18 يونيو 2025Last Update :
صدى الاعلام_نشرت صحيفة “الغارديان” تقريرا أعده بيتر بيومنت قال فيه إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لا يريد تغيير النظام في إيران بقدر ما يريد تدمير نظامها.
وأشار في تقريره إلى تصريحات نتنياهو لقناة “فوكس نيوز” الأمريكية قدم فيها تصريحات وعظية وهي أن إسرائيل تحت قيادته لن تحاول فقط تدمير المنشآت النووية الإيرانية ومصانع الصواريخ الباليستية، ولكنها ستقوم من خلال هذه العملية بفتح الباب أمام تغيير النظام في طهران.
وقال إن الحكومة في طهران ضعيفة جدا، مضيفا أن هناك فرصة لقيام “80% من السكان بالإطاحة بهؤلاء البلاطجة الدينيين”.
ويبدو أن قائمة الأهداف التي ضربتها إسرائيل في إيران خلال اليومين الماضيين تؤكد أن إسرائيل ربما تسعى إلى تحقيق أجندة أوسع نطاقا من مجرد تدمير البرنامج النووي لطهران، فهي تضم، ضرب مقر الشرطة، ومديرية الاستخبارات في الحرس الثوري الإسلامي، ومحطة التلفزيون الحكومية أثناء بثها على الهواء مباشرة.
ويعلق بيومنت أن نتنياهو يعتبر نفسه خبيرا بشؤون إيران الداخلية، مع أنه لم يزرها قط، وظلت معرفته بها قائمة على التقارير الإستخباراتية المقدمة له والتي تعتبر إيران دولة معادية ومشكلة ومن خلال عدسة مراكز الأبحاث المؤيدة لإسرائيل.
وأكد الكاتب أن تعليقات نتنياهو لو بدت مألوفة بشكل مريب، فذلك لأنها كذلك. فنتنياهو نفسه، ومعه صقور إيران في الولايات المتحدة، قدموا حجة مماثلة في الفترة التي سبقت غزو العراق عام 2003.
وقالوا حينها إن الشعب العراقي، سيرحب بتغيير النظام، كما هو الحال مع الإيرانيين. وقيل للعالم أيضا إن الإطاحة بصدام سيفتح المجال أمام إعادة تشكيل الشرق الأوسط من جديد. وأضاف بيومنت أن تغيير النظام بالمعنى الحقيقي، ومهما كان معناه عمليا لا يعني تدميره.
ففي العراق، الذي حاولت فيه الولايات القيام بمحاولات عقيمة لبناء دولة وفي ليبيا التي لم تحاول عمل نفس الشيء فيها، تبع تغيير النظام فترة من الفوضى الدموية والمستمرة حتى الآن في ليبيا.
ومن المفارقات أن هذه ليست قصة غريبة على الثورة الإيرانية نفسها. فبينما هناك ميل، من خلال التبسيط التاريخي، إلى رؤية الثورة الإسلامية تتشكل بكامل قوتها عام 1979، إلا أن الواقع هو أن سقوط الشاه أثار فترة من التنافس في إيران بين الإسلاميين المحافظين والشيوعيين والفصائل المختلفة داخل كل من رجال الدين الشيعة والكوادر الثورية.
وعليه ففكرة نظر الإيرانيين لنتنياهو وإسرائيل بالمنقذ عن بعد تظل فكرة مشكوك فيها بأحسن الأحوال. ونقلت شبكة “سي إن إن” عن أراش عزيزي، مؤلف كتاب “ماذا يريد الإيرانيون” قوله إن “الناشطين الإيرانيين والشعب الذي قاتل من أجل الحرية والعدالة طوال حياتهم، يعرفون أولا أن قيمهم لا علاقة لها بأشخاص مثل نتنياهو”.
وناقش علي فائز، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي في بودكاست “بيفوتال ستيتس” وقبل أيام من هجوم إسرائيل أن الإيرانيين وهو واحد منهم، يشعرون تاريخيا بالخوف من التغيير المفاجئ. وقال:”ولدت بعد الثورة، ومن الواضح أن البلاد كانت تعيش حالة استياء شديدة حتى في التسعينيات عندما كنت مراهقا” وأضاف ” أعتقد أن جيلي وجيل والدي كانا يريان أن التغيير الجذري غالبا ما يؤدي إلى نتائج أسوأ. ينتهي الأمر بالحزن، ونادرا ما يقود إلى وضع أفضل”.
