على عتبة التحرير المتأخر للعشرين مخطوفاً الأحياء يصمم اليمين على تكرار أخطاء الماضي فيما يتعلق بقطاع غزة. في نهاية كل جولة قتال مع “حماس”، في الأعوام 2014 – 2021، من أبرزها عملية “الجرف الصامد” و”حارس الأسوار”، ادعت حكومات “الليكود” والجيش الإسرائيلي أن إسرائيل كانت هي المنتصرة وان “حماس” خرجت من المواجهة مردوعة ومتعبة وضعيفة. كانت الحقيقة بعيدة عن ذلك، وقد تم كشف ذلك في عيد “نزول التوراة” قبل سنتين في الهجوم “الإرهابي” في 7 تشرين الأول.

لقد تبين أن “حماس” لم تتفاجأ بنتائج الجولات السابقة؛ فقد كانت قريبة اكثر إلى التعادل السلبي، لكنها استنتجت من ذلك أنه يمكنها تحقيق المزيد. بعد عملية “حارس الأسوار”، حيث تفاخر الجيش الإسرائيلي بالقصف العبثي للميترو – شبكة أنفاق قيادة المنظمة الفلسطينية – توصلوا في غزة إلى الاستنتاج بأنه يمكن رفع الاستعداد إلى درجة هجوم شامل، يؤدي إلى هزيمة فرقة غزة واحتلال الغلاف. نجح الرهان وفشل بعد ذلك. اقتحمت “حماس” الغلاف بأعداد كبيرة، وهزمت القوة المدافعة، في الطريق لارتكاب “مذبحة فظيعة” في البلدات. ولكن الثمن الذي دفعته غزة بعد ذلك كان باهظا من تدمير ممنهج لمعظم المناطق المأهولة في القطاع على يد الجيش الإسرائيلي، وقتل معظم قادة “حماس” الكبار، وقتل غير مسبوق – حوالى 67 ألف شخص، بينهم حسب تقدير إسرائيل 20 ألف شخص من أعضاء “حماس”. في الأيام القادمة يتوقع الكشف عن جثث كثيرة تحت الأنقاض.
الآن، يكرر من يؤيدون رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، الخطأ نفسه. فرض الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على الطرفين وقف إطلاق النار وصفقة التبادل عندما يئس من مناورات التأخير لنتنياهو وشعر أن مواصلة القتال لفترة زمنية طويلة ستعرض المصالح الأميركية في المنطقة للخطر. انتهت الحرب، كما يبدو، لكن من هنا لا يجب الاستنتاج بأن إسرائيل حققت “النصر المطلق” على “حماس”. فـ”حماس”، مثل إسرائيل، وصلت إلى نقطة لم يكن بالإمكان فيها الاستمرار في إغضاب الأميركيين، كما ضغطت كل دول الحماية في المنطقة (قطر، مصر ومؤخرا تركيا) من اجل إنهاء الحرب.
ربطت “حماس” استعدادها لإطلاق سراح جميع المخطوفين وجثامين الإسرائيليين، حتى لو لم يكن مقابل الانسحاب الفوري والكامل لقوات الجيش من القطاع، بإعطاء ضمانات أميركية. هذا ما حصلت عليه، الأسبوع الماضي، بتعهد شخصي من الرئيس ترامب. من يعتقد أن هذه مجرد وعود فارغة سيخيب أمله. إذا صممت “حماس” على استئناف الاحتكاك العنيف مع الجيش الإسرائيلي والعودة بسرعة إلى بناء قوتها العسكرية وإفشال نشر القوة متعددة الجنسيات في غزة، فسوف يعطى كما يبدو ضوء أخضر من واشنطن لإسرائيل لاستئناف الحرب. ولكن من المرجح أن يضغط الأميركيون على نتنياهو ليضبط نفسه، لا سيما إذا نجحوا في إقناع الدول العربية والإسلامية بإرسال رجالها إلى المنطقة.
