بوليتيكو: حملة ترامب القمعية ضد أنصار فلسطين تعكس “مشروع 2025”

أمد/ واشنطن: تحت هذا العنوان نشرت صحيفة “بوليتيكو” مقالات، تناول تقارب سياسات ترامب مع “مشروع 2025” الذي يسعى لتدمير الحركة المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة.
وجاء في المقال المنشور:
بينما كان الرئيس دونالد ترامب يسعى إلى النأي بنفسه عن “مشروع 2025″، أصدرت مؤسسة “التراث” Heritage بهدوء مخططا لتدمير الحركة المؤيدة للقضية الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين، أصبح عدد من توصيات هذه المؤسسة سياسات راسخة للإدارة الأمريكية الجديدة.
وتعكس حملة القمع المتصاعدة التي تشنها إدارة ترامب على الجامعات والمحتجين المؤيدين للقضية الفلسطينية عن كثب مخططا أقل شهرة، وضعه نفس مؤسسي “مشروع 2025”.
وقد كُشف سرا عن مشروع “إستر” Esther لمؤسسة “التراث”، خريف العام الماضي، قبل الانتخابات، مقدما خارطة طريق لتطبيق قوانين مكافحة الإرهاب وخطاب الكراهية والهجرة “لاستغلال” نقاط ضعف ما تصم به مؤسسة “التراث” الحركة المؤيدة للقضية الفلسطينية في الولايات المتحدة بما تسميه “معاداة السامية” و”معاداة الولايات المتحدة”.
ويبدو أن البيت الأبيض يتبع هذا النهج في سحب تمويل الجامعات وتجريد الطلاب والأساتذة من وضعهم القانوني، وهو جهد دفع بحملة الإدارة الصارمة على الهجرة إلى منطقة أكثر إثارة للجدل ومحفوفة بالمخاطر السياسية.
ويشغل بعض الأشخاص المشاركين في مشروع “إستر” الآن مناصب في إدارة ترامب، كما أنهم حلفاء مقربون للرئيس. ووفقا لتحليل “بوليتيكو” للوثيقة المكونة من 33 صفحة، من بين 47 نقطة تتضمنها، فإن إدارة ترامب وحلفائها في الكونغرس قد حسّنوا خطابهم أو سياساتهم بالفعل لجعل 27 نقطة منها على الأقل واقعا ملموسا.
تشمل هذه الدعوات ترحيل الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية المتواجدين في البلاد بشكل قانوني، وإلغاء تأشيرات الطلاب وأعضاء هيئات التدريس الدوليين الذين يدعمون القضية الفلسطينية، وسحب التمويل من المنظمات التي تساعدهم، وتشويه سمعة الحركة الأوسع من خلال وصف داعميها بأنهم “مؤيدون لحماس”.
ويقول عضو فريق العمل المسؤول عن مشروع “إستر” برايان ليب: “بينما كنا نشاهد حرم جامعاتنا يحترق، وطلابنا اليهود يغلقون أبواب غرفهم خوفا من المغادرة، كان ترامب يطلق وعودا لمجتمعنا. وها نحن في أبريل، وقد تم الوفاء بالوعود التي قطعت من قبل”.
وقد دأبت الجماعات اليمينية المؤيدة لإسرائيل، والتي يقود عدد منها مسيحيون إنجيليون، على وضع أسس هذه السياسة لسنوات، وهي جهود عززها هجوم “حماس” في 7 أكتوبر 2023، الذي أودى بحياة ما يقرب من 1200 إسرائيلي.
ويعد هذا مثالا آخر على التخطيط السياسي المكثف الذي جرى خلال السنوات الأربع التي قضاها ترامب بعيدا عن البيت الأبيض، وهو العمل الذي يحدد الآن استراتيجية الرئيس العدوانية للقضاء على “آفة معاداة السامية” في التعليم العالي، مع معاقبة الجامعات التي طالما أدانها الجمهوريون لما يعتبرونه حاضنه للقيم التقدمية.
وقال الرئيس المشارك لفريق العمل في “التراث”: “إن مؤسستنا لاعب كبير في واشنطن العاصمة، لذلك لن أتفاجأ على الإطلاق إذا عُرض الأمر على إدارة ترامب، ووضع على الطاولة”.
