نموذج للذوق الرفيع في الحياة اليومية
عقد الجامع الأزهر اللقاء الأسبوعي لملتقى الطفل تحت عنوان” الذوق في الإسلام أساس الرقي والحضارة”، وحاضر في اللقاء الدكتور عبد الرحمن جمعة، منسق رواق القرآن الكريم والتجويد بالجامع الأزهر.
أوضح د. عبد الرحمن جمعة، أن الذوق، مصدر ذاق الشيء، وفي الأدب يُعرف بأنه “حاسَّة معنوية” تصدر عنها انفعالات النفس تجاه العواطف والأفكار، وبالتالي يمتد الذوق من المحسوسات إلى المعاني، مما يعكس أهمية مراعاته في رسالة الإسلام، فالبعض يعتقد أن مفهوم “الذوق” يرتبط فقط بالطبيعة والعادات، وليس له علاقة بالدين، لكن الحقيقة هي أنها وجهة نظر مغلوطة؛ فالأديان السماوية بما فيها الإسلام، تسعى إلى تهذيب الفطرة البشرية وتراعي المشاعر، وتنقي العادات المتنوعة، فلقد خلق الله البشر بمختلف طبائعهم، وزودهم بوازع داخلي يوجههم نحو ما يجب مراعاته عند التعامل مع الآخرين، وهو الأعلم بما يصلحها ويفسدها، كما قال تعالى: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، فلو أدرك الناس هذا الوازع، لتمكنوا من تجنب مشقة البحث عن كيفية التعامل مع الآخرين.
ولفت د. جمعة، إلى أن الإسلام يدعو إلى الرفعة في الذوق والسلوك، ويعتبرهما جزءًا أساسيًا من الدين، فهو دين يحث على التفاعل الإيجابي مع الآخرين، ويعزز القيم الإنسانية الرفيعة التي تساهم في بناء مجتمع متحضر وراقٍ، كما أنه يسهم في الرقي الفكري والنضج الروحي، فقد جاء الإسلام ليحرر الإنسان من التقليد الأعمى، سواء في العقائد أو العادات، كما أن الإسلام شدد على أهمية عدم انتهاك الأعراف العامة التي لا تتعارض مع الشريعة، مثل الاعتدال في الطعام والشراب، فقد روى الترمذي أن النبي ﷺ قال: “ما ملأ آدمي وعاءً شرًا من بطنه” وكان النبي محمد ﷺ يدعو إلى تحسين السلوكيات، فكان يوجه الصغار لتجنب التصرفات التي تتعارض مع الذوق، كما في قصة عمر بن أبي سلمة عندما نصحه النبي بأدب الطعام، كما دعا الإسلام إلى الاهتمام بالملبس وحث المسلمين على اختيار ملابس تتوافق مع الذوق العام، حيث قال تعالى: ﴿يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ﴾.
وتابع منسق رواق القرآن والتجويد: لقد اهتم الإسلام بالمظهر وارتداء أفضل الثياب، وخاصة البيضاء منها، التي تساهم في تعزيز “الذوق” العام، قال رسول الله ﷺ: “البسوا ثياب البياض؛ فإنها أطهر وأطيب، وكفنوا فيها موتاكم”، وضرورة اختيار ما يُسمع ويُشاهد، محذرًا من الأمور التي قد تُخدش “الذوق” العام أو تتعارض مع الحياء، قال تعالى: ﴿إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا﴾ كما امتد مفهوم “الذوق” في الإسلام ليشمل حتى معاملة الحيوانات، حيث يحث على عدم إيذائها أثناء الذبح، كما ورد عن النبي ﷺ: “إن الله كتب الإحسان على كل شيء”.
ودعا د. عبد الرحمن جمعة إلى التخلق بالذوق في مراعاة مشاعر الآخرين وعدم السخرية أو إحراج الآخرين، مستشهدًا بقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ﴾ كما نبه إلى عدم مقاطعة الآخرين أثناء الحديث، حيث قال النبي ﷺ: “لا تحاسدوا، ولا تقاطعوا”.