نائب فرنسي إسرائيلي يصف ما يجري في فرنسا بـ”الانتفاضة”.. وأوبزيرفر: ماكرون في حفلة وباريس تحترق
وصف النائب الفرنسي الإسرائيلي بمجلس النواب الفرنسي ماير حبيب أعمال الشغب المستمرة في فرنسا احتجاجا على مقتل مراهق في باريس بأنها تشبه انتفاضة في قلب فرنسا، محذرا من أن جذور هذه الأعمال مستمدة من مناطق في فرنسا تُتهم بمعاداة السامية.
ونسبت صحيفة “جيروزاليم بوست” لحبيب قوله تعليقا على ما يحدث إن “فرنسا تحترق”. واصفا المناطق التي تشهد اضطرابات بأنها “ضائعة من الجمهورية وما فتئت تعشش فيها الكراهية لفرنسا والبيض واليهود منذ سنوات”.
وقارن حبيب بين ردة الفعل على مقتل نائل (17 عامًا) على يد ضابط شرطة وما أثار ذلك من أعمال الشغب، وبين مقتل سارة حليمي (امرأة يهودية تبلغ من العمر 65 عامًا)، التي زعم أنها قُتلت في منزلها عام 2017 على يد رجل كان يصيح “الله أكبر” وهو يهاجمها.
وذكر حبيب الذي يشغل مقعدًا في البرلمان يمثل المغتربين الفرنسيين الذين يعيشون في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، بما في ذلك إسرائيل إن قتلها لم يثر أعمال شغب.
وفي السياق نفسه، نقلت “جيروزاليم بوست” عن الصحيفة اليهودية الصادرة بلندن “ذا جويش كرونيكل” قولها إن المحتجين استهدفوا موقع النصب التذكاري للهولوكوست في باريس، وعاثوا فيه فسادا الجمعة الماضي، وسط موجة كبيرة من الاحتجاجات المناهضة.
وأظهرت لقطات فيديو للحادث مثيري الشغب وهم يصيحون ويكتبون شعارات مناهضة للشرطة على جدار الموقع، وعلقت حركة مكافحة معاداة السامية على ما حدث بأن “تخريب هذا النصب التذكاري يدمر ذكرى ضحايا النازيين. في خضم الاضطرابات الاجتماعية التي تعصف حاليا في فرنسا يجب احترام وحماية النصب التذكارية للهولوكوست”.
وقال أندرو هسي، مؤلف كتاب “الانتفاضة الفرنسية: الحرب الطويلة بين فرنسا والعرب فيها “، إن التهميش هو سبب العنف الحالي في المدن الفرنسية، وعلى الرئيس إيمانويل ماكرون العثور على طرق للتعامل مع الغضب والسخط الذي يغلي داخل مجتمعات الهامش.
وفي مقال نشرته صحيفة “أوبزيرفر” قال الكاتب: “في الساعة الثالثة من صباح الجمعة، استيقظت على صوت يشبه إطلاق النار، ولم أكن مخطئا كثيرا، فمن خلف نافذتي بشقّة في جنوب باريس، استطعت رؤية ألعاب نارية ألقيت على الشرطة، وسمعت الرد المباشر بكرات نارية.. السلاح الأقل فتكا الذي تستخدمه الشرطة للتحكم بالشغب”.
ويضيف أنه قضى المساء يتابع تغطية أحداث الشغب العنيفة التي اندلعت بشكل عفوي في فرنسا، وكانت هناك صور عن السيارات والبنايات المحترقة بشكل كبير، والشرطة المدججة بالسلاح، وهو أمر مألوف لمن عاش وعاين الاحتجاجات في السنوات الأخيرة بفرنسا.
ما كان مثيرا في أعمال الشغب هذه، هو حجمها الكبير الذي تفوق على كل شيء. فالعنف لم يكون محدودا في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى، بل في كل مكان
ولكن ما كان مثيرا في أعمال الشغب هذه، هو حجمها الكبير الذي تفوق على كل شيء. فالعنف لم يكون محدودا في ضواحي المدن الفرنسية الكبرى، بل في كل مكان بما في ذلك البلدات الجميلة مثل مونتاغريس ولوار.