إلا أن هذا النهج فتح الباب أمام طعون قانونية على الإدارة، إذ سحب ترامب مليارات الدولارات من التمويل الفيدرالي للجامعات، واختبر الحدود القانونية لقوانين الهجرة في البلد لإلغاء تأشيرات الطلاب وبطاقات الإقامة الدائمة “الخضراء”. وقد أثار هذا النهج انتقادات لاذعة، إذ انتقد الديمقراطيون، وحتى بعض دعاة حرية التعبير المحافظين، هذه الأساليب ووصفوها بأنها وسيلة لتقويض الديمقراطية وفرض الرقابة على المعارضة، تحت ستار مكافحة معاداة السامية.
وقال كيفين راشلين، مدير مشروع “نيكسوس” في واشنطن، وهي منظمة يهودية ذات توجه يساري: “هناك مقاومة حقيقية من المجتمع اليهودي. هناك مقاومة حقيقية من مجتمع الحريات المدنية، ومن جميع أطياف المجتمع المدني تقريبا، إنه خطر حقيقي إذا طبّق هذا”.
ووصفت ستيفاني فوكس المدية التنفيذية لمنظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام”، إحدى المنظمات التي تسميها الوثيقة “شبكة دعم حماس”، مشروع “إستر” بأنه “ملحق لمشروع 2025″، مضيفة أنه “يضع في الأساس مسارا تعمل إدارة ترامب على نشره بسرعة لشحذ أو توسيع الأنظمة القانونية التي تعمل على تعزيز أهداف (جعل أمريكا عظيمة مجددا)، على أفضل وجه”.
ولم تعلق مؤسسة “التراث” والبيت الأبيض على الأمر.
وفي الأشهر التي تلت هجوم “حماس”، شكلت مجموعة من الجماعات اليمينية ومراكز الأبحاث المؤيدة لإسرائيل فريق العمل الوطني لمكافحة معاداة السامية كقوة مضادة لاستراتيجية إدارة بايدن في مكافحة معاداة السامية آنذاك.
ويتألف هذا الفريق، الذي لا يضم أي منظمات يهودية رئيسية في عضويته، بشكل أساسي من جماعات مسيحية يمينية ومراكز أبحاث تابعة لترامب، بما في ذلك معهد “سياسة أمريكا أولا” الذي تأسس لدعم أجندة ترامب.
وأطلقت مؤسسة “التراث”، بالشراكة مع المجموعات الأخرى مشروع “إستر” في 7 أكتوبر 2024، وهو ما لم يحظ باهتمام كبير في وقت كان الرئيس ينأى بنفسه عن “مشروع 2025” الشهير، الذي أطلقته مؤسسة “التراث”، والذي أصبح نقطة نقاش ديمقراطية بارزة خلال الحملة.
ويتقارب بعض الرؤساء المشاركين لفريق العمل مع الرئيس، حيث يحظى القس ماريو برامنيك، وهو قس إنجيلي يميني متطرف يقيم في فلوريدا، بموافقة ترامب، وحاكم فلوريدا الجمهوري رون ديسانتيس، ورئيس مجل النواب مايك جونسون، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
أما إيلي كوهانيم، الرئيسة المشاركة الأخرى، التي شغلت منصب نابئة مبعوث وزارة الخارجية لمكافحة معاداة السامية خلال ولاية ترامب الأولى، فهي ضمن قائمة المرشحين النهائيين لخلافة النائبة إليز ستيفانيك (الجمهورية من ولاية نيويورك) كسفيرة لدى الأمم المتحدة بعد سحب ترامب ترشيحها. ولم يستجب برامنيك وكوهانيم لطلبات التعليق.
وقد حافظ ترامب وحلفاؤه على علاقات وثيقة مع مؤسسة “التراث”، حيث أعلنت المؤسسة البحثية، يوم الجمعة، أنها ستستحوذ على معهد “اتفاقيات إبراهيم للسلام”، وهو جهد أسسه صهر الرئيس جاريد كوشنر، للدفع باتجاه اتفاقيات تطبيع بين إسرائيل والدول العربية.
