شهدت الساحة السياسية السورية تطورًا لافتًا بعد لقاء الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب في العاصمة السعودية الرياض، والتسريبات التي تحدثت عن تفاهمات أولية بشأن الانضمام إلى اتفاقيات إبراهيم وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وقد أثارت هذه الخطوة موجة واسعة من الرفض داخل الأوساط الإسلامية المتشددة، إذ اعتبرتها التنظيمات الإسلامية السورية تقاربًا مع المعسكر الغربي، يتناقض مع الأيديولوجية الإسلامية الراديكالية التي تبناها الشرع سابقًا حين كان قائدًا لمنظمة جبهة النصرة التي صنّفت الولايات المتحدة وإسرائيل عدوَّين مركزيَّين لها.
على ضوء هذه المستجدات، اتخذت تلك التنظيمات مواقف متباينة تجاه مشروع التطبيع، راوحت بين العنف المسلح والرفض الخطابي، وبين مواقف أكثر حيادًا أو ترقبًا. عليه، يسعى هذا التحليل إلى قراءة اتجاهات تلك المواقف في ضوء تطورات المشهد السوري.
مواقف ضاغطة:
تلاحظ في الفترة الأخيرة- أي منذ محاولات تقارب الرئيس السوري أحمد الشرع من إسرائيل، حدوث تحول واضح في مواقف التنظيمات الإسلامية المشددة من نظام حكم الشرع، لدرجة وصفه بالمرتد، ويمكن تناول ما سبق على النحو التالي:
(*) مؤشرات لتحركات “داعش: بعد الهزائم الميدانية الكبرى التي تكبّدها تنظيم داعش على يد التحالف الدولي في عام 2019، وتراجعه إلى جيوب محدودة في البادية السورية، عاد التنظيم لاستئناف نشاطه الإرهابي بوتيرة متصاعدة مع تولي الشرع رئاسة البلاد وظهور بوادر تقارب مع واشنطن وتل أبيب.
ووفقًا لتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أعلن التنظيم مسؤوليته عن تنفيذ 33 هجومًا خلال عام 2025 ضد أهداف تقع في مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وسط تقديرات بأن تصل هذه العمليات إلى 89 هجومًا بنهاية العام إذا استمرت الوتيرة على حالها. من أبرز هذه الهجمات، عملية تفجير عبوة ناسفة استهدفت دورية عسكرية في محافظة السويداء، أسفرت عن مقتل جندي وإصابة ثلاثة آخرين، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وفي هذا الإطار، صرّح مالك أبو الخير، الأمين العام لحزب اللواء السوري، لـ سكاي نيوز عربية، قائلًا إنه “منذ شهر، تحدثنا عن مؤشرات لتحركات داعش، واليوم بدأت هذه التحركات تظهر بوضوح. لدينا معلومات مؤكدة عن نشاط خلايا نائمة في درعا، وعن استفادة التنظيم من مستودعات سلاح تركها النظام السابق، ما ساعده في إعادة ترتيب صفوفه وانتشاره في البادية.” كما أكدت مصادر ميدانية أن تنظيم داعش يصف حكومة الشرع بأنها “مرتدة”، في إشارة إلى ابتعاده عن المنهج الجهادي المتطرف، وهو ما عزّز رغبة التنظيم في استهداف النظام الجديد.
(*) اتجاهات موقف “سرايا أنصار السنة”: برز تنظيم سرايا أنصار السنة مطلع العام الحالي 2025، حيث أعلن عن نفسه ببيان نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبّر فيه عن عدائه للطائفة العلوية، واعتبرها هدفًا رئيسًا لهجماته. فقد شهد شهر فبراير الماضي أولى عمليات التنظيم، وذلك عبر هجوم مسلّح على قرية أرزة في ريف حماة، أدى إلى مقتل عشرة مدنيين من أبناء الطائفة العلوية. إلا أن أخطر عملياته تمثل في تبنّيه تفجير كنيسة مار إلياس بحي الدويلعة في دمشق، ما أودى بحياة 25 شخصًا وإصابة 57 آخرين، ويُعد هذا الهجوم الأول من نوعه ضد كنيسة منذ عام 2011.
