اخبار

هآرتس تفضح حقيقة “الشجاعة والسيف”.. حمّام دم في غزة.. صرخات الوجع في كل مكان ورائحة الموت تملأ الأنوف

في السابع عشر من مارس/آذار الجاري، جدّد الاحتلال عدوانه على قطاع غزة، منتهكًا اتفاق وقف النار، وطبقًا للرواية الإسرائيلية فقد فاجأت الهجمات الجوية حركة “حماس”، وقتلت المئات من عناصرها، غير أن الحقيقة أنها قتلت المدنيين في الأساس، وهذا ما يؤكده أيضًا تحقيقٌ أجرته صحيفة عبرية.

في ملحقها الأسبوعي، تكشف صحيفة “هآرتس”، ضمن تحقيق مطوّل تحت عنوان “حمّام الدم”، عن أسماء وصور الأطفال الذين قتلتهم الطائرات الإسرائيلية، ونشرت العشرات منها مجتمعة على غلاف الملحق.

وتقول “هآرتس” في التحقيق المعد من قبل الصحافي الإسرائيلي نير حسون والصحافية الفلسطينية حنين مجادلة من مدينة باقة الغربية داخل أراضي 48، إنها تعود اليوم لواحدة من ليالي غزة الأكثر بشاعة ورعبًا، حيث سمعت في كل مكان صرخات الخوف والاستغاثة وانتشرت رائحة اللحم البشري المحروق.

ويقول التحقيق إن الناطق باسم جيش الاحتلال قد نشر شريطي فيديو لطائرات عسكرية تقلع من المطار، ومن خلفها ذيل من لهب، وفيه أيضًا مبانٍ مدمّرة وسحب دخان ضمن صورة خلت من البشر، لكن على الأرض كانت الصورة مختلفة تمامًا: “بعد ساعة من القصف، بدأ المستشفى يستقبل الجرحى والجثث المنقولة بالمراكب وسيارات الإسعاف وعربات تجرّها الخيول”.

ويستعيد التحقيق ما قاله مدير مستشفى الشفاء محمد أبو سلمية لـ “الجزيرة”: “في هذا الصباح، تكدّست داخل غرفة الطوارئ خمسون جثة، علاوة على ثلاثين جثة كانت في ثلاجة الموتى، فيما غصّت غرف العمليات بالمصابين الكثر، مات كثيرون منهم أمام الأطباء لعجزهم عن معالجتهم”.

كما يشير تحقيق “هآرتس” لطبيب بريطاني يدعى شكيب روكادا يعمل في مستشفى داخل القطاع، قال لوكالة الأنباء الأمريكية إن الجثامين الممزقة بلغت بالجملة للمستشفى محملة بالسيارات والعربات أو بين يدي أقارب الضحايا “وهم يرتجفون رعبًا، طفلًا وراء طفل، وشابًا وراء شاب”.

شهادة طبيبة أمريكية
من جهتها، وصفت طبيبة أمريكية ما شاهدته داخل غرفة الطوارئ: “حاولت ممرضة إحياء طفل كان جسده ممدّدًا وقد ثقبته الشظايا، واستقر بعضها في قلبه، فيما كان رجل يقف لجانبها يرتجف ويده شبه مقطوعة، وكان شاب حافي القدمين يسحب شقيقه الطفل المصاب بساقه وغطاه الدم. قفزت من واحد لآخر كي أعرف لمن أعطي الأولوية وأرسله لغرفة العمليات وله أمل بالنجاة، وتحديد من لا أمل لهم بها. كان من السهل أن تضلّلك المشاهد، فقد كانت هناك طفلة مصابة تبدو حالتها معقولة، رغم الألم وصعوبة التنفس لديها، وعندها اكتشفوا أنها تنزف لداخل رئتيها، وعندما نظرنا لفتاة أخرى شعرها المتسلسل يخفي شظايا صغيرة استقرت في دماغها”.

وطبقًا لتحقيق “هآرتس”، يروي أيضًا ممرض من أستراليا متطوّع في المستشفى المعمداني بعض ملامح هذا الجحيم، فيقول في شريط فيديو: “عملنا طيلة الليل، ونفدت أنواع أدوية والمسكنات والمواد المخدّرة، فاضطررنا لإجراء عمليات جراحية، وبترنا أعضاء لعدة طفلات دون تخدير، ووصلتنا جثامين كثيرة بعضها بلا رؤوس. وكان هناك رجل مات في الطريق لغرفة تصوير سي تي، وعلى سرير غرفة الطوارئ جلست ثلاث طفلات مصابات بتن اليوم يتيمات. كنت في المستشفى، في حزيران الماضي، لكن ما هو موجود اليوم مختلف تمامًا، فصرخات الألم في كل مكان، ورائحة الموت واللحم المحروق ما زالت تزكم أنفي”.

