15 أكتوبر 2025Last Update :
– الكاتب: موفق مطر – هل تحقق القوة المادية العسكرية السلام، أم قوة الايمان بمنهج السلام، كمبدأ لمنح الحياة الانسانية معناها ومتطلباتها الحقيقية، فالقوة العسكرية قد تحسم صراعات في مكان ما لزمن محدد، لكن القوي لا يمكنه إنكار بقاء جذواتها جمرا تحت الرماد، تعود للاشتعال عندما تتوفر الظروف المناسبة، أما السلام المرفوع على أركان عدالة شاملة، وإن لم تكن مطلقة فإنه السبيل المؤدي حتما للأمان والازدهار والاندماج في المجتمع الحضاري الانساني، كما أنه المركب الأسرع من الضوء، لبلوغ أهداف السياسة الدولية التي لطالما أعرب المتحضرون في العالم عن تبنيه كمنهج، وبرنامج عمل يحظى بصدى واحد، أما ما يسمى سلام القوة، فإنه سيبقى مصدرا لردود أفعال متعددة زمانا ومكانا، لا تستطيع تكنولوجيا الحرب توقعها أو رصدها، لكونها لا تخضع للسيطرة المطلقة، لذلك يناضل محبو السلام في العالم ونحن منهم لرفع قواعد بيت السلام العالمي ارتكازا على مبادئ الشرعية الدولية والمواثيق الأممية وقوانينها وقراراتها التي من شأنها حفظ توازن هذا البيت، وصموده في وجه زلازل الارهاب وتجار الحروب، وصناع أدواتها المعنيين باستمرار الصراعات الدموية، لتحقيق أرباح ومكاسب، ولا يعنيهم إن تحولت بلاد غذوا صراعاتها بالأسلحة الفتاكة الى مجرد مقابر أو مساحات شاسعة من الركام والخراب، ومجتمعات بشرية متقاتلة تستشري في عقلية الارهاب الى ما لا نهاية! وكأنهم لا يدركون أن السلام الممنهج العادل وحده الكفيل بتحقيق أحسن الاستثمارات، إذا كان الانسان – أيا كان جنسه أو عرقه أو عقيدته أو لونه – هو الهدف، أما القوة العسكرية فمهما بلغت المكاسب من الاستثمار بها، فستبقى الأمم الانسانية بمعانيها وقيمها الأخلاقية، بصورة وواقع الانسان المتحضر هو الخاسر الأكبر!..فسلام القوة العسكرية – كما يصفونه – لا يبدد الكوابيس، ولا ينهي القضايا والمشاكل سواء كانت تاريخية أو ناشئة معاصرة، وإنما يضغطها، حتى تؤصل الخوف والرعب من مخبوءات المستقبل، وهذا ليس متناقضا تماما مع مفهوم السلام وحسب، بل عنصر مضاد مانع لإحلال السلام في الفكر والثقافة والعمل والإبداع لدى الأفراد والمجتمعات والشعوب، اما ضغط القوة العسكرية والمادية، مع إحكام اغلاق منافذ الأمل، فإنه طرف في معادلة الانفجار الحتمي، الذي سيصيب صاحب هذه النظرية أيضا، ويحيط الخطر بمظاهر عمرانه وتكنولوجيا الحروب التي يفخر بها، والسبب اعتماده القوة للسيطرة على شعب آخر، واستعباده ومنعه من تقرير مصيره، وهذا الفعل اللاإنساني بحد ذاته ينسف جوهر السلام، وعلى من يتحدث عن السلام، عليه أن يعلم أن السلام لا يستوي إلا بالإنسانية التي يستحيل انسجامها وتفاعلها مع مفاهيم التفوق والتمييز والعنصرية، وأن ترسيخ السلام في البنية الثقافية للشعوب شرط لاستقامة بنائها، وأن تحشيد وتعزيز القوة العسكرية – أيا كان مستواها حتى لو كانت نووية أو أسلحة دمار شامل، بقصد تكريس توازنات ما لفرض سلام من نوع ما، فإن هذه القوة لن تخلع خوفا دائما في قلوب الناس، ذلك أن الاطمئنان والشعور بالأمان في ظل عدالة نقية من الانتقائية، ومنهج سياسي يقدس النفس الانسانية دونما تمييز هو المعنى الحقيقي الجوهري للسلام.
بالأمس التقى خطاب بنيامين نتنياهو رئيس ائتلاف حكومة الصهيونية الدينية التلمودية ورئيس المعارضة يائير لابيد على نقطة السلام القائم على القوة، واعتبرا الوقوف ضد الابادة بحق الشعب الفلسطيني، وضد سياسة الاحتلال والاستعمار الاستيطاني العنصري لحكومات دولة الاحتلال اسرائيل تمركزا في جبهة الشر، ليكونا بهذا الخطاب المشتق من مرجعية واحدة، قد أكدا وبرهنا على نزعة الحرب المتأصلة، إدراكا منهما لدور منظومتهما المرسوم سلفا لتقرير مستقبل شكل ومضمون المنطقة، لكنا نذكرهم نحن المؤمنين بمنهج السلام: “إنا هنا كنا وهنا باقون وهنا سنكون” أما القوة فلم تقلع جذور شعب متأصل بقيم الحضارة الانسانية من أرض وطنه أبداً، وليسألوا الدول الاستعمارية الكبرى عما أنجزته القوة في مشاريع الاستعمار، ولماذا اتخذوا اليوم السلام لفلسطين نهجا.