اخبار

هكذا تُعِدُّ “إسرائيل” جيلي “الموساد” و”الشاباك” القادمين..

على أنقاض قرية قصرين السورية التي احتلتها إسرائيل في العام 1967، مُهجّرة سكانها الفلاحين الذين تجاوزوا في ذلك الحين 500 نسمة، قررت حكومة غولدا مائير في عام 1973 إنشاء مستوطنة “كتسرين”. وفقط في العام 1977 أُهِلَت المستوطنة من خلال “لجنة توطين الجولان” الإسرائيلية. عقودٌ طويلة مرّت مُذّاك، حارت خلالها حكومات الاحتلال المتعاقبة في كيفية خلق بيئة جاذبة للمستوطنين في الهضبة التي تُصنّف طرفا نائيا عن منطقة المركز؛ حيث تدور عجلة الحياة الإسرائيلية في حقول الاقتصاد والمجتمع والتكنولوجيا.

في مستوطنة “كتسرين” هذه بالتحديد، أقامت إسرائيل مدرسة ثانوية، تستغلها منذ نحو ثلاثة أعوام في استقطاب فتية إسرائيليين بغية تنشئتهم وتكوينهم ليصبحوا الجيلين المستقبليين لجهازي “الشاباك”، و”الموساد”، في إطار مشروع “أودِم (الياقوت) القيادة في الساحة التكنولوجية”. يُعرف الطلاب المنضوون فيه، وفقاً لتقرير أورده موقع “واينت”، اليوم الأربعاء، بأنهم “تلامذة العتودا” (مسار أكاديمي عسكريأمني). هم خلافاً لنظرائهم من الطلبة في الدول الطبيعية في أنحاء العالم، لا يستغلون المرحلة الدراسية الثانوية العامة لتحديد أي مسارات أكاديمية سيدرسونها لاحقاً في الجامعة، وليست همومهم وتطلعاتهم كهموم وتطلعات أبناء سنّهم الآخرين؛ حيث يصبح هؤلاء بمجرد التحاقهم بالمسار عبارة عن “ظلال” مُكنّاة بـ”أحرف”، تستبدل أسماءهم التي حملوها منذ ولدوا، ليبدأوا بتعلّم الأدوات التي تؤهلهم لكي يصبحوا مقاتلين في الأذرع الأمنية السرية.

“عُنُقُكِ كَبُرْجِ دَاوُدَ الْمَبْنِيِّ لِلأَسْلِحَةِ”
ليست الآية (نش 4:4) في سفر نشيد الأنشاد الآنفة محض سطر من العهد القديم، ولم تُقحم في هذه السطور باعتبارها عنوانا فرعيا، بل هي شعار المشروع الأمني “تلبيوت” والذي يُعد الخطة الأم التي ينحدر منها مشروع “أودِم”. و”تلبيوت” هي الكلمة العبرية الموازية للأسلحة والتي اُخذت أساساً من الآية ذاتها في التوراة العبرية لتكون شعار المشروع الأمني المذكور. وذلك من خلال إسقاط الأوصاف التي تحملها كلمات الآية على الدور الأمني الذي يُنشأ الطلبة ليتسلّموه مستقبلاً، باعتباره يُشابه الوظيفة التي كان يؤديها “بُرج داود” في مراقبة الأعداء والتصدي لهم.  
في الشكل العام، مخطط “تلبيوت” هو عبارة عن مسار أكاديمي نخبوي، وبرنامج خدمة أكاديميةعسكرية في جيش الاحتلال يمتد على تسع سنوات ما بين التعلّم والخدمة العسكرية، أمّا هدفه الرئيس فهو تجنيد شبان وشابات ذوي كفاءة عالية لصفوف أجهزة الأمن، وتدريبهم للعمل في وظائف مركزية في مراكز البحث والتطوير الأمني، من خلال تأهيلهم بألقاب أكاديمية أوليّة في الفيزياء والرياضيات وعلوم الحاسوب ومن ثم دمجهم في الوظائف الأمنية المطلوبة. المشروع المذكور أنُشئ في العام 1979، في إطار تطبيق العبر المستخلصة من حرب أكتوبر 1973. 

وبالعودة إلى المشروع الابن “أودم”، فإنه إلى جانب “تلبيوت” ترعى أجسام وهيئات حكومية إسرائيلية عديدة تنشئة الجيلين القادمين لأجهزة الأمن، وفي طليعة هذه الهيئات “مفات” دائرة أبحاث تطوير الوسائل القتالية والبنى التكنولوجية في وزارة الأمن الإسرائيلية؛ وزراة الأمن نفسها، وزارة التربية والتعليم، ومجلس مستوطنة “كتسرين”، وجهازيّ “الشاباك” و”الموساد”و والجيش الإسرائيلي، ومعهد “التخنيون” في حيفا، والجامعة المفتوحة.

