ماذا يعني استخدام الاحتلال”مقلاع داود” للمرة الأولى في المواجهة مع غزة؟
أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي، الأربعاء، اعتراض صاروخ فلسطيني فوق تل أبيب باستخدام منظومة “مقلاع داود” الدفاعية، لتسجّل المنظومة أول تشغيل عملياتي لها في تاريخ المواجهة مع المقاومة الفلسطينية، منذ أن دخلت الخدمة في الجيش في إبريل/ نيسان 2017؛ فما مواصفات تلك المنظومة؟ كيف تختلف عن منظومة “القبة الحديدية” التي اعتمدت عليها إسرائيل بالكامل خلال 12 عامًا من الحروب مع غزة، ولماذا استخدمتها إسرائيل في هذا التوقيت؟
تكنولوجيا أميركية بعلامة تجارية “توراتية”
تعتبر منظومة “مقلاع داود” واحدة من 4 منظومات دفاعية تعتمد عليها دولة الاحتلال لتأمين أجوائها، وهي “القبة الحديدية”، المخصصة لرصد واعتراض الصواريخ قصيرة المدى حتى مسافة 70 كيلومتراً؛ ومنظومتا “السهم 2 و3″، وهما معدّتان لاعتراض الصواريخ الباليستية طويلة المدى التي تطير على مسافات عالية، وكذلك الطائرات الحربية. وتلك تهديدات غير محدقة بإسرائيل في نطاقها الجغرافي القريب، إلا في حال تعرّضت لهجوم من إيران.
ضمت إسرائيل حديثاً منظومة “مقلاع داود” لتغطية التهديدات التي تقع بين نطاق اختصاص “القبة الحديدة” ومنظومتي “السهم”، والتي تمثّلها الصواريخ متوسطة وطويلة المدى (بين 70 و270 كيلومتراً)، والتي قد تحتوي أحياناً تقنيات متقدّمة، كما في حالة صواريخ “إسكندر” الروسية مثلاً، تقنيّات متقدمة من قبيل “الطعوم الوهمية”، والقدرة العالية على المناورة والتشويش على الرادارات. المنظومة مخصصة كذلك لاعتراض صواريخ “كروز”، والطائرات المسيّرة الأكثر تقدّماً من الطائرات المتفجرة التي تعمل بتكنولوجيا بسيطة.
طوّرت شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية “رافائيل” هذه المنظومة بالشراكة مع نظيرتها “ريثيون” الأميركية، مستفيدة من التمويل العسكري الأميركي السنوي الهائل لحكومة الاحتلال؛ وذلك لاستبدال منظومتين أميركيتين سابقتين بالموصفات الدفاعية ذاتها تقريباً، وهما “باتريوت” و”هوك”.
ويمكن القول إن التكنولوجيا التي تنبني عليها “مقلاع داود” هي أميركية في الجوهر، وإن الإضافات الإسرائيلية لها قد لا تزيد معنىً عن دمغها وتصديرها إلى زبائن السلاح في العالم بالاسم التوراتي الجديد؛ وقد وقّعت فنلندا بالفعل، بعد يوم واحد من إعلان انضمامها إلى “الناتو”، عقدًا مع “رافائيل” لشراء تلك المنظومة، والصفقة لا تزال بانتظار الموافقة الأميركية النهائية.
مليون دولار ثمن الاعتراض الواحد
قياساً بـ”القبة الحديدية” التي يمكن نقلها بسهولة، فإن منظومة “مقلاع داود” ثابتة وغير قابلة للحركة، وهي ذات غطاء أرضي، على غرار منظومة “السهم”. وفي حين تبلغ قيمة صاروخ “القبة الحديدية” الواحد نحو 50 ألف دولار، وهي تكلفة كانت توصف بأنها باهظة في مقابل صواريخ لا تتجاوز قيمتها 100 دولار، كتلك التي تمتلكها المقاومة، فإن قيمة صاروخ “مقلاع داود” الواحد تقفز إلى عشرين ضعفاً، وتناهز مليون دولار.
ولعلّ ما يفسّر هذه القيمة القياسية هو أن الصاروخ يحتوي راداراً ثلاثي الأبعاد، ومجسماً غير متماثل ذا قدرة مناورة عالية لحظة مطاردة الهدف، وهو أيضاً، بالإضافة إلى خاصية التوجيه الذاتي التي يتمتع بها، قابل للتوجيه اليدوي السريع والفعال في الأمتار الأخيرة.
لماذا الآن؟
منذ دخولها الخدمة في 2017، لم تطلق “مقلاع داود” صواريخها إلا مرة واحدة، كانت في 2018، عندما أخطأت صواريخ دفاعية سورية، أطلقت على الأغلب من منظومة “إس 200” الروسية، طائرات إسرائيلية كانت تشنّ غارات معتادة داخل الأراضي السورية. لكن عملية الاعتراض في حينها، كما كتب في الصحف الإسرائيلية، كانت فاشلة، إذ سقطت الصواريخ السورية داخل الأراضي المحتلة، لكن في مناطق مفتوحة.
العودة لاستخدام تلك المنظومة الآن، في ظلّ تلك المعطيات، يعني أحد أمرين: إمّا أن المقاومة أطلقت صواريخ متقدّمة ذات مدى أبعد من 70 كيلومتراً، أو أن إسرائيل تعمّدت اختبار منظومتها الجديدة بعدما أعادتها إلى المصنّع لمعالجة عيوبها إثر فشلها السابق عام 2018.
في الحالة الأولى، تحدّثت تقارير إسرائيلية غير رسمية، أحدها في موقع “روتر”، عن أن “سرايا القدس” استخدمت للمرة الأولى صاروخ “خيبر 1” السوري، الذي يبلغ مداه نحو 100 كيلومتر؛ وهو ما لم يتأكد حتى اللحظة، سواء من جانب المقاومة، أو في الصحف والقنوات الإعلامية الإسرائيلية الرئيسية، أو عبر المصادر الأمنية الرسمية في حكومة الاحتلال.
في المقابل، نقلت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية “كان” عن مصدر أمني رفيع أن تفعيل “مقلاع داود” فوق تل أبيب كان بغرض اختبار الأداء وحسب، علماً أن المسافة بين الأخيرة وقطاع غزة تناهز 70 كيلومتراً بالحد الأدنى.
لكن هذا الطرح يواجه بدوره أيضاً بعض الأسئلة؛ فقد سبق أن اختبرت إسرائيل منظومتها الدفاعية هذه في السنوات اللاحقة لفشلها الأوّل عام 2018. وبالنظر إلى كلفة الإطلاق الواحد، التي تناهز مليون دولار، تبدو إعادة تجربتها إزاء صاروخ كان يمكن اعتراضه بأقل من عُشر تلك القيمة غير مبررة. من ناحية ثانية، واجهت دولة الاحتلال عمليات إطلاق أكثر تقدّماً في السنوات السابقة، كما جرى في حرب “سيف القدس” عام 2021، حينما أطلقت المقاومة للمرة الأولى صاروخ “عياش” بمدى يقارب 250 كيلومتراً، أي ضمن نطاق منظومة “مقلاع داود”، ولم تعلن إسرائيل في حينها عن تشغيلها. كذلك، شهدت الحرب الماضية “وحدة الساحات” إطلاقات صاروخية طاولت تل أبيب، ولم تدخل المنظومة المعركة أيضًا.
غير أن مراسل “كان” نقل عن مصادره الأمنية أن عملية التشغيل في هذا التوقيت جاءت في سياق الاحتراز والاستعداد لحرب متعددة الجبهات، قد تواجه فيها المنظومة الدفاعية الإسرائيلية صواريخ متقدّمة من الشمال؛ وهنا كانت الغاية التأكد من عمل “مقلاع داود” بلا أخطاء.