اخبار

كيف فشلت حملة “حوريف” الإسرائيلية في احتلال قطاع غزة سابقا؟

يتزايد الحديث الإسرائيلي عن مخططات تهدف إلى احتلال قطاع غزة والبقاء فيه لفترة طويلة من أجل تحقيق أهداف الحرب المُعلنة، بالقضاء على المقاومة الفلسطينية وإعادة الأسرى الإسرائيليين.

ورغم أن قطاع غزة جرى احتلاله أثناء العدوان الثلاثي عام 1956، ومرة أخرى بعد حرب النكسة عام 1967، ومن ثم الانسحاب منه أكثر من مرة، إلا أن الفشل في احتلاله عام 1948 هو الذي وُصف إسرائيليًا بالخطأ الاستراتيجي الكبير.

وتمثلت هذه المحاولة الإسرائيلية فيما يُطلق عليه إسرائيليًا عملية حوريف (يُطلق عليها اسم حوريب أيضًا)، وهي هجوم واسع ضد الجيش المصري غرب النقب في نهاية حرب 1948، وكانت تهدف إلى حصار الجيش المصري في قطاع غزة.

تفاصيل العملية
بدأت العملية في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1948، وانتهت في 7 كانون الثاني/ يناير 1949، بعد أن هدد البريطانيون بالتدخل وسط ضغط أُممي.

وجاء في تقرير سابق لصحيفة “معاريف” عن تاريخ العملية، أنه قبل حوالي ثلاثة أشهر، في 26 أيلول/ سبتمبر 1948، قدَّم رئيس الوزراء ووزير الحرب في ذات الوقت، ديفيد بن غوريون، إلى الحكومة خطةً لاحتلال المنطقة الواقعة بين رام الله والخليل، ردًا على انتهاك الأردن لوقف إطلاق النار في منطقة اللطرون.

ورُفضت الخطة بأغلبية سبعة أصوات مقابل ستة، وهو ما وصفه بن غوريون لاحقًا بأنه “صرخةٌ لأجيال”، وهو تصريح مُبالغ فيه نظرًا لاحتلال الضفة جراء حرب النكسة عام 1967، واحتلال كامل أراضي الضفة الغربية.

وذكرت الصحيفة أن احتلال قطاع غزة في كانون الأول/ ديسمبر 1948، وفرار سكانه أو طردهم مثل ما حدث في الأراضي المحتلة عام 1948، كان “سيُغيِّر الوضع الأمني الإسرائيلي تمامًا على مر السنين، وكان من المفترض أن يُعامل قطاع غزة كما عوملت يافا وحيفا”.

وقبل أسبوع من بدء العملية، أبلغ بن غوريون الحكومة أنه “في غضون أيام قليلة سنتمكن من إنهاء صراعنا مع مصر بطردها من النقب”، وحدَّد رئيس مديرية العمليات والقائم بأعمال رئيس الأركان حينها، يغئال يادين، هدف العملية، التي كان من المقرر أن تبدأ في 20 كانون الأول/ ديسمبر 1948، والتي أُجِّلت ليومين بسبب الأمطار، بأنه “القضاء على قوة العدو المصري الغازية وتدميرها، وتأمين المنطقة الجنوبية والوسطى من البلاد”.

وذكر التقرير أن القوة المصرية التي كُلِّف جيش الاحتلال الإسرائيلي بتدميرها تألفت من فرقة مُعزَّزة تضم أربعة ألوية مشاة، وألوية مدرعة، وعدة وحدات صغيرة مستقلة، بالإضافة إلى قوات الهندسة والمدفعية والجوية.

وكان لواءان مشاة ولواء مدرع مُتمركزين جيدًا للدفاع في قطاع غزة، ونُشر لواء مشاة آخر في المواقع الأمامية، بين عوجا الحفير أو العوجا (قرية من قضاء بئر السبع قريبة من الحدود المصرية بمسافة ثلاثة كيلومترات)، على الحدود الدولية بين إسرائيل ومصر، وقرية بير عسلوج (مستوطنة رفيفيم حاليًا).

