يصل المبعوث الأمريكي توم باراك الى إسرائيل في زيارة سياسية حساسة، حاملاً رسالة واضحة من الرئيس دونالد ترامب، في ظل تصاعد الضغط الأمريكي لدفع إسرائيل نحو المرحلة التالية من الخطة الخاصة بقطاع غزة.
تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية زيارة بالغة الحساسية يقوم بها المبعوث الأمريكي إسرائيل توم باراك الى إسرائيل، في توقيت وصفته مصادر دبلوماسية بأنه غير عابر، ويعكس نفاد صبر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إزاء تعثر الانتقال إلى المرحلة التالية من الخطة الأمريكية المتعلقة بقطاع غزة.
باراك من المقرر أن يلتقي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وعددًا من كبار المسؤولين السياسيين والأمنيين، في محاولة لتقييم مدى استعداد إسرائيل للتقدم نحو المرحلة الثانية، في ظل ضغط أمريكي متزايد.
وتأتي الزيارة على خلفية تطورات إقليمية متشابكة، أبرزها الساحة اللبنانية. فجيش الاحتلال يواصل عملياته ضد بنى حزب الله العسكرية في جنوب لبنان، بينما تسعى الولايات المتحدة إلى منع انزلاق الأوضاع نحو مواجهة إقليمية واسعة.
وفي هذا السياق، لفت مراقبون إلى الإدانة السريعة وغير المألوفة التي أصدرها الرئيس اللبناني جوزيف عون للهجوم المسلح في سيدني، معتبرين أن صيغة الإدانة وتوقيتها يهدفان إلى إرسال رسالة للخارج مفادها التزام لبنان بخطاب دولي مسؤول في مكافحة الإرهاب.
غير أن الفجوة بين الخطاب الدبلوماسي والواقع الميداني في لبنان تبقى واسعة، إذ تواصل منظمة حزب الله نشاطها العسكري انطلاقًا من الأراضي اللبنانية، في وقت ترد فيه إسرائيل باستهداف مواقع عسكرية.
من وجهة نظر إسرائيلية، يعكس هذا الواقع أزمة بنيوية في الدولة اللبنانية، التي تتحدث بلغة السيادة في المحافل الدولية، لكنها تعجز، أو تمتنع، عن فرض سلطتها الفعلية على التنظيم المسلح.
في هذا المشهد، يحمل باراك رسالة أمريكية واضحة: ضبط النفس الإسرائيلي لا يمكن أن يكون أحادي الجانب. واشنطن تتوقع خطوات عملية من بيروت، تشمل تعزيز سيطرة الجيش اللبناني في الجنوب، وتقليص حرية عمل حزب الله، وتحمل مسؤولية أمنية حقيقية. في المقابل، تشدد إسرائيل على أنها لن تكتفي بتصريحات سياسية أو إدانات بعيدة، طالما أن التهديد الأمني على حدودها الشمالية مستمر.
غير أن جوهر الزيارة يتمحور حول قطاع غزة، والانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الأمريكية، والتي يفترض أن تستبدل وقف إطلاق النار المؤقت والهش بترتيبات أمنية وسياسية أكثر استقرارًا. الخطة الأمريكية تتضمن إقامة قوة استقرار دولية بقيادة أمريكية، هدفها تفكيك القدرات العسكرية لحركة حماس تدريجيًا، وخلق بديل سلطوي في القطاع.
وهنا تبرز إحدى نقاط الخلاف المركزية بين اسرائيل والولايات المتحدة، والمتمثلة في الدور التركي. فالسفير باراك يرى أن تركيا يجب أن تكون جزءًا من قوة الاستقرار، نظرًا لقدراتها العسكرية ونفوذها في غزة، بينما تعتبر إسرائيل ذلك خطًا أحمر، إذ ترى أن أي طرف يحتفظ بعلاقات مع حماس لا يمكن أن يُصنف كقوة استقرار، وأن إشراكه قد يقوض جوهر الخطة.
وحسب مصادر سياسية، لا يُنظر إلى زيارة باراك على أنها زيارة بروتوكولية عادية، بل خطوة تحضيرية مباشرة للقاء مرتقب بين نتنياهو وترامب. السفير الأمريكي يصل ومعه “ساعة رملية” ومهمة محددة: فحص استعداد إسرائيل للانتقال إلى المرحلة التالية، وتحديد حدود مرونتها، خاصة في ملف غزة والقوة الدولية.
بالنسبة لإسرائيل، يشكل هذا التطور اختبارًا دقيقًا لكيفية القبول بمسار سياسي دون التفريط بالثوابت الأمنية. أما بالنسبة للولايات المتحدة، فباراك مكلف بتحديد ما إذا كان نتنياهو شريكًا يمكن البناء عليه في المرحلة المقبلة، أم زعيمًا يفضل إبقاء الساحات مفتوحة. المؤشرات الأولى ستتضح خلال الزيارة، فيما يُتوقع أن تُحسم الصورة الكاملة لاحقًا على طاولة ترامب.