طبقاً لـ”واينت” فإنه في هذه الأيام يقدّم الخريجون الأوائل من “أودِم” امتحانات (البغروت) الثانوية العامة، وبذلك تكون المدرسة الواقعة في “كتسرين” والتي انضم إليها هؤلاء قبل ثلاث سنوات قد خرّجت بالفعل الدفعة الأولى للمشروع. وعلى هذا الأساس افتتح مع بداية العام الجديد التسجيل للدورة الثانية. خريجو المشروع في الثانوية المذكورة يستكملون تعليمهم الأكاديمي لنيل اللقب الأول في الهندسة الكهربائية في معهد التخنيون، إلى جانب تدريب إضافي يتضمن انكشافاً على الأذرع الأمنية الإسرائيلية ومشاركة في مشاريع في الصناعات التكنولوجية، ومن هناك يلتحقون بالخدمة العسكرية المؤلفة من ست سنوات في الخدمة النظامية، والثابته، قبل أن يُعيّنوا بعد ذلك في وظائف تكنولوجية رائدة في “الموساد” و”الشاباك”.
أمّا التوزيع الجغرافي للأماكن التي قدِم منها الطلبة المُلتحقون بالمدرسة فيُمثل 40% من المستوطنات والمدن الواقعة في الشمال والجنوب، فيما يطمح مشروع “أودم” إلى تمثيل 50% من القطاعات الجغرافية مستقبلاً، وأن يزيد حصة الفتيات الإسرائيليات اللواتي يشكّلن 38% من عموم الطلبة الملتحقين به.

النقص في القوى البشرية سبب إنشاء “أودم”
بالنسبة للسبب وراء إنشاء “أودم”، فعائد، كما يوضح روئي شيفر رئيس المشروع في “مفات” (دائرة أبحاث تطوير الوسائل القتالية والبنى التكنولوجية في وزارة الأمن الإسرائيلية)، إلى “النقص الكبير في القوى البشرية التكنولوجية الإدارية في الوحدات المفتاحية الرائدة في الجيش والشاباك والموساد”. وطبقاً لما ينقل عنه “واينت”، فإنه “بدلاً من الانتظار لنهاية الصف الثاني عشر ليصل الطلبة للمستوى المطلوب، يعمل مشروع أودم على تطوير الأخيرين وتمكينهم منذ الصف العاشر لمدة ثلاث سنوات، في مواضيع علمية كالرياضيات والفيزياء والإنجليزية، والقيادةالإدارية، الحصانة، العمل الجماعي، وخلق الدافعية والحافزية لخدمة الدولة وغيره”. أمّا هدف “أودم” كما يدعي فهو “إعطاء الفرصة للشابات والشبان لجسر الفجوات وتوسيع الإدراك والمعرفة التكنولوجية، والتنمية الشخصية في المرحلة التي ما زالت شخصياتهم تتشكل، وقبل أن يأخذوا قراراتهم (حول مستقبلهم) بالفعل”.

وفي هذا الإطار، يقول “أ” وهو طالب في الصف العاشر من الدورة الأولى، ومستوطن من “كريات شمونة” (شمال)، إن أهداف مشروع “أودم” ناسبته جداً فهو كما يوضح في مقابلة مع الموقع يرغب في أن يوظّف مستقبلاً بإحدى وظائف أجهزة الأمن “وفي الأماكن التي يمكن إظهار قدراتي فيها لكي أخدم دولتي بأفضل صورة؛ فبعد السابع من أكتوبر أظهرت لي الأحداث أنه لا يوجد مكان أفضل يمكنني إظهار قدراتي أفصل من هذا البرنامج، حيث في نهايته سأخدم في الأماكن المؤثرة في أجهزة الأمن”. وكما يضيف فإنه “في عالمَي الشاباك والموساد، يجب أن تعرف أنه في غالب المواقف لن تنال علامة على جهودك، وربما لن يعرف أحد إطلاقاً ما الذي قمت به وبالنسبة لي هذا هو الجميل في الأمر”.
أمّا “ش” وهي طالبة في الصف العاشر أيضاً وهي من إحدى المستوطنات في “غلاف غزة”، فاعتبرت أن المشروع “يحقق القيم التي كبرت عليها وهي الإسهام في خدمة الدولة الصهيونية”. أمّا سبب انضمامها فهو، كما قالت: “الأشخاص الذين فكّروا في تطوير التكنولوجيا (لخدمة أهداف أمنية)”، والذين استرعوا انتباهها لتصبح ظِلاً بين هذه الظلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *