المرسوم الرئاسي الصادر اليوم، والذي يدعو إلى إجراء انتخابات للمجلس الوطني قبل نهاية العام، يُنذر بتعميق المأزق الفلسطيني بدل المساهمة في حله.

أولًا، لأنه صدر بشكل أحادي، من دون تشاور وطني  يشمل مؤسسات السلطة والمنظمة، والفصائل، والمجتمع المدني، والقطاع الخاص، والشخصيات الوطنية داخل الوطن وخارجه. هذه المقاربة تُضعف بل تضرب بالصميم شرعية المرسوم وتُفقده الغطاء الوطني اللازم.

ثانيًا، يتجاهل المرسوم الأولويات الوطنية العاجلة، وفي مقدّمتها وقف جريمة الإبادة الجماعية والتهجير القسري، وإعادة الإعمار، والتصدي لمخططات الضم وتصفية القضية الفلسطينية بجوانبها كافة. كما أنه يغفل أهمية تشكيل قيادة وطنية موحدة وبلورة استراتيجية وطنية شاملة لمواجهة هذه التحديات وتوظيف الفرص المتاحة. فكيف يُمكن تصور إجراء انتخابات في قطاع غزة في ظل الوضع القائم؟ وكيف ستُجرى في الضفة في ظل القضم المتدرج والضم الزاحف، والتقدم نحو فرض السيادة الإسرائيلية عليها؟ وحتى إن تم التوصل إلى صفقة تهدئة مرحلية، فليس من المضمون أن تفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار أو إلى انسحاب إسرائيلي فعلي. الأخطر من ذلك هو احتمال تأجيل الانتخابات في الضفة والقطاع بذريعة عدم سماح الاحتلال بإجرائها في القدس وغزة.

ثالثًا، تضمّن المرسوم شرطًا مستغربًا يشترط على المشاركين في الانتخابات الالتزام ببرنامج منظمة التحرير والتزاماتها، ما يُخالف جوهر العملية الديمقراطية القائمة على حرية التنافس بين برامج وخيارات متعددة ضمن إطار وطني موحّد. بإمكان القوى الوطنية الاتفاق على أسس وأهداف وقيم إنسانية عليا تُصاغ ضمن ميثاق وطني جامع، يستند إلى الإرث الوطني والحقوق الثابتة، خاصة أن مكانة الميثاق الوطني السياسية والقانونية أُضعِفت نتيجة الشروع في تعديله دون استكمال هذه العملية.

ويبقى السؤال: هل سيسمح الاحتلال فعلًا بإجراء انتخابات خصوصا حرة ونزيهة تُحترم نتائجها من دون نضال تراكمي طويل لفرضها عليه؟ وهل ستؤدي الانتخابات في ظل الاحتلال والانقسام إلى خلاص وطني حقيقي أم إلى تكريس الانقسام وتأبيد الاحتلال؟

رابعًا، يشير المرسوم إلى انتخابات المجلس الوطني فقط، من دون ذكر أي استحقاقات رئاسية أو تشريعية، وكأن منظمة التحرير ستمسك بكامل السلطات، دون أي مراجعة أو إعادة بناء لمؤسساتها المتقادمة والمُعطلة منذ سنوات. وهذا يكشف عن توجّه خطير لتجاوز السلطة الفلسطينية ورئيسها ومؤسساتها لصالح منظمة مشلولة، من دون إصلاحها وتفعيلها وإعادة هيكلتها وإعادة بناء مؤسساتها لتضم مختلف ألوان الطيف السياسي والاجتماعي.

أخيرًا، يبدو أن القيادة تسعى من خلال هذا المرسوم إلى استعادة دورها كلاعب مركزي في الساحة الفلسطينية، من دون أن تسلك المسار الصحيح لذلك. فعودة السلطة إلى غزة غير مضمونة؛ لا من الاحتلال إلا إذا أصبحت سلطة عميلة، ولا من حماس إلا ضمن اتفاق وطني شامل. وعلى القيادة أن تعيد النظر في حساباتها قبل فوات الأوان، وقبل أن يصبح الندم بلا جدوى.

شاركها.