وزير الخارجية التركي بعيون إسرائيلية: “رجل نبيل وجاسوس”.. انتقم لـ”مرمرة” ولم ينجح بإحضار موقف رئيس أركان حماس
أثار تعيين رئيس جهاز الاستخبارات الوطنية التركية، هاكان فيدان، وزير للخارجية في حكومة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، بعد فوزه بولاية رئاسية جديدة في الانتخابات، التي جرت في 28 أيار/مايو الفائت، اهتماما ملحوظا في إسرائيل، بعدما شغل فيدان منصبه في الاستخبارات لمدة 13 عاما.
ويوجد خلاف في إسرائيل حول فيدان، بسبب تماثله مع إيران، غير أن مسؤولين أمنيين سابقين يقولون إن فيدان “أصبح متوازنا في السياق الإسرائيلي خلال السنين الماضية”، حسبما نقل عنهم موقع “زمان يسرائيل” الإخباري في تقرير نشره اليوم، الأحد. ويزداد الاهتمام في إسرائيل بفيدان كونه يعتبر أحد أقوى الأشخاص في تركيا في السنوات الأخير، ومن أكثر المقربين من إردوغان.
وأشار التقرير إلى أن جميع المسؤولين الإسرائيليين تقريبا الذين تحدثوا فيه عن فيدان طلبوا عدم ذكر أسمائهم. واعتبر التقرير أن هذا الطلب سببه أن “الحديث يدور عن جاسوس ذي صفات متناقضة، فهو لطيف، ذكي، يتمتع بدهاء، صارم عند اللزوم وهو براغماتي دائما. ويرى البعض أن تعيينه في المنصب الجديدة هو مؤشر على أنه سيخلف إردوغان”.
وقال الباحث في السياسة التركية في مركز ديّان في جامعة تل أبيب وفي “معهد القدس للإستراتيجية والأمن”، د. إيتان كوهين ينروجك، إن “فيدان رافق إردوغان مدة طويلة ولا شك في أن تعيينه في التوقيت الحالي هو رسالة. وهو أحد الشخصيات الوحيدة التي يعتمد عليها إردوغان 100%”.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق كان يلتقي مع فيدان طوال سنين إن “ابتسامته مضللة. فهو أحد الأشخاص الأكثر دهاء الذين التقيتهم. وهو يعرف أسماء جميع ممثلي السينما اليهود. ولديه موقف متناقض تجاه اليهود، ويبدو أن هذا بتأثير السنوات التي قضاها في الولايات المتحدة. فقد أدرك قوة اللوبي اليهودي في واشنطن، وهذا كان واضحا في محادثاتي معه”.
وأشار التقرير إلى أنه تعالت في إسرائيل علامات استفهام كثيرة لدى تعيين فيدان رئيسا للاستخبارات، خاصة بعد كشف شبكة للموساد التي تجسست من تركيا على إيران، عام 2012. وأشاروا في إسرائيل حينها إلى أن جهاز الاستخبارات التركي هو الذي كشف شبكة الموساد ونقل أسماء أعضائها إلى إيران.
ورد وزير الأمن الإسرائيلي حينذاك، إيهود باراك، بغضب على كشف شبكة الموساد، لدرجة أنه تم قطع العلاقة بين جهازي الاستخبارات بشكل كامل وتمت إعادة مندوب الموساد في أنقرة إلى إسرائيل. ونشرت صحيفة “واشنطن بوست” الأميركية عندها أن فيدان هو المسؤول عن نقل المعلومات حول هذه الشبكة إيران.
ولفت الصحيفة الأميركية إلى أن شبكة الموساد كانت معروفة للاستخبارات التركية في إطار التعاون بين بينه وبين الموساد. وكانت الاستخبارات التركية على علم وتراقب اللقاءات في الأراضي التركية بين عناصر الموساد وعملائهم الإيرانيين.
وتشير تقديرات في إسرائيل إلى أن تسليم شبكة الموساد لإيران كان جزءا من انتقام تركيا على قضية السفينة “مافي مرمرة” ورفض إسرائيل إنهاء هذه القضية بين الجانبين. وحسب التقرير، فإن هذا الحدث أدى إلى وصف فيدان بأنه يتماثل مع إيران “والنظر المتشككة إليه حتى اليوم” من جانب بعض المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين وبالرغم من استئناف العلاقات بين الدولتين.
ونقل التقرير عن باراك قوله إن “الموساد هو الذي أوصى بقطع العلاقات الوثيقة بين الجهازين. فقد كانت علاقات العمل قريبة جدا مع الأتراك وكانوا يعرفون الأشخاص الذين عملوا حينها (في شبكة الموساد) ولذلك تبنيت التوصية”. وأضاف باراك أنه لم يلتق فيدان على انفراد أبدا، لكن فيدان كان دائما يتواجد في الغرفة خلال اللقاءات السياسية، إلى جانب إردوغان أو أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي الأسبق والذي تولى لاحقا منصب رئيس الوزراء.