كما حشد ترامب إدارته بموالين من “التراث” ومنظمات أخرى انضمت إلى فريق العمل، لا سيما في وزارة التعليم، التي تحقق في 60 جامعة بتهمة التمييز والمضايقة المعادية للسامية.
وقد شغلت وزيرة التعليم ليندا ماكماهون سابقا منصب رئيس مجلس إدارة معهد “سياسة أمريكا أولا”، بينما يشغل جوناثان بيدلوجني المدير السابق لمبادرة إصلاح التعليم العالي في المعهد منصب نائب رئيس موظفي الوزارة لشؤون السياسات والبرامج.
أمام كريغ تراينور، القائم بأعمال مساعد وزير التعليم لمكتب الحقوق المدنية، واللاعب الرئيسي في مجال إنفاذ القانون، فقد شغل سابقا منصب كبير مستشاري التقاضي في معهد “سياسة أمريكا أولا”، تحت إشراف المدعية العامة الحالية بام بوندي، التي تشرف على فريق العمل الفيدرالي الذي أنشأه ترامب لمكافحة معاداة السامية.
ويرأس ليوتيريل، المحامي والمساهم السابق في قناة “فوكس نيوز” بوزارة العدل في عهد ترامب، فريق العمل التابع للإدارة، وهو فريق منفصل عن الفريق الذي وضع مشروع “إستر”.
وقد حظي تيريل بإشادة واسعة بين المجموعات التي دعمت مشروع “إستر”، ويواصل هو ومسؤولون آخرون في الإدارة طلب المشورة الخارجية أثناء وضعهم للسياسات، وفقا لمورتون كلاين، الرئيس الوطني للمنظمة الصهيونية الأمريكية التي قدمت بعض التوجيهات للمخطط، وأشاد كلاين بعمل تيريل، وقال إن إدارة ترامب تنذر الجامعات.
وقال كلاين: “لقد سألوني حتى عن الجامعات التي نعتقد أنها الأنسب لهم، والتي وجدناها إشكالية للغاية. لذا زودناهم بهذه المعلومات”.
ويصف مشروع “إستر” الحركة المؤيدة للقضية الفلسطينية بأنها “شبكة دعم عالمية لحماس”، وهو ما يعكس الخطاب الذي يستخدمه معظم الجمهوريين وبعض الديمقراطيين. ويتهم هؤلاء الطلاب الناشطين المحتجين على القصف الإسرائيلي لغزة (الذي أودى بحياة أكثر من 50 ألف شخص، ثلثهم من الأطفال، وفقا لمسؤولي الصحة الفلسطينيين) بدعم “حماس” أو التعاطف معها، وهي جماعة مصنفة إرهابية من قبل الولايات المتحدة، والتي أدى هجومها على إسرائيل إلى اندلاع حرب في المنطقة.
وقد وجدت العديد من توصيات مشروع “إستر” طريقها بالفعل إلى سياسة إدارة ترامب، وأبرزها دعواتها لاتهام الناشطين المؤيدين للفلسطينيين الذين هم طلاب وأعضاء هيئة تدريس وموظفون أجانب في الجامعات “بانتهاك متطلبات التأشيرة”، ودعوتهم لـ “المغادرة طواعية” أو ترحيلهم من الولايات المتحدة.
وقد صرح وزير الخارجية ماركو روبيو الأسبوع الماضي بأن الإدارة ألغت ما لا يقل عن 300 تأشيرة لطلاب وزائرين، بمن فيهم رميسا أوزتورك، الطالبة التركية في جامعة “تافتس”، والتي انتشر خبر اعتقالها على نطاق واسع في فيديو أعادت وزارة الخارجية نشره. لكنه رفض الإفصاح عن كيفية تحديد هذه الحالات.
كما ألغيت بطاقات الإقامة الخضراء لطالبين آخرين شاركا في احتجاجات مؤيدة للقضية الفلسطينية في جامعة كولومبيا: محمود خليل، مواليد سوريا، المحتجز في مركز احتجاز بلويزيانا، ويونسيو تشونغ، مواليد كوريا الجنوبية، والذي حاولت إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية اعتقاله أيضا. وقد أوقف القضاة مؤقتا جهود الحكومة لترحيل هؤلاء في القضايا الثلاث.
