13 أغسطس 2025Last Update :

هل كان بن غوريون أكثر أخلاقية من نتنياهو؟

– الكاتب: باسم برهوم – مع حرب إلإبادة الجماعية الني تواصل إسرائيل إرتكابها بوحشية منذ ما يقارب العامين في قطاع غزة، والحديث يدور على مدى الانحطاط الأخلاقي الذي وصلت إليه الدولة التي تصر على أنها دولة يهودية حصريا، لم يعد الحديث عن الانحطاط الأخلاقي لإسرائيل هو حديث الضحية (الشعب الفلسطيني)، وإنما حديث شعوب ودول العالم، والأهم الأصوات المنحازة للضمير الإنساني داخل إسرائيل ذاتها.

وبالمناسبة لن ينقذ إسرائيل من سقوطها الأخلاقي سوى الإسرائيليين أنفسهم، فالقرار يعود لهم في النضال ضد الفاشية والعنصرية المتوحشة التي تقودهم وتقود إسرائيل اليوم، على النخب الإسرائيلية أن تجيب على سؤال مركزي: كيف يمكن أن نخلص أنفسنا من العنصرية، وأن نعتاد على قبول الآخر؟

قد تكون إسرائيل اليوم أكثر انكشافا في سقوطها الأخلاقي، بسب الجرائم الوحشية التي يرتكبها جيشها في قطاع غزة، وهي جرائم بشعة بحيث لم يعد بإمكان أكثر الداعمين للمشروع الصهيوني السكوت عنها، او تغطيتها وتبريرها.

ولكن اذا اتفقنا على ان المعيار الأخلاقي هو التعبير عن الضمير الإنساني، والتعبير عن بيئة أكثر عدلا وتمسكا بالقانون الدولي، فإن نشأة إسرائيل الأولى غير أخلاقية، واكثر من ذلك فكرة المشروع الصهيوني غير أخلاقية، لأنها أرادت الاستيلاء على أرض شعب آخر، وليس هذا وحسب، بل ان فكرة الاستيلاء على الأرض في المشروع الصهيوني ارتبطت بتهحير السكان الأصليين، حتى لو تم ذلك عبر عملية تطهير عرقي متوحشة وشاملة.

لقد سقطت إسرائيل أخلاقيا وهي تقوم بتأسيس نفسها، عندما طردت أكثر من 800 ألف فلسطيني، ودمرت وأحرقت 500 قرية فلسطينية، واحتلت نصف أرض الدولة التي تقاسمت معها فلسطين ولم تنسحب منها لاحقا، ما يؤكد أن هذه الدولة توسعية ولن تكتفي بأي حدود تصل اليها بالقوة.

وفي العام 1967 بادرت إسرائيل بالحرب، وقامت باحتلال ما تبقى من فلسطين (الضفة وقطاع غزة والقدس الشرقية)، كما احتلت أراضي لدول عربية، سوريا ومصر، وبادرت لضم هضبة الجولان السورية، وضمت القدس الشرقية، وتهدد بضم الضفة أو اجزاء واسعة منها.

اللغة المستخدمة في إسرائيل هي لغة غير أخلاقية، ضم، احتلال، استيطان، تهويد، لغة لا تقيم وزنا لا لأصحاب الأرض، ولا للقانون الدولي.

وفي تعاملها مع الفلسطينيين العرب داخل إسرائيل، هي عنصرية. لذلك لم يكن صدفة أن يتركز نضال الفلسطينيين داخل الخط الأخضر حول المساواة. لقد بقي هؤلاء الفلسطينيون لأكثر من 19 عاما يعيشون في ظل الحكم العسكري، ويتم اتهامهم بأنهم طابور خامس داخل الدولة، بالرغم انهم هم أصحاب الأرض الأصليون.

وفي المناطق الفلسطينية المحتلة، كانت سياسة العقاب الجماعي هي السياسة الأساسية المتبعة لإسرائيل، إلى جانب التهويد والاستيطان، فلا تكاد تكون أسرة فلسطينية واحدة لم يمر أحد أفرادها بتجربة الأسر والاعتقال.

ما جعل إسرائيل تستخف بالبعد الأخلاقي، هو تهمة اللاسامية لكل من ينتقد سياساتها، بالإضافة إلى استغلالها لسقوط أوروبا الأخلاقي في تعاملها مع اليهود على امتداد قرون، وإلى الدور الوظيفي الإمبريالي الذي تقوم به إسرائيل لصالح الدول الغربية.

اليوم ومع الفظائع التي تقوم بها إسرائيل في قطاع غزة، سقطت كل هذه المسوغات، وأصبحت الدولة اليهودية في نظر العالم دولة ساقطة أخلاقيا. الآباء المؤسسون للصهيونية كانوا، وبالرغم من عنصرية مشروعهم، يكترثون للبعد الأخلاقي، وكانوا يطمحون أن تقوم بريطانيا بالأعمال القذرة، عندما كانت تسيطر على فلسطين (1917 – 1948)، ولكن ما إن أصبح الوطن القومي واقعا على الأرض، خلال الحرب العالمية الثانية، لم يعد هناك حاجة للتستر خلف بريطانيا. فقد أصبح بإمكان المنظمة الصهيونية أن تقوم بالأعمال القذرة بنفسها مباشرة، وقامت بتأسيس إسرائيل على أنقاض شعب آخر دون أن ترمش عيون مؤسسيها، هل كان بن غوريون أكثر أخلاقا من نتنياهو؟ اذن لماذا اهتز العالم اليوم بالرغم ان الفكرة هي ذاتها، والمشروع هو ذاته؟

قد يكون الجواب ان نتنياهو تمادى كثيرا بالقتل والتدمير في شعب محاصر بدون غذاء ولا دواء ولا ماء صالح للشرب.. وربما لأن نتنياهو وحكومته الفاشية أكثر دموية وإصرارا على مواصلة القتل.. والعالم غير الأخلاقي في العموم، أراد ان ينأى بنفسه عن جرائمه البشعة.

شاركها.