وتمركز لواء رابع من قبل جيش الاحتلال في جيب الفلوجة (مستوطنة كريات غات حاليًا)، وبالتالي كان الجزء الأكبر من القوة المصرية متمركزًا في قطاع غزة – وكان من المفترض بحسب عملية حوريف أن يُدمَّر من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي.

قائد العملية يغئال ألون (رئيس وزراء لاحقًا)، وكذلك رئيس الأركان يادين، وكانت لديهما خشية من أن يواجه الجيش خسائر فادحة في هجوم مباشر على قطاع غزة، فخصَّص الاثنان ثلاث فرق من أصل خمس شاركت في العملية، وهي الفرقة 8، وفرقة النقب، وفرقة هارئيل، لتدمير الفرقة المصرية المنتشرة بين العوجا وعسلوج.

وجاء ذلك بهدف منع التعزيزات المصرية الممكنة من رفح في القطاع ومن قرية أبو عجيلة في سيناء، وحينها أُرسلت فرقة غولاني لتنفيذ مناورة تضليل أمام قطاع غزة، وفرقة ألكسندروني لتشديد الحصار على منطقة الفلوجة.

وطُلب من سلاح الجو وسلاح البحرية وسلاح المدفعية قصف وتفجير جميع المواقع المصرية بلا انقطاع، على أمل أن تنهار، وأن تتم السيطرة على الأراضي بأقل قدر من المقاومة.

وفي المرحلة الثانية كان من المقرر التقدم من العوجة إلى سيناء، واحتلال منطقة أم كتف وقرية أبو عجيلة، والتقدم إلى العريش، لعزل قطاع غزة عن طريق الإمداد الحيوي من مصر.

وأكد التقرير أنه “رغم تباهي يادين وألون بخطتهما حتى وفاتهما، إلا أن تحليلًا عقلانيًا يُظهر أنه لم تكن هناك فرصة لتطبيقها، وهو ما حدث فعلاً، إذ حتى فرقة مصرية واحدة حاصرها الجيش الإسرائيلي في جيب الفلوجة صمدت بشح في الإمدادات لمدة شهرين وصدَّت هجمات الجيش الفاشلة التي خلفت قتلى كثيرين”.

وأوضح التقرير أن “تأثير قدرة القصف الجوي والمدفعي للجيش الإسرائيلي آنذاك كان محدودًا على أرض المعركة، كما لم تكن هناك فرصة أن تسمح كل من الأمم المتحدة، بريطانيا، والولايات المتحدة لإسرائيل بفرض حصار طويل على قطاع غزة لإجباره على الاستسلام، ولم يتم استخلاص العبر من دروس جيب الفلوجة في حينه، وكذلك لم يُستفد من فشل خطة الحصار في عملية حوريف، كما ثبت من خلال الحصار العبثي على الجيش المصري الثالث في حرب يوم الغفران (حرب أكتوبر 1973)، والحصار المستمر على القطاع منذ أن سيطرت عليه حماس عام 2007”.

كيف فشلت الحملة؟
أجابت مذكرات بن غوريون لاحقًا عن أسئلة تتعلق بالعمل على خطط لا أمل لها، ولماذا وافق بن غوريون نفسه عليها؟ حيث كتب في بداية العملية: “لدى يغئال ألون انطباع بأن المصريين يريدون مغادرة البلاد. لا أعلم، لكن من الواضح أنهم يريدون التخلص من هذه المغامرة البائسة ولا يعرفون كيف”.

وأكد التقرير “تبيَّن أن الاثنين لم يُدركا مدى أهمية عامل الكرامة في الثقافة المصرية والفلسطينية، تمامًا كما لم تُدرك غولدا مائير ذلك قبل حرب أكتوبر 1973.

