اخبار

كيف تفكر الجماعات الإسلاموية المتطرفة؟

28 أغسطس 2024آخر تحديث :

– تحتل الأيديولوجية المتطرفة للجماعات الإسلاموية ركناً رئيسياً في البحث والنقاش، لسبر أغوار هذه الظاهرة، وبيان خلفياتها وتجلياتها.

ومن أحدث الدراسات في هذا الحقل كتاب “مسارات التطرف العنيف: مقارنة بين تنظيمات الجهاد والجماعة الإسلامية وداعش” للباحث المصري عمرو الشوبكي الذي قدم تحليلاً مقارناً بين مسارات التطرف العنيف، وسلط الضوء على التغيرات التي طرأت على طبيعة التنظيمات والأفكار والعوامل المؤدية إلى التطرف. كما بين الباحث الفروق بين “العنف القديم” الذي مثله تنظيما “الجهاد” و”الجماعة الإسلامية” وبين “العنف الجديد” الذي يمثله تنظيم “داعش”.

وحددت الدراسة، التي صدرت عن مركز تريندز للبحوث والاستشارات، في العدد 19 من سلسلة “اتجاهات حول الإسلام السياسي” مسألتين رئيسيتين كسبب رئيسي للفرق بين “العنف القديم” و”العنف الجديد” وهما البنية التنظيمية، حيث تميزت تنظيمات “العنف القديم” بوجود بنية تنظيمية محكمة تأسست في بيئة محلية “وطنية”، بينما تفتقر تنظيمات “العنف الجديد” إلى بنية تنظيمية قوية، وتنتشر على نطاق عالمي، والبناء العقائدي، حيث اعتمدت تنظيمات “العنف القديم” على بناء عقائدي قوي وعميق، مستندةً إلى أدبيات فقهية واسعة، بينما تعتمد تنظيمات “العنف الجديد” على وثائق حركية غير عميقة فقهياً وعقائدياً.

وأضافت الدراسة، بحسب وكالة (وام) للأنباء، أنّ عوامل جديدة دخلت في تجنيد عناصره “العنف الجديد”، كالانتقام والتهميش والشبكات المالية وغيرها من العوامل غير الدينية التي كانت حاضرة في الماضي، ولكنها باتت أساسية حالياً.

أمراء الإرهاب

وأوضحت أنّ قوة البنية التنظيمية لجماعات نهايات القرن الماضي، جعلتها تدار بشكل مركزي من خلال قيادات عُرفوا بالأمراء يجندون بشكل مباشر العناصر الجديدة، بينما تعتمد تنظيمات “العنف الجديد” على التجنيد عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

وفي سياق تسليط أضواء كاشفة على أسس عمل الجماعات الإسلاموية المتطرفة، نشر الكاتب جاسم محمد، الباحث في الأمن الدولي والإرهاب ورئيس المركز الأوروبي ECCI، مقالاً في الموقع الإلكتروني للمركز حدّد فيه أنّ الأيديولوجية المتطرفة تشير إلى مجموعة من المعتقدات أو المبادئ التي تتميز بالتطرف، والتي تدعو في كثير من الأحيان إلى اتخاذ تدابير عنيفة لتحقيق أهداف سياسية أو دينية أو اجتماعية محددة.

وتعتبر الأيديولوجية المتطرفة بين الجماعات الإسلاموية ظاهرة معقدة ومتعددة الأوجه، وتساهم عوامل مختلفة في ظهورها واستمرارها منها:

التلقين الأيديولوجي: تنشر هذه الجماعات تفسيراً متشدداً للإسلام، والذي غالباً ما يتميز بنهج حرفي وأصولي تجاه النصوص الدينية. إنهم ينتقون الآيات والتعاليم لتبرير أيديولوجياتهم المتطرفة، ويصورون أنفسهم على أنهم الحراس الوحيدون لـ “الإسلام الحقيقي”.

