2 نوفمبر 2025Last Update :

– الكاتب: موفق مطر – العالم منشغل بملف تبادل جثامين الأسرى بين منظومة الاحتلال الإسرائيلي وجماعة حماس، بدل إنهائه بسرعة، للبدء بمنح مئات الالاف من الفلسطينيين الأحياء الناجين من الموت جرعة أمل بالحياة الإنسانية، وإخراج جثامين آلاف الضحايا الذين استشهدوا، وتكريمهم بدفن يريح نفوس أحبائهم، فهذا الملف رغم أهميته من الناحية الإنسانية على نفوس ذوي الأسرى (القتلى) من الجانبين، إلا أننا نلاحظ تباطؤا، وعوائق مبتدعة، وتأخرا مقصودا من الطرفين، بغية إهدار الوقت، بعد إقرار وقف إطلاق النار في التاسع من أكتوبر الماضي، والتوقيع عليه في قمة شرم الشيخ الدولية في مصر العربية في الثالث عشر منه، ونعتقد أن لمنظومة الاحتلال وقادة حماس أهدافا، ملخصها التوقف عند نهاية المرحلة الأولى إلى أجل غير معلوم، وبذلك تبقى آثار جريمة الإبادة على كينونة الإنسان الفلسطيني الشخصية الفردية والجمعية أيضا، حيث تكمن المأساة والنكبة الحقيقية، التي غطت على ما نسبته 99% من صورها المؤلمة التي ما زالت كالجمر المتأجج تحت رماد الاتفاقات الكثيرة على وقف مسلسل الموت، جمر يحرق النفوس المتطلعة للحياة تحت رماد حرب وضع السبب (الاحتلال) والمتسبب بمنحه الذريعة (حماس) كل متطلباتها في الحسبان، وتُرِكَ المدنيون الأبرياء ليكونوا ضحاياها، فكانوا بالنسبة لمنظومة الاحتلال مبررا لإطلاق حملة الإبادة الدموية الجماعية، أما بالنسبة لحماس فلم يجد رئيس مكتبها السياسي في الخارج خالد مشعل سوى القول :” لقد فازوا بإحدى الحسنيين” عن الـ (70000 مواطن) الذين استشهدوا حتى الساعة، ومنهم عائلات كاملة (2,700) لم يبق من أفرادها أحد، وآلاف ما زالوا تحت الركام، وسكت عن مصير ربع مليون جريح ومصاب، ومليوني نازح، نحتاج لوضعهم جميعا تحت عدسة البحث العلمي والطبي لمعرفة آثار الحرب على رؤيتهم لمعنى الحياة، ومعاني: الوطن والغربة والنزوح، الكرامة والمهانة، والحزن والفرح، والصبر والصمود، واليأس والإحباط، والبطولة والخيانة، والمقاومة و(المقاولة بمصائرهم)؟ فرؤية الإنسان الفلسطيني في قطاع غزة، الناجي من جحيم الموت للحظته الراهنة وللمستقبل، ليست كرؤية المتفرج من بعيد، المتمركز بمنصات التواصل الاجتماعي، ولا كرؤية المتسلح بعدسة كاميرا وبلسان يوظفهما لصالح وسائل إعلام فاقدة أصلا للحد الأدنى من القيم الإنسانية الأخلاقية، فهذه لا ترى في إنساننا (الضحية) إلا مادة إعلامية لتوظيفها في أجندتها السياسية المكتوبة بلغة “الخواجا” وما الإثارة البصرية والكلامية (ثرثرة) إلا بقصد عرقلة عقل المتلقي على التفكير واستخلاص العبر والأحكام، عما أصاب الحالة النفسية والبنية الشخصية للإنسان الحي: النازح، الجائع، المريض، الناجي من انفجارات 200000 طن قنابل وصواريخ وقذائف، قدرت بـ 5 أضعاف انفجار القنبلة الذرية على هيروشيما اليابانية في الحرب العالمية الثانية، فلدينا هنا 169,583جريحا ومصابا يحتاج 19000 منهم إلى تأهيل على مدى زمني بعيد، ومنهم 4800 شخص خضعوا لعمليات بتر أطراف، ما يقارب الـ20% منهم أطفال و1200 إصابة بالشلل و1,200 فقدان البصر. و56,48 يتيما (أطفال بلا والدين أو أحدهما) و21193 أرملة (استشهد أزواجهن) و785000) تلميذ وطالب حرموا من التعلم ..أما المراكز الصحية الطبية والنفسية فقد أخرجت عن الخدمة.

منظومة الاحتلال (إسرائيل) معنية كما جماعة حماس بإخفاء حقائق عن جريمة طويلة الأمد بحق الأحياء من مواطني غزة، وهذا ما أكده خبراء دوليون متخصصون سلطوا الضوء على القلق والاكتئاب، واضطرابات ما بعد الصدمة، ووقوعهم ضحايا “لصدمة متواصلة” تمنعهم من التعافي، بقولهم:”يعيش الفلسطينيون تجربة صدمة مستمرة بسبب ديمومة العنف والإذلال، الأمر الذي يؤدي إلى ضرب الهوية الفردية والجمعية” ما يعني وجود جيل من الأطفال يلف الخوف الشديد حياته وسلوكه وفعله اللاإرادي اليومي، فالأطفال كما يفيد الخبراء: “هم الأكثر عرضة للخطر بسبب الصدمات العنيفة، وقد تؤدي إلى مشاكل إدراكية وجسدية مستمرة، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية طويلة الأمد إذا لم يحصلوا على الرعاية اللازمة. وكذلك النساء والفتيات حيث يواجهن مستويات متزايدة من العنف القائم على النوع الاجتماعي في أماكن النزوح المكتظة، ما يؤثر على صحتهن النفسية وكرامتهن” ويعاني الكثير من المواطنين الشباب والرجال من تأثير الحرب على أدائهم الاجتماعي…فتدمير النفس الإنسانية الفلسطينية هو هدف الاحتلال المخفي للإبادة، وإذلالها وإخضاعها هدف حماس وهذا ما يجب إدراكه والعمل عليه أولا.

شاركها.