هل انتقلت الاطماع والاحلام الاستعمارية- الصهيونية التاريخية الى حيز التحقيق في سورية!

وليس يصّح في الأفهام شيءٌ إذا احتاج النهار إلى دليل
المتنبي
اذا كانت الأدبيات الإيديولوجية الدينية والسياسية الصهيونية تعتبر العراق ” جزءاً من ارض إسرائيل الكبرى ” ، كما جاء في جملة من الوثائق الصهيونية ، فان سورية الطبيعية احتلت قمة الأجندة السياسية الصهيونية مبكراً ، حيث كانت محط اهتمام وأطماع قادة المؤسسة الصهيونية مبكراً جداً تعود حتى الى بدايات اقامة أولى المستعمرات اليهودية في فلسطين .
فمنذ القرن التاسع عشر على سبيل المثال ” راح الصهاينة الإنكليز غير اليهود ينتقدون بشدة سياسة اللورد بالمرستون 1784 -1865 بصدد المسألة الشرقية وبسبب التلكؤ الإنجليزي في دق الإسفين اليهودي داخل الدولة العثمانية ، غير انهم لم يتحدثوا عن فلسطين تحديداً فقط بل تحدثوا أيضا عن سوريا الطبيعية كلها ، فقد كتب الكولونيل جورج جولر ، الابادي الاستيطاني والحاكم السابق لجنوب استراليا ، داعيا بريطانيا الى العمل على تجديد سوريا بوساطة الشعب الوحيد الذي يمكن توظيف طاقاته بصورة دائمة وعلى نطاق واسع : ابناء الأرض الحقيقيين .. ابناء اسرائيل ” .
وكان ” تشارلز هنري تشرشل ينتقد سياسة بالمرستون ومحاولاته ابقاء الدولة العثمانية على قيد الحياة لا طول فترة ممكنة وبأي ثمن ، خوفا من فرنسا وروسيا ، ويدعو الى “التحرير المبكر” لسورية وفلسطين ، ووضعهما تحت الحماية البريطانية على ان يقوم اليهود بدور المستوطنين الحماة للمصالح البريطانية في الشرق الادنى !”
ولم تتوقف الاطماع والتطلعات الصهيونية نحو سوريا الطبيعية على مدى تاريخ الحركة الصهيونية ، والادبيات الصهيونية التي تتحدث عن ذلك عملياً كثيرة يصعب حصرها هنا في سياق هذه الدراسة المكثفة لمعالجة التهديدات الامريكية – الصهيونية لسوريا بعد العراق ، غير انه من المفيد الاشارة الى المخططات الصهيونية لضرب واجتياح سورية التي تعود الى مطلع الخمسينات من القرن الماضي .
لذلك وان كان مشروع الاستعمار الاستيطاني الصهيوني قد اقتصر عملياً جغرافيا /استيطانيا على مساحة فلسطين ، الا ان الحلم الصهيوني باجتياح سورية كلها بقي حياً وقائماً، فقد كان الزعيم الروحي لليمين الصهيوني المتشدد زئيف جابوتنسكي قال في ذلك منذ عام 1915:”إن المشهد الوحيد الذي يحمل أملاً لنا هو تفتيت سورية…إن واجبنا التحضير لهذا المشهد، وكل ما عدا ذلك هو تضييع عبثي للوقت”، وكذلك مؤسس الدولة الصهيونية بن غوريون الذي عززه قائلا:”علينا تجهيز انفسنا للهجوم، إن هدفنا هو تحطيم لبنان و شرق الأردن وسورية-عن مقال استراتيجيات -العرب اليوم-07/06/2012 للدكتورة حياة عطية- -.
وفي عام 1954 مثلاً كتب موشية شاريت وزير الخارجية الصهيوني آنذاك في يومياته ما يلي :
” – اذا اجتاح العراق سورية ، والفضل في ذلك يعود الى المشاكل الداخلية في سورية ، يتوجب علينا ان نتقدم عسكرياً داخل سوريا وان نحقق سلسلة من الاجراءات الوقائية “.
لكن في الخامس والعشرين من شباط 1954، أي بعد مرور اقل من شهر على تدوين شاريت لملاحظته ، اعلن قادة الجيش من اذاعة حلب نهاية عهد الرئيس الشيشكلي، فكتب شاريت في يومياته يقول :” اخذني لافون وزير الدفاع جانبا بعد الغداء ، وبدأ يحاول اقناعي بان هذه اللحظة مناسبة للعمل، وان هذا وقت التحرك الى الامام واحتلال الاراضي السورية خلف المناطق المجردة، وان سورية آخذة في التفسخ ، والدولة التي وقعنا معها اتفاقية هدنة لم يعد لها وجود ابدا ، فحكومتها على وشك السقوط ، وليست هناك قوة بديلة ،وعلاوة على ذلك تحرك العراق عمليا داخل سورية ، وهذه فرصة تاريخية يجب ان لا نضيعها”.
ويقول شاريت انه ” رفض الموافقة على اقتراحات لافون في الظروف الراهنة، وانه اقترح عليه بالمقابل ان يجتمعا كلاهما مع ديفيد بن غوريون رئيس الوزراء الصهيوني الاول يوم السبت المقبل واستشارته حول الامر ، وان لافون استاء من التأخير حتى السبت ، غير انه لم يملك خياراً سوى الموافقة .
وفي السابع والعشرين من شباط 1954 ، أي بعد سقوط نظام الشيشكلي بيوم واحد ، كان شاريت يحضر اجتماعا شرح فيه لافون ودايان رئيس الاركان لديفيد بن غوريون ان ما حدث في سورية كان عملا عراقيا نموذجيا ، واقترحا ثانية ان يتقدم الجيش الاسرائيلي داخل الاراضي السورية ، وقد وافق بن غوريون على اقتراحهما، وكأنما اصابته صدمة كهربائية ” حسب تعبير شاريت” غير ان شاريت يقول انه كرر معارضته ، بينما اصر الثلاثة على ان دخولهم الاراضي السورية يمكن اظهاره كعمل دفاعي عن منطقتهم الحدودية ، وقد انهى شاريت – حسب قوله – تلك المناقشة بالاصرار على الحاجة لمزيد من المناقشات في اجتماع مجلس الوزراء ، فكست الكآبة وجه لافون ، وفهم ان هذا سوف يكون نهاية القضية “.
ونتساءل اليوم بعد نحو قرن من الزمن :
– هل تغيرت يا ترى تلك الاطماع والطموحات والمخططات الصهيونية تجاه سورية الطبيعية .. ؟!
– ام انها ما تزال قائمة متعاظمة…؟!
– فكيف غدا المشهد وكيف اصبحت النوايا الصهيونية تجاه سورية على نحو خاص بعد هذا التغيير الدرامي الذي حصل في سورية……؟!
كما في الحالة العراقية ، كذلك في الحالة السورية ، حيث تحتل سورية المناهضة للمشروع الصهيوني تاريخيا قمة الاولويات الاستراتيجية الاسرائيلية، وحيث اعتبر قادة وجنرالات المؤسسة السياسية والامنية الاسرائيلية دائماً ان سورية تشكل تهديداً وجودياً حقيقياً للدولة العبرية ، ما يستدعي من تك الدولة اليقظة الدائمة وتوجيه الضربة الوقائية / الاستباقية لسورية .
– وما اهم ملامح السياسة الاسرائيلية – الامريكية المشتركة تجاه سورية ولبنان في هذه المرحلة ..؟.
– ثم ما هي اهم معطيات الحصاد الاستراتيجي الاسرائيلي على هذا الصعيد ..؟!
كاتب فلسطيني
[email protected]