يعتمد تنظيم داعش، التلقين الأيديولوجي كأداة للتجنيد والسيطرة ويستخدم التنظيم تفسيراً متشدداً للشريعة الإسلامية والأيديولوجية، ويستخدم الدعاية ووسائل التواصل الاجتماعي والمواد التعليمية لنشر معتقداته المتطرفة. ومن خلال التلقين المنهجي، يسعى داعش إلى خلق أتباع مخلصين ملتزمين بأجندته المتطرفة، بما في ذلك العنف والإرهاب.

تفسير النصوص: غالباً ما تتبنى الجماعات الإسلاموية المتطرفة تفسيراً صارماً وحرفياً للنصوص الإسلامية، وتركز بشكل انتقائي على فقرات معينة لتبرير مواقفها الأيديولوجية، وينطوي هذا التفسير عادة على رفض الحداثة والرغبة في إقامة مجتمع على أساس ما يعتبرونه مبادئ إسلامية خالصة.

العولمة والتكنولوجيا: أدى ظهور العولمة والتقدم التكنولوجي إلى تسهيل انتشار الأيديولوجية المتطرفة، مما مكن الجماعات من نشر دعايتها، وتجنيد الأعضاء، وتنسيق الأنشطة عبر الحدود بسهولة أكبر من أي وقت مضى.

الدعم الخارجي: في بعض الحالات، تتلقى الجماعات الإسلاموية المتطرفة الدعم، من دول أو جهات فاعلة غير حكومية تشترك في أهداف أيديولوجية أو مصالح استراتيجية مماثلة. يمكن لهذا الدعم أن يزود المجموعات بالموارد والتمويل والملاذات الآمنة، مما يزيد من تمكين أنشطتها.

الاستقطاب: يميل الخطاب المتطرف إلى خلق واستغلال الانقسامات داخل المجتمع، وغالباً ما يكون ذلك من خلال تأطير القضايا في إطار “نحن ضدهم” أو من خلال شيطنة الجماعات أو الأفراد المعارضين. ومن شأن هذا الاستقطاب أن يزيد من ترسيخ المعتقدات المتطرفة وينفر الأصوات المعتدلة.

الترويج للأيديولوجية المتطرفة

وبحسب الباحث جاسم محمد، اعتمدت الجماعات الإسلاموية المتطرفة بشكل كبير على الدعاية ووسائل الإعلام للترويج لأيديولوجياتهم المتطرفة وتجنيد أعضاء جدد من أجل :

التجنيد: تعمل الدعاية كأداة قوية لجذب مجندين جدد للانضمام إلى التنظيم ومن خلال الرسائل المصممة بعناية، فإنها تجذب الأفراد الذين قد يشعرون بالتهميش أو خيبة الأمل أو البحث عن هدف.

الانتشار: استفاد كل من داعش والقاعدة من المنصات الإعلامية الحديثة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، لنشر دعايتهم على مستوى العالم وهذا يسمح لهم بالوصول إلى جمهور واسع وممارسة التأثيرعليها.

الهجمات الإرهابية: غالباً ما تمجّد الدعاية أعمال الإرهاب وتحتفل بالأفراد الذين ينفذونها وهذا يمكن أن يلهم المهاجمين المنفردين، أو الخلايا الصغيرة للقيام بهجماتهم الخاصة باسم الأيديولوجية.

وضع نفسها مدافع عن الكيانات: من خلال إنتاج دعاية منتجة ببراعة، تهدف هذه الجماعات إلى تصوير نفسها على أنها كيانات شرعية ذات أيديولوجية متماسكة وبنية حكم. وهذا يمكن أن يجذب المتعاطفين والتبرعات من الأفراد الذين يعتبرونها بديلاً قابلاً للتطبيق للأنظمة الحالية.


