أقرّت إسرائيل الرسميّة والإعلاميّة أنّ التطورّات الأخيرة في قطاع غزّة تؤكِّد أنّ دولة الاحتلال تقع في فخّ غزة أكثر فأكثر مع استمرار الحرب، والتي اندلعت في أكتوبر من العام 2023.

وفي هذا السياق، رأى مُحلِّل الشؤون العسكريّة في صحيفة (معاريف) العبريّة، آفي أشكنازي، أنّ “الناطق باسم الجيش والإدارة المدنية، إلى جانب قيادة المنطقة الجنوبية، استعدوا في إجراءٍ قتاليٍّ مختصرٍ لإدخال عشرات الصحفيين من أنحاء العالم وإسرائيل إلى الجانب الغزيّ من معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع، بهدف عرض السلع المنتظرة لتوزيعها من قِبل الأمم المتحدة على كامل أنحاء قطاع غزة”.

وتابع، نقلاً عن مصادره العسكريّة: “بحسب ادعاء الجيش الإسرائيليّ، فإن المواد الموجودة في المكان تشمل: طحين، زيت، أرز، بقوليات، معكرونة، منتجات للأطفال، معلبات، وغيرها الكثير. وتدّعي إسرائيل أنّ كمية البضائع الموجودة تكفي ما يقارب 1000 شاحنة، ومن المفترض أنْ تسدّ احتياجات سكان غزة لمدة أسبوعين ونصف.”
وزعم المُحلِّل أنّه: “حاليًا تستطيع حماس تشديد مواقفها التفاوضية. لقد نجحت في خلق رواية مفادها أنّ إسرائيل تتسبب بتجويع سكان غزة. صور الأطفال النحفاء الجائعين أثارت الغضب ضدّ إسرائيل في جميع أنحاء العالم. الصحفيون الأجانب العاملون من تل أبيب قالوا إنّ ما يراه الجمهور الإسرائيليّ هنا، يبعد سنواتٍ ضوئيةٍ عمّا يراه الجمهور في أوروبا والولايات المتحدة هناك. لقد نجحت إسرائيل، في إدارتها للحرب في غزة، في الوقوع في كلّ فخٍ وكلّ عقبةٍ ممكنةٍ. إدارة الحرب من قبل المستوى السياسي ليست هاوية فحسب، بل أسوأ بكثير من ذلك، إنّها تقاعس يرقى إلى مستوى الجريمة”.
وطبقًا لأشكنازي، “دخلت إسرائيل في هذه المعركة وهي تحمل أعدل قضية، مدعومة بتأييدٍ دوليٍّ واسع النطاق. لكن تخطيط القتال، وتحديد أهداف الحرب، وبرنامج إدارة المفاوضات لتحرير الأسرى، والقدرة على تحديد تسلسل حقيقي للأصول الأمنية والتكتيكية التي تصر إسرائيل على التمسك بها، كل ذلك لم يحدث. ما فعلته إسرائيل هو تغيير الخطط والأهداف مرة تلو الأخرى، والإصرار على إبرام صفقات مجزأة من أجل الحفاظ على البقاء السياسيّ لحكومة يجرّ فيها كلّ مَنْ يملك فتات مقعد برلماني الدولة، إلى مغامراتٍ عسكريّةٍ بلا هدف في واقع مرتبك”.
وأردف قائلاً: “أمّا موضوع توزيع المساعدات، فهو الفضيحة الكبرى. لقد موّلت حكومة بنيامين نتنياهو، من خلال إدارتها، حركة حماس حتى بعد السابع من أكتوبر. فالواقع أنّ إسرائيل، من خلال تقييدها المتكرر لإدخال المساعدات، ساهمت في تقوية حماس. لا خلاف على أنّ مخازن حماس ممتلئة حتى آخرها بمواد غذائية من كل الأنواع. لا خلاف على أنّ معظم الشاحنات تُنهب من قبل حماس. ولا خلاف على أنّ حماس تتحكم في أسعار السوق الغذائي داخل غزة.”

وأوضح: “لذا وفي ظلّ هذه المعطيات، كان من المتوقع من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يفهم شيئًا أوْ اثنين في الاقتصاد، أنْ يدرك أنّ كسر حماس وإنهاء تبعية السكان لها، بصفتها المزود الوحيد للخبز والماء في غزة، يقتضي جعلها غير ذات صلة في غزة تمامًا. كيف؟ ببساطة شديدة: بدلاً من 120 شاحنة يوميًا، كان على إسرائيل أن تدخل 2000 شاحنة غذاء يوميًا. أنْ توزّع الطعام في كل زاوية من زوايا غزة. أنْ يحصل الجميع على إمدادات بلا نهاية. أنْ “يختنقوا” بأكياس الطحين والأرز والزيت والمعلبات وغيرها إلى ما لا نهاية. بحيث لا تعود لحماس أي قدرة على بيع المنتجات، لأنّه لن تكون هناك حاجة لها في ظلّ توفرها بكثرةٍ في كل مكان.”
“لكن في إسرائيل”، استدرك المُحلِّل، “فضّلوا النهج الذي يقوده الوزير سموتريتش، وهو تقليص الإمدادات لخلق أزمة إنسانية في مناطق شمال القطاع، ودفع السكان جنوبًا. والنتيجة معروفة: حماس اليوم في أقوى موقع لها منذ بدء عملية (عربات جدعون). لقد حولت أخطاء إسرائيل إلى انتصارات لها. تفهم أنّ حرب الاستنزاف ضدّ جيشٍ نظاميٍّ كبيرٍ، تُضعف هذا الجيش. من الواضح أنّ الجيش يتآكل مع كلّ يومٍ يمر، والاحتكاكات والحوادث والإصابات في تزايد. وهي تعلم أنّ نقص الغذاء يزيد من تبعية السكان لها. تعلم أنّ سعر السلع في السوق هو نتيجة للعرض والطلب، وتعلم أنّ الضغط الدولي على إسرائيل سيُضعفها في إدارة المفاوضات.”
واختتم أشكنازي: “الآن، أعادت إسرائيل وفد التفاوض من الدوحة في قطر، بهدف إعادة حساب المسار. السؤال: مَنْ سيجلس في موقع القيادة؟ وهل نحن ذاهبون إلى خطواتٍ تُخرجنا من المستنقع الغزّي، أم أننا سنتعمق فيه أكثر فأكثر؟”.
من ناحيته نشر المُحلِّل السياسيّ الإسرائيليّ البارز، ناحوم بارنيع، اليوم الاثنين مقالاً في صحيفة (يديعوت أحرونوت) العبريّة جاء تحت عنوان:” الكارثة كبيرةٌ جدًا ونتنياهو اضطر لتنكيس الأعلام” وقال: “لقد تلقينا ضربةً قويّةً جدًا في غزّة، وأيضًا اضطرنا لأكل السمك التلفان، فيما يُطالب السواد الأعظم من أصدقائنا بطردنا من المدينة، من الممكن التناقش حول مسؤولية نتنياهو عن فشل أكتوبر، ولكن لا يُمكن بأيّ حالٍ من الأحوال عدم إدانته بما حلّ بنا جرّاء الحرب”، كما قال.

شاركها.