في 22 كانون الأول/ ديسمبر 1948، اندلعت عاصفة، وهطلت أمطار غزيرة على جنوب البلاد، وتسببت الفيضانات في إغلاق الطرق، ومع ذلك، قرر بن غوريون ويادين بدء العملية التي جرى تأجيلها سابقًا لنفس السبب.

وبدأ جيش الاحتلال بتنفيذ خطة التضليل، وقصفت الطائرات من الجو والسفن من البحر غزة وأصابت العديد من المدنيين، وذكر التقرير أن “المصريين ابتلعوا الطُّعم وسارعوا بإرسال تعزيزات من منطقة العوجة إلى القطاع، في الليل، هاجم نحو 120 جنديًا من كتيبة غولاني 13، بقيادة نائب القائد عمانوئيل برشي، موقع 86، كان هذا الموقع ملاصقًا لطريق القطاع الطولي، شمال خانيونس وجنوب دير البلح. فوجئ الجنود المصريون في الموقع – وفرّوا”.

وأضاف التقرير: من أجل استمرار الخدعة، أمر ألون بعدم مغادرة الموقع، على الأقل لمدة 24 ساعة، إلى أن تبدأ الهجمات على المواقع بين عسلوج والعوجة، إلا أن قوات برشي لم يكن لديها ما يكفي من الذخيرة والإمدادات، وبسبب الفيضانات لم تصل القافلة التي كانت من المفترض أن توفرها.

وفي اليوم التالي، هاجمت قوة مصرية كبيرة، تضم دبابات وقاذفات بقيادة نائب قائد القوة المصرية محمد نجيب (أول رئيس لمصر لاحقًا)، وضربت قوات غولاني بشدة.

نتائج الحملة
قُتل 16 جنديًا من غولاني، وأُصيب 17 آخرون، وأُسر اثنان، نجا برشي وعدد قليل من رجاله، وانسحبوا مشيًا على الأقدام.

بعد ذلك، وبعد يومين من ذلك، في 27 كانون الأول/ ديسمبر، نجح جيش الاحتلال في السيطرة على العوجة، ثم قرر يغئال ألون خرق أوامر بن غوريون ويغئال يادين، وبدأ تقدمًا داخل سيناء، في ما عُرف لاحقًا إسرائيليًا باسم “غزوة سيناء الأولى”.
ا
ووصلت قوات ألون إلى أم كتف وأبو عجيلة، وخشي من أن تتدخل الأمم المتحدة، لذلك أمر بإخلاء المنطقة حتى قبل أن تُصدر الأمم المتحدة وبريطانيا والولايات المتحدة قرارًا يطالب بانسحاب الجيش الإسرائيلي من سيناء.

وذكر التقرير أنه من الناحية التكتيكية، حقق جيش الاحتلال في عملية حوريف نتائج جيدة: فقد “تم طرد القوات المصرية من العوجة، وحُوصرت بقية القوة المصرية في جيب الفلوجة، لكن من الناحية الاستراتيجية لم يتم تحقيق الأهداف، ولم يتم طرد القوات المصرية من قطاع غزة، ولم يتم القضاء على القوات المصرية”.

وذكر التقرير أن الحملة نتج عنها فشل احتلال قطاع غزة، ويُعد كانون الأول/ ديسمبر 1948، أحد الإخفاقات الأشد تكلفة في تاريخ “إسرائيل” العسكري والسياسي، لأن قطاع غزة أصبح لاحقًا “ملجأً للاجئين الفلسطينيين، ومنبعًا مستمرًا للاضطرابات والهجمات على إسرائيل، كما أنه لعب دورًا محوريًا في عدة حروب لاحقة”.

وأكد أن “الدرس الذي لم يُستخلص من عملية حوريف، ومن كل ما تلاها، هو أن الفشل في حسم المعارك حين تتاح الفرصة لذلك، سواء لأسباب تكتيكية، سياسية، أو بسبب سوء تقدير، يحمل أثمانًا باهظة لعقود قادمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *