نصف الطريق إلى انهيار الوهم الإسرائيلي…

يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب، قد أنزل الحكومة الإسرائيلية عن أحد كتفيه، طالما أنها أصبحت عبئاً على رؤيته لأولوية مصالح الولايات المتحدة، لا يعني ذلك أن دولة الاحتلال فقدت وظيفتها التي تشكل حظوتها الأثيرة لدى أميركا، ولكنها قد تتعرض للمزيد من الهزّات، حين يتناقض البيدر الإسرائيلي مع التاجر الأميركي. ترامب ليس هو الحصان جو بايدن الذي استطاع نتنياهو ترويضه، واستخدامه إلى أبعد الحدود.
بايدن وإدارته وربّما إدارات كثيرة سبقت «جمهورية» و»ديمقراطية» دأبت على تحميل أميركا أعباء ضخمة في حروب عبثية، خرجت منها البلاد جريحة ومهزومة، وأعباء أخرى ضخمة صرفتها من جيوب دافعي الضرائب الأميركيين في حماية ودعم الدولة العبرية.
ترامب الإمبراطور التاجر، متقن سياسة الصفقات لم يعد مستعداً لفتح الخزانة الأميركية لإدارة حروب وسياسات فاشلة والتورُّط في أزمات مكلفة. المال هو العنصر الأهمّ الذي يشغل فكره وسياسته، لاستعادة نهضة بلاده وتمكين دورها على المستوى الدولي في ظل منافسين أقوياء.
مفاجآت ترامب لا تتوقف بالنسبة لنتنياهو و»ائتلافه الفاشي الحكومي»، إزاء ملفات عديدة ساخنة وذات أبعاد إستراتيجية خطيرة بعد أكثر من مهلة منحها لنتنياهو لكي ينهي المهمّة ويغلق ملفّ غزّة، لكن وقتاً كثيراً مرّ من دون أفق.
ليس إعلان ترامب المفاجئ بشأن الاتفاق مع جماعة أنصار الله «الحوثيين» اليمنية على وقف القتال، هو الأخير في مسلسل المفاجآت التي تقضّ مضاجع نتنياهو وشركائه.
الإعلان الفوري عن وقف الغارات الأميركية على اليمن بعد أكثر من خمسين يوماً من القصف اليومي، لم يكن وليد لحظته، بل إن المفاجأة كانت في أنه تم إثر مفاوضات سرية جرت قبل أسبوع بوساطة عمانية لا تعرف دولة الاحتلال عنها شيئاً.
يدّعي ترامب أنّ «الحوثيين» هم من توسّلوا الاتفاق، وأنهم استسلموا لكن طبيعة الاتفاق، الذي يحصر وقف القصف المتبادل على السفن الأميركية، يشير بوضوح إلى أن الطرفين لهما مصلحة في وقف القتال، الذي لم تحقق من خلاله أميركا شيئاً سوى استنزاف الموارد والذخائر.
لو كان الأمر كما ادّعى ترامب، الذي يعلن للجهلة فقط أنه منتصر لكان ثمّة شروط أخرى، نجح في فرضها على «الحوثيين».
خلال سنوات الحرب على قطاع غزّة، وعديد الجبهات العربية أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف دولي، اضمحلّ حتى استقرّ على أميركا وبريطانيا، وكان الهدف المعلن حماية خطوط التجارة الدولية، في هذا الممرّ الحيوي، وبالطبع لا يخفى على أحد أن الأخيرتين انخرطتا في دعم العدوان الإسرائيلي لحمايته وتمكينه من تحقيق الأهداف التي تحدّث عنها نتنياهو، ولكن في الأخير لا هذا ولا ذاك من تلك الأهداف قد تحقّق.
قبل أيّام قليلة من وصول الصاروخ الباليستي اليمني إلى حرم مطار اللد، كان نتنياهو يتحدث عن توزيع الأدوار، فهو ليس مضطراً للتصدي للتحديات القادمة من اليمن، طالما أن المهمة تقوم بها القوات الأميركية البريطانية.
ماذا سيقول نتنياهو الآن بعد أن أعلن ترامب التخلّي عن هذا الدور، وكيف لكيانه أن يواصل هجماته الانتقامية والعدوانية على اليمن بعد فقد الدور العسكري الأميركي البريطاني، الذي يؤمّن له تسهيلات وتعاوناً لوجستياً؟
«الحوثيون» بعد الإعلان عن الاتفاق، عادوا للتأكيد على دورهم في إسناد القطاع، وفرض حصار جوي بالإضافة إلى البحري على دولة الاحتلال، وبأنهم سيردون بقوة على قصف مطار صنعاء وميناء الحديدة.
وفي انتظار الإعلان المدوّي الذي يتصل بقضية كبيرة الذي تحدث عنه ترامب، ومن الصعب التكهّن بماهيته، تكون العلاقات الأميركية الإسرائيلية قد مرّت بمنعطفات مهمّة، تشير إلى تزايد التباينات على خلفية تناقض المصالح والسياسات والأولويات.
العلاقة مع تركيا والملفّ السوري، واحدة من القضايا الخلافية التي تسود علاقات الأب الأميركي والابن الإسرائيلي، ثمّة المفاجة الخطيرة التي تتعلق بكيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني، الأمر الذي يطيح بإستراتيجيات دولة الاحتلال التي تهدّد بقصف إيران، تلك القضية التي أخذت في طريقها مستشار الأمن القومي الأميركي السابق بسبب التنسيق مع نتنياهو من خلف ترامب.
بالنسبة لترامب الذي يرفض الدخول في حروب وصراعات مكلفة للخزانة الأميركية، ويراها سبباً في إضعاف الولايات المتحدة، فإن إصرار نتنياهو على مواصلة العدوان والاحتلال سواء في الأراضي الفلسطينية أو سورية أو لبنان، ومحاولاته توسيع رقعة الحرب العدوانية في الإقليم، يفقد الإدارة الإمكانية لعقد صفقات مربحة.
المال العربي بالنسبة لترامب أهم من دعم حروب فاشلة لا سبب رئيسياً لها سوى خدمة مصالح نتنياهو وفريقه الفاشي، فالفرق واضح بين من يموّل الخزانة الأميركية ومن يستنزفها في حالة دولة الاحتلال.
هذه المفارقة تحمّل الدول العربية الغنية المستهدفة من قبل ترامب مسؤولية تاريخية، إذ إن هذه الأموال، لها تأثير كبير على سياسات الإدارة تجاه ما تقوم به دولة الاحتلال.
ترامب غير متوقَّع، فهو يصدر قراراً صباحاً ثم يتراجع عنه مساءً، فهل يمكن أن يكون الإعلان المرتقب الذي سيفاجئ به الجميع يتصل بما يجري في غزّة والضفة الغربية، خاصة وأنّ هناك سابقة للقاء أميركي مباشر مع قيادة «حماس» في قطر؟ المنطقة عموماً مقبلة على تطوّرات مهمّة، مع استمرار حروب نتنياهو العدوانية وتداعياتها على كيانه وعلى المنطقة برمّتها.