ويقول الكاتب إنه خلد للنوم بشعور غير مريح، وأن الأمور ستسوء، وأضاف: “في اليوم التالي، مشيت وسط حطام الحي الذي أسكن فيه، وعاينت الدمار الذي حدث في الليلة السابقة، سيارات ودراجات محترقة بالكامل، وصناديق القمامة وقهوة تاباك التي تعرضت للمداهمة من أجل الحصول على السجائر، ومطعم صيني مهشم بدون سبب. وفي زاوية شارع فيرسنتوريكس وشارع ألين، تحدثت لضباط الشرطة الذين كانوا جزءا من الفريق الذي يراقب المنطقة على دراجاتهم الهوائية. كانوا ودودين إلى درجة ما، لكنهم كانوا منفعلين، وسألتهم عن الحادث الذي أشعل أعمال الشغب، إطلاق النار أو إعدام الشاب نائل مرزوق عند إشارة ضوئية في الحي الباريسي ناتيري يوم الثلاثاء على يد شرطي. وقالوا إنه فعل سيئ لكن أمورا كهذه كانت ستحدث عاجلا أم آجلا “عليك أن تفهم عندما تذهب إلى هذه الضواحي” قال أحدهم: “عليك أن تكون على أعصابك وحذرا، وجاهزا للهجوم عليك في أي لحظة، إنها مثل محور حرب”.
وهذه هي اللغة التي تستخدمها الشرطة “نحن في حالة مواجهة لأننا في حالة حرب”. وتم انتقاد هذا الخطاب الناري من قبل السياسي اليساري جان لوك ميلنشون من حزب فرنسا الأبية، وأن على الشرطة “الصمت” في ظل “التصرف الإجرامي” الذي تسببت به هذه التصريحات المستفزة.
في الوقت نفسه واصل الإعلامي المتطرف الذي تحول للسياسة إريك زمور، وصف الحادث بقوله إن فرنسا على حافة الحرب الأهلية. وهذه ليست المرة الأولى التي يحذر فيها زمور، والمتطرفة الأخرى مارين لوبان من “الحرب الأهلية”، فهذه العبارة يرددانها منذ سنين.
أما الروائي المتطرف لورين أوبيرتون، وهو نفسه صحافي مؤثر في الدوائر اليمينية المتطرف، وصنع مسيرته الأدبية من التحذير من الكارثة، فقد أقام ثلاثيته “غوريلا” على حرب أهلية متخيلة في فرنسا. وفي واحدة من هذه الروايات، تبدأ الحرب الأهلية في حيّ متخيل بباريس عندما تطلق الشرطة النار على أفارقة وعرب. ويندلع العنف في الحي ومنه ينتشر بسبب الإعلام السائد ومنصات التواصل إلى كل أنحاء فرنسا. وهو ما يجري اليوم.
كما أن لغة الحرب ليست مقتصرة على الساسة من اليمين المتطرف، ويقول الكاتب: “ليس بعيدا عن المكان الذي ثرثرتُ فيه مع ضباط الشرطة، تحدثت مع بشير مقراني الذي يعيش في شقة بواحدة من الأبراج الرمادية التي تطل على متنزه صغير ضيق حيث كنا نجلس. وبدون أي استثارة قال بشير: لا تبدو وكأنها حرب بل هي حرب، حرب ضدنا والشعب الذي يعيش كهذا”، حيث كان يلتفت إلى العمارات السكنية خلفنا. وقال: “أنا في عمر الأربعين الآن، ولدي ماجستير وعائلة وعانيت طوال حياتي من التمييز والإهانة دائما على يد الشرطة، وحدث هذا الآن ولم يعد يحتمله الناس”.
ويعلق الكاتب أنه لو كانت هناك حرب في فرنسا، فهي مواجهة رمزية على الأقل وليست بالاعتبارات العسكرية. ووسط كل الفوضى، فمن الواضح أن المشاركين في الشغب لم يهاجموا مراكز الشرطة فقط، بل ومكاتب الضريبة والمدارس، أي المؤسسات العامة التي تملكها الجمهورية الفرنسية. وتركز العنف على كل شيء تعبّر عنه الجمهورية، أي مثل “الحرية والمساواة والأخوة”، وهو سبب يجعل سكان الضواحي يعتقدون أن هذا المثال لا ينطبق عليهم، وأنه شعار كاذب في الحقيقة.
ويواجه ماكرون تحديا في الأيام المقبلة، والأولوية ستكون إعادة النظام بأقل قدر من الضحايا. وفي الوقت نفسه، فهو يواجه شرطة متمردة وغاضبة للتعامل مع مخاطر اندلاع الشغب لعدة أسابيع أو أكثر كما في عام 2005. ومع ذلك، فقد تكون هذه هي اللحظة للحكومة الفرنسية والشعب الذي يعيش في فرنسا للنظر والتفكير العميق فيما إن كانت الجمهورية الفرنسية تناسب هدف القرن الحادي والعشرين.