وقال “الإصلاح أفضل والتغيير الثوري أفضل، وهذا المفهوم الذي كان نرغب بتحقيقه”. وعبر ناشطون إيرانيون عن هذا الشعور في حواراتهم بالأيام الماضية وقالوا إن الحرب الإسرائيلية لا تساعدهم. ومن الواضح أن إسرائيل ترى تدمير النظام غاية في حد ذاتها، ولا مصلحة لها في مستقبل إيران، فما تريده هو إضعاف وزعزعة استقرار منافس إقليمي. وهذا يتماشى تماما مع نهج إسرائيل طويل الأمد تجاه ما تعتبره قضايا أمنية في غزة ولبنان، حيث دعمت جيش لبنان الجنوبي في لبنان، حتى انهياره مع ظهور حزب الله. والآن، تسلح إسرائيل جماعات إجرامية عنيفة في غزة ضد حماس، وسط شعورٍ عارم بأن نتنياهو لا يملك خطة لمستقبل غزة، حتى وهو يحولها إلى أنقاض. ويبدو أن حماس نتنياهو لتغيير النظام ينظر إليه، في الوقت الراهن على الأقل، بشيء من الشك في واشنطن.
وقال مسؤول أمريكي لموقع “أكسيوس”: “ربما كانوا مرتاحين لتغيير النظام أكثر منا” و “ربما كانوا مرتاحين لتدمير البلد أكثر منا”. وكما كشف العراق وليبيا عن الصعوبات العملية للانتقال العنيف بين الأنظمة. ففي العراق، روج مسؤولون أمريكيون وآخرون لشخصيات في المنفى، مثل أحمد الجلبي، الذين لم يكن لديهم، أي فهم بمراكز النفوذ الناشئة أو التوترات القبلية والطائفية.
وكانت هذه الدينامية أوضح في ليبيا بعد الإطاحة بالقذافي، حيث لعبت البعثات الدولية، بما فيها الأوروبية، دور “القابلة” لتوليد حكومة انتقالية بلا سلطة، واجهت تحديا من أمراء الحرب، حتى مع تحرك قوى أخرى بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة وروسيا لملء الفراغ. ويشكك مراقبو إيران على المدى الطويل بشدة في قدرة إسرائيل على هندسة مسار لتدمير النظام من خلال الحرب الجوية، حتى في حالة قطع الرأس بمقتل المرشد الأعلى، علي خامنئي.
ويشيرون إلى أن الهجوم الإسرائيلي قد يسمح بسهولة للنظام بالتراجع وتسريع الجهود للحصول على سلاح نووي. وعلى نطاق أوسع، هناك خطر يتمثل في أن جهود إسرائيل لزعزعة استقرار إيران قد تمنح شرعية جديدة للنظام الديني، حتى في دول الشرق الأوسط التي تشكك فيه بشدة مع تزايد قلقها إزاء تزايد عنف إسرائيل. وقال العاهل الاردني عبد الله الثاني، يوم الثلاثاء: “مع توسع إسرائيل في هجومها ليشمل إيران، لا أحد يعلم أين ستنتهي حدود هذه المعركة”. وقد واجهت بلاده مؤخرا تحديا يتمثل في استضافة السوريين والعراقيين الفارين من صراعاتهم الأهلية. وأضاف: “وهذا تهديد للناس في كل مكا، في نهاية المطاف، يجب أن ينتهي هذا الصراع”.
وفي سياق مشابه، كتب المحرر الدبلوماسي لصحيفة “الغارديان” باتريك وينتور أن دونالد ترامب ترك أوروبا معزولة عن إيران وحاول أن يظهر عدم أهميتها في أزمة الشرق الأوسط.
فقد وضع ترامب، سواء عن قصد أو تعبيرا عن استراتيجية ارتجالية، إيران أمام خيار صعب: إما العودة إلى طاولة المفاوضات وقبول عرض “الصفقة”، أو رؤية إسرائيل، ربما بدعم أمريكي، تدمر أجهزة إيران الأمنية وبرنامجها النووي واقتصادها بالكامل، فيما سيكون أقصى درجات الضغط، وهو المصطلح الذي أطلقه الرئيس الأمريكي على العقوبات الاقتصادية التي فرضها على طهران في ولايته الأولى. إنه، على حد تعبير ترامب، طلب للاستسلام غير المشروط.