يبذل أتباع نتنياهو جهوداً يائسة لتجاهل جزء كبير مما يحدث في الفترة الأخيرة. يجدر الانتباه إلى ما يوجد وما لا يوجد في الاتفاق الحالي. ردد اليمين المسيحاني ونصف أعضاء الكنيست من “الليكود” في السنة الأخيرة بحماسة الحلم الذي لا أساس له (غير الأخلاقي) وهو طرد جماعي من غزة وإعادة الاستيطان الإسرائيلي. هذا لا يحدث. تحدث وزراء ومراسلون عن حكم عسكري في القطاع، أيضا هذا لا يحدث. تدمير “حماس”؟ تضررت القوة العسكرية التابعة لهذه المنظمة بشدة، وانخفض التهديد على الجبهة الداخلية الإسرائيلية، لكن رجال “حماس” يستعرضون في الأيام الأخيرة حضورا مسلحا في أرجاء القطاع. من المرجح انه في القريب ستبدأ جهود منهجية للمس بعائلات محلية تعاونت مع إسرائيل. في نهاية الأسبوع الماضي، قامت “حماس” بإعدام 15 شخصا من أبناء عائلة دغمش. ومن المشكوك فيه أن تستطيع “حماس” أو أنها تريد في هذه الأثناء استعادة السيطرة على القطاع، لكنها يمكن أن تكون الجهة التي ستزعج البديل في التطور. ما زلنا نذكر كيف يتم فرض الرعب هناك.
لا ينتهي الأمر هنا. فعلى الطاولة توجد أموال كثيرة وطموحات كثيرة. يبدو أن ترامب، الذي سيواصل طريقه إلى مؤتمر إقليمي في شرم الشيخ، يسعى إلى أن يطرح من جديد اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، إضافة إلى إطلاق مشاريع ضخمة لإنشاء بنى تحتية وتكنولوجية وسلاح، ستفيد الولايات المتحدة وعائلة ترامب. ولكن من اجل أن تتجنب السعودية ذلك فإنه مطلوب كما يبدو رسم خريطة طريق مبدئية في الساحة الفلسطينية تشمل إعطاء دور للسلطة الفلسطينية. الآن، السلطة مشاركة من وراء الكواليس في المصادقة على هوية الأعضاء في مجلس التكنوقراط الذي سيدير القطاع. في الخلفية يظهر تدخل متزايد لمصر وتركيا وقطر فيما يحدث. في حين أن مبادرة السعودية – فرنسا للاعتراف بالدولة الفلسطينية وفرت الدعم لخطوات ترامب.
يؤكد نتنياهو، إلى جانب تحرير كل المخطوفين الأحياء، على بقاء الجيش الإسرائيلي على طول الخط الأصفر في الخرائط، والسيطرة على 53% من أراضي القطاع. صوّت الوزير بتسلئيل سموتريتش، الذي يبحث عن ذرائع لمواصلة البقاء في الحكومة، ضد الاتفاق، وقال، أول من امس، إنه سيبقى من أجل الرقابة على نزع سلاح “حماس”. هذه رواية يتم بيعها للقاعدة. فعليا، الأميركيون من شأنهم أن يضغطوا على إسرائيل لتواصل الانسحاب حتى قبل إعادة كل الجثث. مكان وجود عدد من الجثث غير معروف، ويبدو أن هناك إغراء لـ”حماس” لإخفاء حقائق ومواصلة استخدام الجثث ورقة مساومة في وقت تطبيق الاتفاق. احتمالية نزع سلاح “حماس” مشكوك فيها، في المقابل، بقيت في الاتفاق عناصر لتحويل النزاع إلى نزاع دولي، لم تتم مناقشتها عندما وضعت على الأجندة خطط مصالحة سابقة منذ انهيار صفقة المخطوفين الأولى في كانون الأول 2023. بكلمات أخرى، ليس فقط انه ضاعت فرصة استكمال الصفقة في الماضي، بل ربما حينئذ كانت الشروط افضل لإسرائيل. في هذه الفترة، قتل عشرات المخطوفين المحتجزين لدى “حماس”، وقتل في المعارك مئات الجنود من الجيش الإسرائيلي، وأصيب الآلاف. حقيقة أن “حماس” واصلت احتجاز المخطوفين في الأنفاق في هذه الفترة مكنتها من الحفاظ على جزء كبير من نقاطها الاستراتيجية في مدينة غزة وفي مخيمات الوسط، لأن إسرائيل قللت نسبيا القصف هناك.