ورأت صحيفة “أوبزيرفر” في افتتاحيتها أن العنف في فرنسا هو حكاية قاتمة عن الشق المتزايد بين من يملكون ومن لا يملكون. وقالت إن أساليب الشرطة القاسية هي التي قادت إلى موت نائل مرزوق. ويعكس مقتله المشاكلَ التي تواجه المجتمع الفرنسي. وأضافت أن الساسة من معسكر اليمين المتطرف والعلماء الاجتماعيين والمحللين السياسيين والمعلقين، تدافعوا لشجب، شرح، استغلال وتبرير الغضب الذي انفجر بعد مقتل مرزوق يوم الثلاثاء.
إلا أن أهم ما ظهر وكشف عنه هي راوية كانديرا في سكن بابلو بيكاسو في ضاحية ناتيري بباريس، قريبا من مكان الحادث الرهيب، حيث قتلت الشرطة منذ 2020، 21 شخصا عند إشارات المرور. وقالت كانديرا (40 عاما): “لساعات في الليلة الماضية، كان هناك شباب في كل مكان، على شكل جماعات في العديد من الشوارع” وذلك حسبما نقلت مراسلة “الغارديان” عنها، “أعتقد صادقة أن الشباب هنا يعتبرون أنفسهم في حالة حرب ويرونها مواجهة ضد النظام وليس الشرطة، وهي أبعد من هذا، وإلا لم نكن نراها تحدث في كل فرنسا. وليست الشرطة هي التي تواجه الهجمات بل القاعات العامة والبنايات تعرضت للهجوم. وهناك بعد سياسي وحس بأن النظام لم يعد يعمل ويشعر الشباب بالتمييز وأنه تم إهمالهم”.
وتعلق الصحيفة أن وفاة الشاب نائل، وانتشار الفيديو الذي سجل لحظة إطلاق النار عليه من مسافة قريبة، مؤلم لأمّه وعائلته وأصدقائه. إلا أن هذا ليس حادثا معزولا، ولكنه يعكس المشاكل التي تعاني منها الشرطة، والعلاقات العرقية والمجتمع، وهي واضحة للجميع. وبشكل عام، فقد أحيت وفاة مرزوق الأسئلة حول الإصرار الفرنسي الدوغمائي على الاندماج والعلمانية وهوية على مقاس واحد للجميع.
فالجمهورية ذات التنوع السكاني تتغير باستمرار، وتغير طابعها الذي تأثر بالزمن الكولونيالي ولم يعد فيه اللون عاملا “عمى ألوان”.
وتعترف الصحيفة أن الأساليب التي تعتمدها الشرطة المدججة بالسلاح وغير المنضبطة، هي مشكلة طويلة، وظهرت في تمرد أصحاب “السترات الصفراء” في الفترة ما بين 2018 2019 حيث تعرض عدة متظاهرين ورجال شرطة للإصابة، ونفس الأمر حدث في هذا العام. ودخلت منظمات مطالبة بالحريات المدنية على الخط وشجبت الأمم المتحدة مقتل مرزوق، وقالت إن مقتله كان لحظة مهمة لفرنسا كي تعالج المشاكل العميقة للعنصرية والتمييز العرقي وتصرفات قوات حفظ النظام.
وتقول إن فشل الطبقة السياسية في معالجة القضايا هذه، هو السبب الذي أدى للغضب، كما أن الرد الناري من زمور والذي تحدث عن “حرب أهلية” و”تمرد” كان عنصريا بشكل مخجل. وماكرون ليس بريئا من كل هذا، فقد ظهر في صورة مع المغني إلتون جون الذي أحيا حفلا، في وقت كانت باريس تحترق مما يظهر عدم مسؤوليته. وأغضب ماكرون الشرطة عندما وصف مقتل الشاب بأنه “غير مبرر” في وقت تجاهل الشبابُ دعوته للحفاظ على الهدوء.
وتشعر قيادة الأمن بأنها محقة في وصفها للمراهقين المشاغبين بأنهم “حشرات” و”جحافل متوحشة”، مما يظهر الفجوة المتسعة في فرنسا بين الفقراء والأغنياء. فالفقر والأحياء التي تشبه الغيتو والبطالة والفرص القليلة المتوفرة والشعور بالعزلة الاجتماعية، هي مشاكل تواجه الشباب في الدول المتطورة، وليس أقلها بريطانيا.
وعندما لا تعالج هذه الأمراض المزمنة والعنصرية في النظام القضائي والبنى الأخرى للدولة، فإنها تضيف لهذا المزيج. وليس غريبا حدوث انفجارات لا يمكن السيطرة عليها، وما يحدث في فرنسا تحذير للجميع.