وبالنظر إلى تصريحاته وأفعاله خلال الساعات الثماني والأربعين الماضية، يحاول ترامب أيضا إثبات أن أي اتفاق سيكون بشروطه وأنه صاحب القرار الوحيد. إنها محاولة لاستعراض القوة الغاشمة، ليس فقط أمام إيران، بل أمام أوروبا أيضا. ففي خطوةٍ صممت للتأكيد على عدم أهمية أوروبا، بل وازدرائه للتعددية التي ترمز إليها مجموعة السبع، انسحب ترامب من القمة الكندية قبل يوم واحد. وقد سبق له أن انسحب من مثل هذه المؤتمرات في مجموعة السبع مبكرا، ولكن لم يكن ذلك مفاجئا لهذه الدرجة. وقد سئل دبلوماسي كبير عما إذا كان ترامب قد سافر إلى واشنطن في مهمة دبلوماسية أساسا لتأمين السلام أو للانضمام إلى الحرب ضد إيران، فأجاب بصراحة: “لا نعرف”.
ومع رحيل الطائرة الرئاسية الأمريكية من كندا، حاول الرئيس إيمانويل ماكرون تحديد السرد عن الرحيل وقال إن الرئيس يريد البحث عن طرق لوقف إطلاق النار. فرد ترامب في نبرة يحبها مقللا من تصريحات ماكرون الذي قال إنه يحب الظهور. وقال “سواء كان هناك هدف أم لا، فإن إيمانويل مخطئ دائما”، مضيفا أنه يبحث عن “شيء أكبر” من وقف إطلاق النار. وفي الواقع، رفض الدبلوماسيون الأمريكيون في مجموعة السبع تأييد الدعوة لوقف إطلاق النار الواردة في البيان المشترك بشأن الأزمة الإيرانية الإسرائيلية، وهو المبرر الرئيسي لإصدار بيان مشترك في المقام الأول. ولضمان صدور أي بيان مشترك، تراجع القادة الأوروبيون، تاركين ثماني جمل مقتضبة أيدت ضمنيا تصرفات إسرائيل بقولهم: “نؤكد أن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. ونؤكد دعمنا لأمن إسرائيل”.
وفي الوقت الذي أعرب فيه المستشار الألماني فريدريش ميرز عن احترامه لشجاعة الإسرائيليين، قائلا إنهم يقومون بالعمل القذر نيابة عن العالم، كان كير ستارمر، رئيس وزراء بريطانيا وماكرون أكثر حذرا وعبرا عن قلق من الكيفية التي ستنتهي بها الحرب. ومهما كانت مواقف القادة الأوروبيين، فإن أوروبا، على ما يبدو، تركت متفرجة على التاريخ، وتقوم ببراعة في صياغة البيانات والإعلانات التوافقية بينما تشكل الأحداث الحقيقية من قبل من لديهم الإستعداد لاستخدام القوة المدمرة ومن طرف واحد.
ويقول وينتور إنه وإنصافا لقادة أوروبا، فقد حاولوا لعب دور في التوصل إلى اتفاق. وتحدث ثلاثة وزراء خارجية أوروبيين مع نظيرهم الإيراني، عباس عراقجي، هاتفيا بناء على طلب الولايات المتحدة. وكان جوهر الاقتراح الذي نقلوه هو أن على إيران أن تعرض فعليا وقف إطلاق نار غير مشروط، وأن تضع حدا لكل حديث عن التصعيد. ويجب إلغاء تهديدات طهران بسحب جميع مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة. ويجب التخلي عن فكرة تقديم اقتراح إلى البرلمان الإيراني يدعو إيران إلى الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي، وهي خطوة تمهيدية لامتلاك قنبلة نووية. ويجب عدم مهاجمة الأصول الأمريكية في المنطقة. ويجب أن تكون الأولوية لخفض التصعيد، لأن أي تصعيد سيؤدي إلى صراع كارثي، لا يمكن لأحد السيطرة على عواقبه.
وقالت مصادر إن عراقجي عاد إلى حجته بأن إيران لا تستطيع إسكات بنادقها دون أن تفعل إسرائيل الشيء نفسه. وقد أقر دبلوماسي غربي بأنهم اضطروا إلى إرسال رسائل إلى الإيرانيين حول استراتيجية أمريكية – إسرائيلية لم يستشاروا فيها، ناهيك عن الموافقة عليها. ومع وجود أسباب عديدة للشعور بالظلم يبدو أن النظام الإيراني قد ترك أمام خيارين: إما تدميره أو إذلاله، بما في ذلك الوقف الكامل لبرنامجه النووي، الذي كان ينظر إليه في السابق على أنه رمز لسيادته. وبعد أن تضاءل نفوذه بشكل كبير، سيتعين على إيران أن تقرر ما إذا كان عليها، حفاظًا على نفسها، التخلي عن أي حق في رسم الخطوط الحمراء. وقد تدرك أوروبا، بعد الأيام القليلة الماضية، بعضا من معضلة إيران.