مشاهد مئات آلاف الغزيين، الذين يعودون الآن إلى مدينتهم المدمرة، في أعقاب وقف إطلاق النار، يتم عرضها انتصاراً للصمود، والتمسك الفلسطيني الشعبي بالأرض. هذه إصبع في عين طموحات سموتريتش وأمثاله للتطهير العرقي في القطاع. لكن مع هذا الإنجاز المعنوي لا يمكن الذهاب إلى البقالة. السؤال الحاسم هو هل ستتدفق إلى القطاع مليارات الدولارات الموعودة لمشاريع إعادة الإعمار؟ يتعلق الأمر بتشكيل سريع للقوة متعددة الجنسيات.
الخطوة الحاسمة، التي أدت إلى إنهاء الحرب، التي كتب عنها في السابق، هي قرار ترامب فرض الاتفاق على الطرفين في أعقاب الهجوم الإسرائيلي الفاشل في قطر. وقد ساهم في ذلك أيضا الضغط العسكري الإسرائيلي. يبدو أن قيادة “حماس” في غزة أرادت إنهاء الحرب وهي على قيد الحياة، ولم تتمكن من تجاهل معاناة الغزيين الموجودين خارج الأنفاق إلى الأبد.
في بداية الحرب، نشرت مقابلة سئل فيها موسى أبو مرزوق، من كبار قادة “حماس” في الخارج، لماذا لا تفتح “حماس” الأنفاق في غزة أمام الجمهور من أجل حمايتهم. راوغ أبو مرزوق وتملص، لكنه لم يتعلم الدرس. في نهاية الأسبوع الماضي، أجرى مقابلة، وسئل فيها هل أدت “المذبحة” إلى تحرير الشعب الفلسطيني؟ غادر الاستوديو بغضب احتجاجا على هذا السؤال. “حماس” أيضا لا يمكنها الاحتفال هنا بالانتصار. الفلسطينيون في غزة كانت هذه بالنسبة لهم بالتأكيد كارثة كبيرة ونكبة ثانية.

إظهار الضعف
مع ذلك، لم يكن الاتفاق فقط أمراً واجباً بسبب الأميركيين، بل ضرورة من ناحية إسرائيل. كان يجب أن تنتهي الحرب. المجتمع الإسرائيلي متعب ومنقسم. هذه ليست أموراً كان يمكن التغلب عليها خلال سنة صاخبة في نهايتها يتوقع إجراء انتخابات. ولكن على الأقل، سيلتئم الجرح عند إعادة الـ 48 مخطوفاً من القطاع.
من المثير للاهتمام أي انطباع تركته هنا حقا زيارة اليهود الأميركيين الثلاثة، مبعوثي ترامب، ستيف ويتكوف وجارد كوشنر وزوجته المتهودة، ايفنكا ترامب. كرس معظم الانتباه لخطاباتهم في منتهى السبت في ميدان المخطوفين، وهتافات الاحتقار العالية للجمهور عندما تجرأ ويتكوف على شكر نتنياهو. ولكن الرجلين تمكنا من المشاركة في جلسة الحكومة التي تمت مناقشة الصفقة فيها. بالتحديد بالنسبة للوطني الفخور نتنياهو فإن إسرائيل تتصرف كدولة ربيبة للولايات المتحدة: في زيارة بايدن في بداية الحرب، ودعوة مبعوثيه للمصادقة على خطة الجيش الإسرائيلي عشية العملية البرية في القطاع، والآن التصويت على الصفقة بحضور مبعوثي ترامب.
