ماذا يريد الرئيس عباس من الصين؟
يسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس لاستغلال التحرك الصيني الجديد في منطقة الشرق الأوسط ورغبة بكين الواضحة في التموضع في المنطقة، كوسيط على الأقل، وسيفحص إلى أي حد يمكن لها أن تدخل على خط الصراع مع إسرائيل.
وقال مصدر فلسطيني مطلع، إن الرئيس عباس في زيارته المرتقبة يوم الثلاثاء إلى بكين، سيناقش مع الرئيس الصيني شي جينبينغ، إمكانية دور صيني في دفع عملية السلام إلى الأمام، عبر تدخل مباشر مع إسرائيل، أو دفع تحرك دولي متعدد الأطراف لرعاية عملية السلام.
وأضاف المصدر لـ«الشرق الأوسط»، أن المحاولة ليست متعلقة باستبدال الولايات المتحدة، ولكن خلق آليات مساعدة، باعتبار أن الإدارة الأميركية لم تنجح حتى الآن، في لجم أو دفع إسرائيل نحو وقف انتهاكاتها والبدء في عملية سياسية «لم تنجح في ذلك منذ 2014».
ولا يراهن عباس كثيراً على اختراق كبير، لأسباب متعددة، أولها شكل الحكومة اليمينية الإسرائيلية الحالية، ومعرفته سلفاً أنها سترفض على الأغلب أي دور غير أميركي للتوسط، إضافة إلى تحفظ الولايات المتحدة المتوقع على اللجوء إلى بكين، في عملية ترعاها منفردة منذ عقود، لكن مع ذلك لا يغفل الرئيس الفلسطيني أن بكين توسطت في مارس (آذار) في استئناف العلاقات بين إيران والسعودية.
ويبدأ عباس زيارته للصين، الثلاثاء، لمدة 3 أيام بدعوة من الرئيس شي جينبينغ.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية وانغ وين بين، في مؤتمر صحافي، أن عباس «أول رئيس دولة عربي تستقبله الصين هذا العام، ما يجسد بشكل كامل المستوى العالي للعلاقات الصينية – الفلسطينية الجيدة والودية تقليدياً».
وأضاف أن «الرئيس عباس صديق قديم للشعب الصيني»، وأن «الصين دعمت دائماً بقوة القضية العادلة للشعب الفلسطيني في استعادة حقوقه الوطنية الشرعية».
وتأتي زيارة عباس في وقت أبدت فيه الصين سلفاً استعدادها للتدخل في عملية السلام.
وكان وزير الخارجية الصيني تشين غانغ، قد أبلغ في أبريل (نيسان) الماضي، نظيريه الإسرائيلي والفلسطيني، استعداد بلاده للمساعدة في محادثات سلام.
وأبلغ تشين وزير الخارجية الفلسطيني، رياض المالكي، أن بكين تدعم استئناف المحادثات في أسرع وقت، في حين شجع وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين على اتخاذ «خطوات لاستئناف محادثات سلام». وقال إن «الصين على استعداد لتسهيل محادثات سلام على أساس تطبيق حل الدولتين».
ويعتقد الفلسطينيون أنه يمكن استغلال وجود رغبة صينية في تحدي الهيمنة الأميركية في المنطقة، بعد أن ملوا انتظار الأميركيين لسنوات طويلة.
والعملية السياسية ليست الوحيدة على جدول أعمال عباس؛ إذ قال مسؤولون فلسطينيون وصينيون، إن العلاقات بين البلدين والتعاون الاقتصادي ودعم جهود فلسطين في الأمم المتحدة ومحكمة لاهاي، جزء مهم في هذه الزيارة.
وتخطط الصين، بحسب الخارجية الصينية، لرفع الصداقة التقليدية بين الصين وفلسطين إلى مستويات جديدة.
وذكرت الرئاسة الفلسطينية أن زيارة عباس تأتي بمناسبة مرور 35 عاماً على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين الصديقين، وفي إطار حرص القيادتين الفلسطينية والصينية على تعزيز وتوطيد العلاقات الثنائية القوية في المجالات كافة.
وقال سفير فلسطين لدى الصين، فريز مهداوي، لإذاعة «صوت فلسطين» الرسمية، إن الصين تستقبل الرئيس عباس كأول زعيم عربي منذ بداية العام الجاري، ما يدلل على عمق العلاقة التاريخية بين الجانبين.
وأضاف مهداوي: «العلاقات الفلسطينية – الصينية تاريخية وستأخذ أبعاداً جديدة خلال زيارة الرئيس عباس؛ لأن الجانبين الفلسطيني والصيني بصدد رفع مستوى العلاقات إلى مستوى أعلى مما هي عليه».
وبحسب السفير الفلسطيني، فإن الزيارة ستركز على الجانب السياسي والتعاوني والتنموي.
وهذه ليست أول مرة يحاول فيها الفلسطينيون الاستفادة من حضور وحجم دول كبيرة في المنطقة، وخلال السنوات التي كان يجلس فيها دونالد ترمب، العدو الأكبر للفلسطينيين، في البيت الأبيض، جاب عباس ومبعوثوه دول العالم من أجل إقناعها بإطلاق مؤتمر دولي للسلام، تنتج عنه آلية متعددة الأطراف لرعاية عملية سياسية جديدة، مرجعيتها وسقفها الزمني واضح.
لكن أي دولة كبيرة أو صغيرة لم تتقدم خطوة واحدة للأمام في مواجهة الإدارة الأميركية، كما لم تعطِ إسرائيل الموافقة على الانخراط في أي عملية لا ترعاها واشنطن.
وحين عرضت الصين تحديداً، وساطة في العملية السلمية قبل شهرين، قالت مصادر إسرائيلية، إن محاولات الصين الدخول على خط الصراع المستمر مع الفلسطينيين منذ عقود، تقلق إسرائيل.
وتنظر إسرائيل إلى المحاولة الصينية، بعدما نجحت في تجديد العلاقات بين المملكة السعودية وإيران، وأظهرت نفسها كلاعب مهم في المنطقة، كمحاولة أخرى من بكين لتعزيز حضورها في الشرق الأوسط على حساب الولايات المتحدة.
قلق أوسع
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية، آنذاك، أنهم في إسرائيل لا يريدون ذلك، ويرغبون بتأكيد التزامهم تجاه الولايات المتحدة، وهذا ما جعل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يوجه دعوة لواشنطن من أجل زيادة المشاركة في الشرق الأوسط.
في إسرائيل ثمة قلق أوسع من تعزيز الحضور الصيني، بشكل عام وليس فيما يخص القضية الفلسطينية فحسب.
ويوجد بين إسرائيل والصين تبادل تجاري ضخم وعلاقات جيدة، لكن مع تحفظات متعلقة بمراعاة الموقف الأميركي «القلِق من العلاقات الدافئة بين تل أبيب وبكين».