر أفعالها في البرلمان بـ”المروعة وغير المجدية ولا تطاق”، معلنا أن حكومته تدرس فرض عقوبات، لكنها لم تتخذ إجراءات إضافية، ولم تتهم إسرائيل رسميًا بانتهاك القانون الدولي.
وعقب إصدار المحكمة مذكرات توقيف بحق نتنياهو وغالانت في تشرين الثاني/نوفمبر 2024، رفضت الحكومة البريطانية التعليق بوضوح على مسألة اعتقالهما حال زيارتهما البلاد، رغم أن متحدثا باسم ستارمر قال إن “الحكومة ستفي بالتزاماتها القانونية”.
ومنذ ذلك الحين، زار مسؤولون إسرائيليون غير مشمولين بمذكرات التوقيف بريطانيا. وفي نيسان/أبريل، كشف “ميدل إيست آي” عن زيارة سرية لوزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر إلى لندن ولقائه بوزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي.
وتزامن ذلك مع أخذ خان إجازة من منصبه، بانتظار نتائج تحقيق أممي في مزاعم سوء سلوك جنسي تجاه زميلة له، وهي مزاعم ينفيها خان ولم تُحال بعد للشرطة الهولندية.
وفي عام 2022، أصدرت روسيا مذكرة توقيف ضد خان ردا على مذكرات أصدرتها المحكمة بحق فلاديمير بوتين ووزيرة شؤون الأطفال. وفي شباط/فبراير، فرضت إدارة ترامب عقوبات على خان بعد إصداره مذكرات توقيف ضد نتنياهو وغالانت، شملت إلغاء تأشيرته الأمريكية، ومنع زوجته وأطفاله من السفر إلى الولايات المتحدة، وتجميد حساباته المصرفية في بريطانيا.
وحتى اليوم، تُشرف نائبتا المدعي العام على مذكرات التوقيف الصادرة بحق المسؤولين الإسرائيليين. وفي الأسبوع الماضي، فرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على أربعة قضاة في المحكمة الجنائية الدولية بدعوى تورطهم في “أعمال غير مشروعة تستهدف الولايات المتحدة وإسرائيل”.