وبحسب مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، يتسم خطاب هذا التنظيم بتطابق شديد مع أدبيات داعش، سواء في لغته الطائفية أو دعوته إلى العنف ضد المسيحيين والعلويين والدروز. ورغم محدودية المعلومات حول نشأة التنظيم، تتعدد التفسيرات بشأنه؛ فبينما تشير بعض التحليلات إلى انشقاقه عن داعش، يرى آخرون أنه فصيل منشق عن هيئة تحرير الشام اعتراضًا على سياسة الشرع، فيما ترجّح تحليلات أخرى أن التنظيم وهمي جرى استخدامه لصرف الأنظار عن داعش، خاصة بعد أن وجهت السلطات السورية اتهامها لداعش بتفجير الكنيسة رغم إعلان سرايا أنصار السنة مسؤوليته.
على أي حال، يُجمع المراقبون على أن الخطاب الدعائي للتنظيم ينهل من الفكر المتطرف نفسه، ويصوّر حكومة الشرع بأنها “حكومة مرتدة” بسبب مشروعها للتطبيع مع إسرائيل والولايات المتحدة.
(*) ثبات في تنظيم القاعدة (حراس الدين): أشارت تقارير أممية اطّلعت عليها وكالة رويترز إلى أن حكومة الشرع لا تربطها أي علاقة تواصل نشطة مع تنظيم القاعدة منذ وصوله إلى الحكم. وقد زاد هذا القطيعة وضوحًا إعلان تنظيم حراس الدين، وهو الفرع الرسمي للقاعدة في سوريا، حلّ نفسه في يناير الماضي.
مع ذلك، بقي التنظيم محل استهداف من التحالف الدولي بقيادة واشنطن، إذ نُفذت عدة عمليات اغتيال لقادته عقب إعلان حلّه، ما يعكس استمرار خشية الولايات المتحدة من أن يشكل أفراده خطرًا بفعل تمسكهم بالأيديولوجية المتطرفة. وأكدت القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم) أن تنظيم حراس الدين يظل امتدادًا للقاعدة في سوريا، ما يبرر استمرار إدراجه ضمن بنك الأهداف. وقد نجحت واشنطن بالفعل في تصفية عدد من قادته خلال الأشهر الماضية. ما سبق من وقائع، يشير إلى تحوّل الشرع من نهجه العقائدي الراديكالي إلى نهج براغماتي يهدف إلى تثبيت سلطته عبر الانفتاح على القوى الإقليمية والدولية، وتخفيف العقوبات الاقتصادية عن بلاده.
تحديات مُحيطة:
تُشكّل مواقف هذه التنظيمات الإسلامية عامل ضغط خطير على حكومة الشرع في ظل الانقسام الطائفي والاجتماعي الحاد في البلاد. فقد توقعت تلك التنظيمات أن يتبنّى الشرع الخطاب المتطرف ويعتبر الولايات المتحدة وإسرائيل عدوَّين رئيسيَّين، لكنها صُدمت بتحوّله إلى خطاب براغماتي يقدّم نفسه كحكومة منفتحة على الغرب والمجتمع الدولي. وقد وُصف هذا التوجّه بأنه خيانة للأيديولوجية الجهادية، ما دفع داعش إلى اتهام الشرع بالردة، وحرّض التنظيمات المتشددة على تكثيف عملياتها الإرهابية ضد النظام.
إن استمرار هذا التصعيد المسلح سيجعل مشروع الشرع لتوحيد الدولة والنهوض بها أمرًا بالغ الصعوبة. وإن عجز عن ضبط تلك التنظيمات واحتواء الخلافات الطائفية، فقد تبرز ذريعة لتدخل قوى خارجية في الشأن السوري، تمامًا كما حدث مع التدخل الإسرائيلي في الجنوب بحجة حماية الدروز.
في النهاية، يمكن القول يمثّل التقارب السوري الإسرائيلي، المخطّط تطويره إلى تطبيع كامل بوساطة أمريكية، مصدر تهديد خطير في نظر التنظيمات الإسلامية المتشددة، التي تسعى لإفشاله خدمةً لمشروعها الأيديولوجي وحفاظًا على مصالح دول إقليمية متضررة، مثل إيران وتركيا.
في المقابل، يشكّل الانفتاح على الولايات المتحدة واحتمال رفع العقوبات الاقتصادية عامل تحفيز قويًا لحكومة الشرع على المضيّ في هذا النهج وبهذا، يجد الشرع نفسه أمام خيارين متناقضين: المضي في مسار البراغماتية والتطبيع لتحسين الوضع الاقتصادي وتعزيز شرعيته الدولية، أو مواجهة تصعيد التنظيمات الراديكالية التي تعتبر هذا التوجّه انحرافًا خطيرًا يستوجب المقاومة بكافة الوسائل.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الطريق ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الطريق ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
انتبه: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة مصر اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر موقعنا وانما تم نقله بمحتواه كما هو من مصر اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.