وسائل إعلام عبرية تروّج أكاذيب رسمية
وتوضح “هآرتس” أنه بعد أسبوع من هذه الهجمة المتوحشة يمكن تبديد الضباب الذي لفّها، فقد أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن قتل 436 شخصًا في هذه الهجمة، منهم 183 أطفال، و94 نساء، و34 بالغًا يتجاوز عمرهم الخامسة والستين، ما يجعل ليلة السابع عشر/الثامن عشر واحدة من الليالي الأكثر قتلًا وفتكًا منذ بدء هذه الحرب.

وتنوه “هآرتس” لتشابه شهادات الغزيين، حيث بدأ الهجوم عند الساعة الثانية والنصف ليلًا، تزامنًا مع يقظة كثيرين لتناول السحور، وعندها دب الرعب وانتشرت الفوضى لدى الأهالي المستنزفين.

وبخلاف الرواية الإسرائيلية عن استغراق الهجمة عشر دقائق فحسب، اشتدت الهجمة في الساعة الأولى، واستمرت حتى الخامسة فجرًا، وقد وقعت الهجمات بالتزامن في عشرات المواقع.

وتتابع الصحيفة العبرية: “فرحت ومجّدت وسائل الإعلام الإسرائيلية العملية، وذهبت صحيفة “معاريف” لحد القول إن الهجمة هذه كانت واحدة من أكبر عمليات التحييد في التاريخ العسكري”، زاعمة قتل 300 مخرّب في دقائق، بفضل تعاون بين الشاباك وسلاح الجو”.

أما عناوين القناة 12 العبرية فقد جاءت هي الأخرى احتفالية، وقالت إن “حماس أُخذت على حين غرة في هجمة مباغتة قتلت 400 ناشط”.

تكذيب الرواية الإسرائيلية
وترجّح “هآرتس” أن الجيش والشاباك قد تركّزا هذه المرة باستهداف مواقع مدنية وسلطوية، وليس بأهداف عسكرية، لكن بيانات الجيش تضمنت أسماء سبعة فقط للقتلى المستهدفين: نائب وزير الداخلية محمود أبو وطفة، ثلاثة من أعضاء المكتب السياسي عصام الدعاليس، محمد الجمسي وياسر حرب. كما قال الجيش والشاباك إنهما قتلا أيضًا رئيس جهاز الأمن العام في “حماس” رشيد جحجوح، ورئيس الاستخبارات العسكرية في جنوب القطاع أسامة طبش.

وتنبه “هآرتس” أنه عدا هذه الأسماء السبعة لم يقدم الجيش في بياناته المزيد من المعلومات حول الهجمة، مكتفيًا بالقول بالعموميات: “هاجم الجيش والشاباك عشرات الأهداف الإرهابية وعشرات المخربين في رحاب القطاع، وذلك للمساس بقدرات عسكرية وسلطوية للمنظمات الإرهابية وإزالة تهديدات تهدد إسرائيل ومواطنيها. ربما هناك قتلى آخرون في صفوف “حماس” وتنظيمات مسلحة أخرى، ولكن يمكن الآن التحديد بأنه ليس 300 مخرب، ولا حتى رقم يقترب من هذا العدد المزعوم”.

بيسان المغدورة
ضمن الحديث عن الأطفال الفلسطينيين الذين قتلتهم الطائرات الإسرائيلية وعن عوالمهم، إلى جانب صورهم، تشير الصحيفة العبرية لبيسان الهندي، طفلة قتلت في القصف مع شقيقها أيمن، وهما داخل خيمة في خان يونس.

وتورد “هآرتس” رثاء والدتها، إلى جانب صورتها، وقد بدت طفلة حلوة كقطعة السكر، وتعلّق على رأسها “بكلة” زهرية اللون، وابتسامتها تغطي وجهها:

“بيسان طفلة جميلة ورقيقة محبوبة الجميع، وجهها طالما كان مشرقًا، والحنين لها يكوي قلبي، وعيناها اللوزيتان لا تفارقان مخيلتي، فهما عينان لوزيتان كعين الغزالة. أشتاق لرائحة شعرها، حبيبة قلبي. تعالي، واظهري لي بالحلم، فأنا أحاول أنام كي تأتيني بالمنام”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *