لا تخلو خطة “ترامب” بشأن حرب الإبادة في غزة من الخدائع، ثمة كمائن مقصودة في أنحاء مراحلها الثلاث، كمائن مثل ألغام قابلة للتفجير في معظم بنودها، وأبواب جانبية في كل زاوية تمنح الاحتلال حقوقا في مواصلة الإبادة.
الغموض الذي يترك الخطوط مفتوحة دون ضمانات يشكل بيئة مثالية للتأويل، التأويل الذي يصبح كمينا في ظل توازن قوى مختلة تماما، وفي سياق تنسيق واضح بين نتنياهو وفريق ترامب.
الجمل المتناقضة التي يطلقها ترامب حول مجريات تنفيذية على الأرض هي جزء من السياق الخادع، ولا ينبغي التعامل مع بعضها باحتفاء أو الاسترخاء في تأويلاتها وبناء سياسة على إشارات يمكن التراجع عنها ومحوها تماما.
صحيح أن الخيارات كانت محدودة، ومجال المناورة ضيق، والوقت ينفد. إذ يكاد يكون من المستحيل أن تناور أو تتذاكى بينما سيف الإبادة والجوع يلمع فوق أكثر من مليونين من أبناء شعبك، بعد أن حصد ما يقرب من الـ100 ألف، وضِعفهم من الجرحى، بينما المجاعة تفتك بالأطفال على أرض تحطمت، لكن اللغة التي تحيط بهذا كله، اللغة القادمة من معظم الأنظمة الغربية، وخطاب هذه الأنظمة في الحديث عن بنود التنفيذ والفصل بين أهمية “الضحايا” لغة مهينة، قادمة من مخيلة استعمارية لم تفارق ثقافتها، لغة مهينة تتماهى مع “الإبادة”، لغة لا ترى سوى “ضحايا” الطرف الإسرائيلي، ومأساة العائلات الإسرائيلية، وهواجس أمن الإسرائيليين.
لقد تجاوز الشارع الغربي والعالمي هذا الخطاب رغم تمسك الأنظمة الاستعمارية بعنصريتها وقبح نظرتها. وهو أمر ينبغي العمل على استثماره هنا وهناك في شوارع أوروبا والولايات المتحدة، عبر إدانته وتعريته وملاحقة الذين يتجاهلون مصائرنا لصالح مصير القاتل، ملاحقة تصريحاتهم ومفرداتهم ولغتهم الشائنة في مجاملة القاتل والبحث عبر خطاب عنصري عن وسائل تغطية الجريمة.
أمام العبث الوقح بمجريات تنفيذ “الاتفاق” يصبح الأمر أعمق من مجرد تأييد الخطة ومديحها والاسترخاء في وعودها، فيما سياق الخطة بكامله عنصري ومخادع، من الحديث عن استعادة جثث الإسرائيليين كحدث وحيد ونهائي، فيما يجري تجاهل مطلق لآلاف جثامين الفلسطينيين المتروكة تحت الأنقاض، أو تلك التي اختطفها جيش الاحتلال، أو الجثامين المؤجلة في سجون الفاشية، ينبغي عدم التسامح في تجاهل أدلة الجريمة التي هي نحن وأهلنا وبلادنا.