في مشهد يُجسّد مأساة غزة، ارتقت الصحفية الفلسطينية مريم أبو دقة شهيدة، لكن صوتها لم يُغادر، وصورتها لم تُمحَ من ذاكرة الميدان.
مريم، التي كرّست حياتها لنقل الحقيقة، كانت تعمل مراسلة لـ”إندبندنت عربية” و”أسوشيتد برس”، واعتادت أن تواجه الموت بكاميرتها، لا لتوثق الألم فقط، بل لتمنح الضحايا صوتًا وذكرى.
ساعات قبل رحيلها، نشرت عبر حسابها أنشودة “جنة بتستنى”، وهي تستند على جدار المستشفى منهكة، لكنها لم تتوقف عن الحلم ولا عن أداء رسالتها. كانت تعرف أن الخطر يحدق بها، لكنها آثرت أن تواجهه وحدها، تاركة طفلها الوحيد “غيث” في أمانٍ نسبي، بعيدًا عن خط النار.
مريم لم تكن صحفية فحسب؛ كانت أمًا، وابنةً تبرعت بكليتها لوالدها، وحفيدة شهيدة. حملت الكاميرا بقلبها، وسارت وسط ركام غزة، تقود سيارتها وسط القصف، وترافق زملاءها بشجاعة دفعتهم لوصفها بـ”أخت الرجال”.
في مجزرة مستشفى ناصر، طالها صاروخٌ غادر، لتُغتال الحقيقة معها، لكنّها تركت خلفها وصيّةً لابنها، ورسالة للناس، أن من يُحب الحياة لا يخشى الموت، بل يُقاومه بالصوت والصورة.
“غيث، صلاتك ثم صلاتك يا ماما.. وسَمّي بنتك مريم، أمانة”.
مريم أبو دقة.. اسم لن يُنسى، وصوتٌ لن يُسكت.