ظهرت أجزاء من الزيارة الحالية وكأنها قصة خيالية عن رحلة قام بها مسؤولون في الحكومة الروسية لبلدة يهودية في مقاطعة نائية وفقيرة في عهد القيصر. وقد ورد بالفعل من الجلسة أن إيتمار بن غفير، الذي صوت ضد الصفقة (مع ذلك مثل سموتريتش لا ينوي الاستقالة)، سأل الاثنين إذا كانا سيعقدان مصالحة مع هتلر. كانت لغة وزير الأمن القومي الإنكليزية ركيكة جدا، إلى درجة انه تم تجنيد الوزير رون ديرمر من أجل الترجمة. وقال وزير الاقتصاد، نير بركات، في الجلسة أن الصفقة ستتيح فرصة لإعادة بناء الاقتصاد، وأعرب عن أمل ساذج بدرجة معينة، وقال، إن هناك إمكانية لتقليل الكراهية وإعادة بعض الأشخاص الذين كانوا غاضبين منا أثناء الحرب.
من المشكوك فيه أن يكون نتنياهو قد استمع. عندما تحدث رئيس الوزراء ذكر ليس اقل من سبع جبهات ما زالت إسرائيل تخوض الصراع معها، والثامنة هي الجبهة الداخلية. وكان لنائب الوزير، الموغ كوهين، أيضا إسهام في النقاش، وقد اعرب عن أسفه لغياب رئيس “الشاباك” الجديد، دافيد زيني، عن الجلسة وقال، إن مهمته الأساسية الآن ستكون مكافحة الاحتجاجات. يعتقد كوهين أن “الشاباك” والشرطة بحاجة إلى حزم أكبر في الشوارع، حسب تعبيره. واشتكى قائلاً: “زملائي من ضباط الشرطة يتم تكبيلهم”.
تفسير التصفيق للخطباء الأميركيين في ميدان المخطوفين مقابل احتقار نتنياهو عندما ذكر اسمه، هو أمر مبرر. لا يدور الحديث هنا فقط عن كراهية سياسية عمياء. يرتبط غضب عائلات المخطوفين والكثير من النشطاء بسلوك نتنياهو، عائلته ومحيطه، طوال الوقت. حرص نتنياهو في الواقع على وضع شارة المخطوفين الصفراء على بدلته، لكنه بالفعل أظهر عدم الاهتمام والشفقة تجاه العائلات التي لم تكن متماهية معه سياسيا. عرف ويتكوف والزوجان كوشنر كيفية التعبير عن التماهي والشفقة. لا يوجد أي سبب للتوقع من العائلات أن تغيير نظرتها تجاه نتنياهو، في الوقت الذي يفرض فيه ترامب عليه في النهاية الاتفاق. ومن يرفض تحمل اقل قدر من المسؤولية عن الكارثة الضخمة التي حدثت في عهده لا يمكنه المطالبة الآن بالهتافات على إنجازه.
ما يجب أن يقلق قليلاً نتنياهو هو الطريقة التي سيتم بها استقبال هذا الحدث في واشنطن. في وسائل الإعلام الأميركية يكررون الادعاء الذي بحسبه الإسرائيليون ليسوا هم حكومتهم، نصفهم على الأقل يتحفظون عليها. السؤال هو هل ترامب، الذي يصف نفسه بأنه يكره الخاسرين، سيعتبر هذا الحدث مظهراً لضعف نتنياهو أم انه سيعانقه في الكنيست؟ في كل الحالات، قبل لحظة من عودة المخطوفين ظهر الاحتقار في الميدان في هذه الأثناء كنقطة تأسيس قبل سنة الانتخابات.

عن “هآرتس”

شاركها.