هآرتس: الصراع مع الفلسطينيين سيستمر حتى بعد أن يستجم آلاف الإسرائيليين في الرياض
هآرتس – بقلم تسفي برئيل رياح التطبيع مع السعودية لم تحدث بعد سحب مطر، لكن التأثر هائل وبحق. فاتفاق سلام مع كل دولة عربية، فما بالك مع قوة عظمى عربية، هو إنجاز سياسي واستراتيجي هائل. لكن يخيل أن تيجاناً كثيرة عقدت على رأس هذا التطبيع، ومشكوك فيه أن يتمكن من حملها جميعها.
“ثورة تاريخية، بطاقة دخول إلى ناد معتبر في العالم العربي والحصري، إعطاء شرعية واعتراف غير مسبوق من العالم العربي في حق وجود دولة إسرائيل”، والذروة “نهاية النزاع الإسرائيلي- العربي”، كل هذه ليست أكثر من شعارات تسويق. فالاتفاق مع السعودية لن يبدأ التاريخ من لحظته، بل يأتي في نهايته؛ فمن دون اتفاقات السلام الخارقة للطريق مع مصر والأردن، وحتى دون اتفاق أوسلو الذي ينازع الحياة، ما كانت السعودية لتتقدم بمبادرة السلام العربية في 2002، أو موضوع التطبيع مع إسرائيل، بعد نحو عشرين سنة من ذلك. السعودية لا تصنع التاريخ، بل تكسب في أعقابه.
مرغوب فيه أيضاً ألا نقع في الأوهام. فلن ينجح أي اتفاق في إقامة سلام شامل مع “العالم العربي” أو الإسلامي، وحتى الاتفاق مع السعودية لا يضمن تحقيق هذا الحلم. ولا يمكن لأي اتفاق أن يلغي الصراع التاريخي، القومي والأخلاقي، الذي سيتواصل مع الفلسطينيين حتى بعد أن يستجم آلاف السياح الإسرائيليين في الرياض.
عملياً، يبدو أن مساعي نتنياهو لعرض الاتفاق كدليل مطلق للشرعية العربية التي تحظى بها إسرائيل، تمثل ذروة جديدة لانعدام ثقة الدولة في وجودها. من المؤكد أن من تتمنى إسرائيل أن تتلقى منه هذا الاعتراف هو زعيم تم قتل الصحافي خاشقجي في حكمه، وهو أيضاً وحده من يتحكم بجهاز القضاء في دولته. بدون لجنة تعيين قضاة، وبدون برلمان وصحافة حرة… هي دولة تجسد حلم نتنياهو وسمحا روتمان وياريف لفين. باختصار، دولة شقيقة. وفي تفكير آخر، لعل السعودية هي المخولة لأن تعطي إسرائيل نتنياهو الشرعية لوجودها.
من الشائق أن نرى كيف يذوب محبو الأخلاق والعدالة الإسرائيليون في ضوء المسرحية السعودية ويرون فيها فرصة لإصلاح جرائم دولتهم. هم يعترفون بأن الفلسطينيين لن يحصلوا على شيء، وإن كان، فالمهم أن يبقى لنتنياهو إرث، وأن تقبل إسرائيل كعضو مرغوب فيه في النادي الإقليمي للدول غير الأخلاقية. لليسار، خاصة ذاك الذي يرى نفسه كطاهر ونقي، لم تكن في أي مرة مشكلة في تربيع دوائره.
لكن، كما هو معروف، أسنان الجواد الذي يعطى هدية لا تخضع للفحص، حتى لو تأتي الهدية مع شارة ثمن استراتيجية ربما تصبح تهديداً وجودياً – على ألا تطلب وقف الاستيطان. كما أن إسرائيل ليست مطالبة بأن تكون ولية أكثر من البابا الأمريكي أو الأوروبي اللذين يريان في السعودية وبسلسلة دول غير ديمقراطية حلفاء استراتيجيين. ليس غنياً عن البيان القول إن الرئيس الأمريكي نفسه تعهد في حملته الانتخابية بأن يجعل السعودية “دولة منبوذة” ورفض اللقاء مع محمد بن سلمان إلى أن اضطر إلى خدماته.
الفارق أن الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية لا تعتمد على هذه العلاقات كدليل على حقها في الوجود، وعلى عدالة طريقها أو أخلاقياتها أو كخطوة تستقطع الاحتلال. وهكذا، ينبغي لإسرائيل أن ترى اتفاق التطبيع مع السعودية، لا كميتة سماء لزعيم فاسد يلوح به وكأن المحكمة برأت ساحته، ولا كنصر للروح الصهيونية على الوطنية الفلسطينية، وبالتأكيد ليس كمادة تنظيف لتطهير جرائم الحرب.