ويدعو مشروع “إستر” أيضا المجموعات التي يطلقون عليها “منظمات دعم حماس” إلى فقدان أهليتها للحصول على الأموال العامة، وتقويض مصداقية أعضاء هيئة التدريس والموظفين الجامعيين المؤيدين للقضية الفلسطينية، بهدف إلغاء “اعتماداتهم” و”انتسابهم للجامعات”.
وقد اتبعت إدارة ترامب هذه الخطوط بكفاءة، وأعلنت عن أحدث إجراءاتها يوم الثلاثاء: تعليق منح بحثية بقيمة 210 دولار لجامعة برينستون في إطار تحقيق جار في معاداة السامية بالحرم الجامعي.
جاء ذلك عقب إلغاء 400 مليون دولار لجامعة كولومبيا، ومراجعة عقود ومنح تزيد قيمتها عن 9 مليارات دولار في جامعة هارفارد. ويشير مشروع “إستر” إلى كل من هذه الجامعات على أنها أماكن “دافع فيها أساتذة أو دعموا علنا” الجماعات المؤيدة للقضية الفلسطينيين، مستشهدين بموقع “كناري ميشن”، وهو موقع إلكتروني متهم بكشف بيانات منتقدي إسرائيل.
وقد أكدت جميع هذه المؤسسات التعليمية التزامها بمكافحة معاداة السامية في حرمها الجامعي، وقالت إنها ستتعاون مع إدارة ترامب.
وقد وافقت جامعة كولومبيا، وهو مركز رئيسي للحركة الطلابية المؤيدة للقضية الفلسطينية في البلاد، على تسعة من مطالب الإدارة الشهر الماضي لبدء عملية رفع التجميد عن مبلغ 400 مليون دولار.
وشملت المطالب تشديد القيود على الاحتجاجات، وتمكين ضباط الأمن العام من القيام بالاعتقالات، وطرد الطلاب أو وضعهم تحت “الإيقاف لعدة سنوات” في العام الدراسي الماضي، ووضع دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وإفريقيا في الجامعة تحت إشراف مستقل.
وفي الأسبوع الماضي، استقالت رئيسة الجامعة المؤقتة كاترينا أرمسترونغ من منصبها، وهي المرة الثانية منذ اندلاع الحرب في غزة، وسط رقابة الجمهوريين على الحرم الجامعي التقدمي.
كما أشارت إدارة ترامب إلى أن المزيد قادم، وحذرت وزارة التعليم 60 مؤسسة للتعليم العالي من تحقيقات محتملة، إذا لم تتخذ المزيد من الإجراءات لحماية الطلاب اليهود.
ويخطط تيريل لجولة في حرم الجامعة في وقت لاحق من هذا الشهر، وقد صرح لشون هانيتي، مراسل قناة “فوكس نيوز” هذا الأسبوع، بأن محطته الأولى ستكون هارفارد، متهما أساتذة الجامعة بـ “غسل أدمغة” الطلاب بأفكار “يسارية ماركسية”.
كما أشاد بجهود روبيو لترحيل الطلاب، وقال إن وزارة العدل ستستخدم قوانين جرائم الكراهية الفيدرالية وقوانين الحقوق المدنية لتوجيه الاتهامات. وتابع: “سنلاحقهم بجميع أنواع الآليات القانونية”.
وفي أحد أحدث تصعيدات الإدارة الأمريكية، أمر روبيو الشهر الماضي البعثات الدبلوماسية بالبدء في فحص حسابات طالبي التأشيرات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما أولئك الذين حصلوا على تأشيرات دراسية أو تبادل بين 7 أكتوبر 2023 و31 أغسطس 2024، وفقا لما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز”. ومن بين “الشروط الضرورية” لمشروع “إستر”، أن يمتنع مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي عن الانتماء إلى الجماعات التي يصفها المشروع بأنها “تدعم حماس”.
والهدف النهائي للمشروع هو ترك الناشطين المؤيدين للقضية الفلسطينية “بلا قدرة على تنظيم أو مواصلة المظاهرات والاحتجاجات” وحجبهم عن “المجتمع المفتوح” في البلاد.