يشهد الصومال اليوم، الخميس، حدثاً تاريخياً باستضافة أول انتخابات محلية مباشرة منذ ستة عقود، حيث يتوجه الناخبون في العاصمة مقديشو والمناطق التابعة لإقليم بنادر إلى مراكز الاقتراع لاختيار أعضاء المجالس المحلية. وتُعد هذه الانتخابات المحلية خطوة مهمة في مسيرة البلاد نحو تعزيز الديمقراطية والمشاركة الشعبية في الحكم، بعد سنوات طويلة من الاعتماد على آليات غير مباشرة.

تأتي هذه الانتخابات في ظل تحضيرات واسعة من الحكومة الصومالية، والتي تعتبرها اختباراً حاسماً لمدى استعداد البلاد لإجراء انتخابات رئاسية مباشرة في عام 2026. ويراقب المراقبون عن كثب سير العملية الانتخابية، خاصةً مع وجود تحفظات من بعض قوى المعارضة التي رفضت المشاركة، مما يثير تساؤلات حول مدى التوافق الوطني على هذه الخطوة.

أهمية الانتخابات المحلية في الصومال

تمثل هذه الانتخابات المحلية نقطة تحول في النظام السياسي الصومالي، الذي شهد تغييرات جذرية منذ سقوط نظام الرئيس محمد سياد بري في عام 1991. فبعد عقود من الاعتماد على الهياكل القبلية في تقاسم السلطة، تسعى الحكومة الحالية إلى بناء مؤسسات ديمقراطية قائمة على أساس المواطنة والمشاركة الفردية.

وقد أعلنت اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن تسجيل أكثر من مليون ناخب، وتنافس 1604 مرشحين على المقاعد في المجالس المحلية. ومن المقرر أن تجرى الانتخابات في 213 مركز اقتراع موزعة على 16 دائرة انتخابية في محافظة بنادر. وقد تم نشر حوالي خمسة آلاف موظف للإشراف على العملية الانتخابية وضمان نزاهتها وشفافيتها.

تأمين الانتخابات وتعليق الرحلات الجوية

في إطار الاستعدادات الأمنية للانتخابات، أعلنت الأجهزة الأمنية الصومالية عن نشر عشرة آلاف عنصر شرطة لتأمين مراكز الاقتراع وحماية الناخبين. كما قررت هيئة الطيران المدني تعليق جميع الرحلات الجوية من وإلى مقديشو خلال فترة الانتخابات، وذلك لتسهيل حركة القوات الأمنية وضمان سلامة العملية الانتخابية.

هذه الإجراءات الأمنية تأتي في ظل التحديات الأمنية المستمرة التي تواجهها الصومال، بما في ذلك تهديدات حركة الشباب المتطرفة. وتسعى الحكومة إلى إظهار قدرتها على تأمين الانتخابات وضمان مشاركة المواطنين دون خوف أو تهديد.

موقف المعارضة والتحفظات السياسية

على الرغم من أهمية هذه الخطوة، إلا أن هناك معارضة قوية لها من بعض القوى السياسية. فقد أعلن “مجلس مستقبل الصومال”، الذي يضم قوى معارضة، رفضه للانتخابات المحلية، واصفاً إياها بأنها عملية “أحادية الاتجاه” تفتقر إلى التوافق الوطني. وطالب المجلس الحكومة بعقد حوار شامل لتجنب “فراغ دستوري” محتمل.

ويرى مراقبون أن تحفظات المعارضة تتعلق بشكل أساسي بطريقة تنظيم الانتخابات ومسارها، بالإضافة إلى مخاوف بشأن مدى تمثيلها العادل في المجالس المحلية. وقد دعا الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود إلى الحوار، محذراً في الوقت نفسه من مخاطر تحويل الخلافات السياسية إلى مواجهات مسلحة. الانتخابات الحالية تمثل فرصة للحوار بين الحكومة والمعارضة.

الانتخابات المحلية تأتي في سياق أوسع من الجدل الدستوري والسياسي في الصومال. فمنذ عام 2012، لم يتم استكمال الدستور المؤقت، مما أدى إلى خلافات حول صلاحيات الحكومة الفيدرالية والولايات الأعضاء. الانتخابات الرئاسية عام 2026 تثير المزيد من التحديات، حيث تسعى الحكومة إلى الانتقال إلى نظام انتخابي مباشر، وهو ما يواجه معارضة من بعض الأطراف.

الانتخابات المحلية في مقديشو هي أيضاً اختبار لقدرة الحكومة على إدارة العملية الانتخابية بشكل فعال ونزيه. الانتخابات ستُظهر مدى قدرة المؤسسات الصومالية على التعامل مع التحديات اللوجستية والأمنية والقانونية المرتبطة بالانتخابات. الانتخابات قد تؤثر على الاستقرار السياسي في البلاد.

بالإضافة إلى ذلك، فإن نجاح هذه الانتخابات قد يشجع على إجراء المزيد من الإصلاحات الديمقراطية في الصومال، بما في ذلك تعزيز دور المجتمع المدني وحماية حقوق الإنسان. الانتخابات قد تفتح الباب أمام مشاركة أوسع للشعب في صنع القرار.

من المتوقع أن تعلن اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات والحدود عن النتائج الرسمية للانتخابات المحلية في الأيام القليلة القادمة. وستكون هذه النتائج بمثابة مؤشر على مدى نجاح الحكومة في تحقيق أهدافها من هذه الانتخابات، وعلى مستقبل الديمقراطية في الصومال. يبقى الحوار بين الحكومة والمعارضة هو المفتاح لضمان انتقال سلمي للسلطة في عام 2026 وتجنب أي صراعات سياسية محتملة.

شاركها.