وحول تأثير فيدان على إردوغان والعلاقات التركية مع إسرائيل، قال مسؤول سابق في الموساد، أشار إليه التقرير بالحرف “ر”، إنه “في نهاية ولاية مئير داغان كرئيس للموساد، كانت الشكوك تجاه فيدان كبيرة وهذا تجذر في الجهاز (الموساد). وبعد كشف الشبكة الإيرانية اشتدت هذه الشكوك والأزمة بين الجهازين كانت عميقة جدا، لدرجة القطيعة”.
وأضاف “إلا أنه في مرحلة معينة اكتشفت أنه بالرغم من أن الموساد أعاد مندوبنا من أنقرة، إلا أن مندوب جهاز الاستخبارات التركي بقي في البلاد ولم تتم إعادته أبدا بأمر مباشر من فيدان. وهنا بالضبط يكمن دهاؤه، فهو يفكر بشكل مختلف، إذ أبقى عنوانا هنا من أجل فتح أبواب وقت الضرورة”.
وتابع المسؤول السابق في الموساد أنه “في مرحلة معينة دعاني (فيدان) إلى لقاء معه في أنقرة. وهذا الشخص لطيف جدا، مضياف ولامع، ونجح برأيي بالحفاظ على هوية جهازه رغم الضغوط عليه من أعلى. وعملية تراجع صورة إردوغان في الجيش وإدخال الجانب الديني إلى جميع أجهزة الحكم ليس ملاحظا في جهاز الاستخبارات. وتفكير فيدان بارد وتحليلي”.
وأشار التقرير إلى أن المسؤول السابق في الموساد “ر” أجرى محادثات طويلة مع فيدان بهدف حل الأزمة التي تسبب بها اعتراض البحرية الإسرائيلية لأسطول الحرية التركي لكسر الحصار عن غزة ومقتل 10 من ركاب “مرمرة”، في العام 2010.
ويتضح بحسب “ر” أن الموساد هو الذي قاد خطوات المصالحة بين إسرائيل وتركيا، في العام 2016. وأضاف أنه “في جميع المحادثات معنا كان فيدان موضوعيا جدا. وواجه صعوبة في إدراك سبب أننا لا نعتذر من أجل إنهاء القضية. وكان صعب عليه أن يدرك الصورة الداخلية في إسرائيل وكيف تم استيعاب موضوع الأسطول بعيون الجمهور الإسرائيلي”.
وتابع “ر” أنه “أدركت في المحادثات أن التوقيت بالغ الأهمية بالنسبة للأتراك، لأن هذا حدث في ذروة الحرب الأهلية في سورية وصعود الدولة الإسلامية الذي أثار هلع تركيا. واضطر الأتراك إلى استيعاب آلاف اللاجئين، وتخوفوا من انعكاس داعش وأفكارها في تركيا. ولذلك أرادوا إزالة موضوع المرمرة عن الطاولة”.
وقال مسؤول أمني إسرائيلي سابق، الذي أشار إليه التقرير بالحرف “ي”، الذي كان ضالعا في عملية تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، في العام 2011، والتقى فيدان بشكل متواصل، “أعتقد أنه في السياق الإسرائيلي أصبح فيدان متوازنا نسبيا خلال السنين. ومارس ضغوطا طوال الوقت كي يكون ضالعا في المفاوضات مع حماس انطلاقا من مفهوم إظهار قوة تركيا في المنطقة ومن الإدراك أن هذا سيعزز مكانتها الدولية. لكنه لم ينجح بإحضار موقف رئيس أركان حماس، أحمد الجعبري (الذي اغتالته إسرائيل في عدوان العام 2012). ولذلك توجهنا إلى قناة الوساطة المصرية”.
وأضاف أن “ضلوع فيدان في المراحل الأخيرة من الاتصالات سمح بالتوصل إلى الصفقة. فقد وضع القسم العام لاستيعاب الأسرى المبعدين في تركيا”.
وبحسب التقرير، فإن قادة حماس في تركيا، وفي مقدمتهم صالح العاروري، لا يمكن أن يتمتعوا بحرية من دون مراقبة وإشراف من فيدان. وبعد استئناف العلاقات بين تركيا وإسرائيل تم تقييد نشاط حماس في تركيا.
ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أن مؤشرا آخر على تليين فيدان علاقته مع إسرائيل هو التعاون مع الموساد في إحباط محاولات لتنفيذ عملية إيرانية في إسطنبول، حيث عمل عناصر الموساد إلى جانب عناصر الاستخبارات التركية تحت قيادة فيدان، حيث تم إخراج إسرائيليين من تركيا واعتقال عناصر إيرانيين في إسطنبول
وقال “ي” إن “فيدان هو لغز في الجانب الشخصي. ورغم انتماءه لحزب العدالة والتنمية الذي يرأسه إردوغان، لكن لا يمكن معرفة مدى تدينه. وبإمكاني القول إنه في جميع لقاءاتي معه لم يحتسي النبيذ في أي مرة. ولا أعرف إذا كان هذا يدل على شيء”.