هل ستسلم ألمانيا “نتنياهو” إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
في خطوة قد تثير جدلاً واسعاً، صرح المتحدث باسم الحكومة الألمانية، شتيفن هيبشترايت، بأنه إذا تم إصدار مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فإن ألمانيا ستلتزم بالقانون وتقوم بتسليمه.
جاء هذا التصريح رداً على سؤال خلال المؤتمر الصحافي الحكومي ونشرته صحيفة فيلت الألمانية.
وقدم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، طلباً بإصدار مذكرات توقيف ضد نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت، متهماً إياهما بشن هجمات متعمدة على المدنيين في غزة، واستخدام الجوع كسلاح حرب. كما طلب خان مذكرات توقيف ضد ثلاثة من قادة حماس بتهمة تورطهم في الهجوم على إسرائيل.
موقف ألمانيا مختلف
وبحسب شتيفن هيبشترايت، فإن ألمانيا على عكس الولايات المتحدة وروسيا وإسرائيل، هي دولة موقعة على نظام روما الأساسي الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية، وقد دعمت دائما هذه المنظمة. لذلك، تعتبر الحكومة الألمانية أن عدم تنفيذ مذكرة توقيف محتملة ضد نتنياهو سيكون صعباً للغاية إذا قرر السفر إلى ألمانيا.
لاقى تصريح هيبشترايت انتقادات حادة من بعض السياسيين الألمان. تورستن فراي، العضو في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وصف هذه التصريحات بأنها “فضيحة”، داعياً الحكومة إلى إبداء احترام أكبر لإسرائيل وقيادتها.
من جانبها، ترى وزارة العدل الإسرائيلية، أن طلبات التوقيف من المحكمة الجنائية الدولية لا أساس لها، مشيرة إلى أن النظام القضائي الإسرائيلي يحقق بجدية في جميع الادعاءات ذات المصداقية ضد ممثلي الدولة.
وأثار طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين وقياديين في حماس انتقادات من وجهة نظر المستشار الألماني أولاف شولتس، الذي رفض المقارنة بين أفعال حماس وسلوك إسرائيل. بيد أن المتحدث باسم الحكومة هيبشترايت، قال لصحيفة “فيلت” إنه بغض النظر عن موقف ألمانيا و”بغض النظر عن نتيجة القرار، فعلينا التعامل معه”.
وأضاف: “إذا تمت الموافقة على طلب مذكرة التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية، فإن ألمانيا ستلتزم بالقانون”. وهذا يعني أن جمهورية ألمانيا الاتحادية ستسلم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للمحكمة.
قضية الاعتراف بفلسطين
في سياق متصل، وبعد إعلان كل من النرويج وأيرلندا وإسبانيا الاعتراف بدولة فلسطين، فقد قوبل ذلك برفض من الحكومة الألمانية، التي تفضل حلاً تفاوضياً يؤدي إلى دولتين.
وأكد هيبشترايت أن هذه الخطوة لا تختصر الطريق نحو السلام الدائم، مشدداً على أن الحل الوحيد لهذا الصراع يكمن في تعايش دولتين مستقلتين جنباً إلى جنب في سلام وأمان.
وواجهت هذه الخطوة الأوروبية انتقادات من بعض السياسيين الألمان. ميشائيل روت، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البوندستاغ، اعتبر أن الاعتراف بفلسطين في هذا الوقت هو “إشارة خاطئة في الوقت الخطأ”، مشيراً إلى عدم وجود دولة فلسطينية تعمل بكفاءة في الوقت الراهن، وعدم اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل، وفق تعبيره.
كما حثت الحكومة الألمانية على توخي الحذر في إدانة إسرائيل. وقال متحدث باسم الحكومة: “اتهامات المدعي العام خطيرة ويجب إثباتها”. وأضاف أن الحكومة الألمانية “تفترض أن حقيقة أن إسرائيل دولة ديمقراطية تقوم على سيادة القانون مع قضاء قوي ومستقل ستؤخذ بعين الاعتبار”. مشددا أن “لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها وفقا للقانون الدولي” بحسب قوله.
مبادرة ألمانية للاعتراف بفلسطين
ومع ذلك، فإن تسوية الدولتين عن طريق التفاوض، التي قبلتها جميع الأطراف، والتي تعيش فيها إسرائيل والفلسطينيون بسلام جنبا إلى جنب، هي “الحل الوحيد لهذا الصراع، مهما طال أمده”، أضاف هيبشترايت. و”سيتطلب ذلك الكثير من المهارة الدبلوماسية وربما الكثير من الوقت”. وعلى خلفية اعتراف دول أوروبية أخرى بدولة فلسطينية، قال: “لا يوجد طريق مختصر الآن”.
وفي الوقت نفسه، أعرب عضوان من الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الألماني عن دعمهما للاعتراف بفلسطين. وفيما يتعلق بمبادرة دول الاتحاد الأوروبي الثلاث التي اعترفت بالدولة الفلسطينية، قال نائب زعيم الحزب الديمقراطي الاشتراكي السابق، رالف شتيغنر لمجلة “شتيرن”: “ربما تساعد هذه الخطوات في الطريق إلى حل الدولتين، الذي بدونه لن يكون هناك سلام”.
وأضاف: “السلام ممكن فقط عندما يجتمع الأمن لإسرائيل وتقرير المصير للشعب الفلسطيني. وتحقيقا لهذه الغاية، يجب على ألمانيا الانخراط بنشاط دبلوماسيا”، مضيفا: “يجب أن تكون هناك مبادرة ألمانية للاعتراف ربما بشروط”. ومع ذلك، عارض شتيغنر “الاندفاع من جانب واحد”.
كما أعربت البرلمانية عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي إيزابيل كاديمارتوري عن تعاطفها مع الاعتراف. وقالت: “يجب على ألمانيا المضي قدما في الاعتراف بفلسطين كجزء من مبادرة أوروبية مشتركة، شريطة إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين والاتفاق على وقف إطلاق النار”، ويمكن أن يكون الاعتراف “خطوة أولى مهمة” نحو حل سياسي دائم للصراع في الشرق الأوسط.