اقرأ|ي أيضاً| هل باتت إزاحة حماس سياسيا عن المشهد ضرورة وطنية عليا


الخصائص الرئيسية للتطرف الديني

يشير التطرف الديني إلى المعتقدات والممارسات داخل الدين والتي تتميز بالالتزام الصارم بالمذاهب العقائدية، والرغبة في استخدام العنف أو غيره من التدابير المتطرفة لفرض تلك المعتقدات، ومن أهم الخصائص للتطرف الديني:

التفسير الخاطيء للنصوص: غالباً ما يفسر المتطرفون النصوص والمذاهب الدينية بطريقة حَرفية ومطلقة، ويرفضون التفسيرات التي تختلف عن تفسيراتهم.

التعصب: يُظهر المتطرفون عادة عدم التسامح تجاه أولئك الذين لديهم معتقدات أو تفسيرات دينية مختلفة، وغالباً ما ينظرون إليهم على أنهم أعداء أو “كفار”.

العنف: يلجأ بعض المتطرفين إلى العنف كوسيلة لتعزيز معتقداتهم أو للقضاء على التهديدات المتصورة لأيديولوجيتهم. ويمكن أن يتراوح هذا العنف من العنف اللفظي والترهيب إلى الهجمات الإرهابية والتكفير والعمل المسلح.

رفض الديمقراطيات: غالباً ما يرفض المتطرفون القيم والمعايير والمؤسسات الحديثة، ويعتبرونها غير متوافقة مع نظرتهم الدينية للعالم. وقد يسعون إلى إنشاء مجتمع تحكمه قوانين دينية صارمة “الخلافة الإسلامية” وإن كانت مؤجلة مثلما يحدث عند جماعات الإسلام السياسي.

الصرامة والمركزية: قد تظهر الجماعات المتطرفة اتجاهات استبدادية، مع تسلسلات هرمية صارمة وسيطرة مركزية.

التكفير: تنخرط العديد من الجماعات المتطرفة في التكفير، وهو ممارسة إعلان مسلمين آخرين أو حتى مجتمعات إسلامية بأكملها كافرة وهذا يمكنهم من تبرير العنف ضد أولئك الذين يعتبرونهم مرتدين أو أعداء للإسلام، حتى لو كانوا إخوانهم المسلمين.

الجهاد: غالباً ما تفسره الجماعات المتطرفة على أنه حرب مقدسة، هو مفهوم مركزي في أيديولوجيتها. وهم ينظرون إلى الكفاح المسلح باعتباره وسيلة مشروعة للدفاع عن الإسلام ونشره، بما في ذلك من خلال الأعمال الإرهابية التي تستهدف المدنيين.

الجهاد العالمي: تتبنى بعض الجماعات الإسلامية المتطرفة أيديولوجية “جهادية” عالمية، تهدف إلى الإطاحة بما تعتبره أنظمة فاسدة أو مرتدة، وإقامة مايسمى بالخلافة الإسلامية عابرة للحدود .

السلفية الجهادية: تلتزم بعض الجماعات المتطرفة بالتفسيرات “السلفية الجهادية”، والتي تؤكد على العودة إلى الممارسات الإسلامية المبكرة وترفض الاجتهادات التي أدخلت في فترات لاحقة. هذه الأيديولوجيات كانت مؤثرة في تشكيل النظرة العالمية للعديد من الجماعات الإسلاموية المتطرفة.

عدم التسامح

تسعى الجماعات الإسلاموية المتطرفة إلى إقامة دول إسلامية تحكمها تفسيراتها للشريعة الإسلامية. إنهم يرفضون الحكم العلماني ويدافعون عن تطبيق نسختهم من الحكم الإسلامي في كل من الدولة والمجتمع.

الأيديولوجية المتطرفة تتميز هذه بعدم التسامح تجاه الآراء المخالفة، والرغبة في فرض نظرتها للعالم على المجتمع، والرغبة في استخدام تدابير متطرفة لتحقيق أهدافها. يمكن أن تظهر الأيديولوجيات المتطرفة في أشكال مختلفة، بما في ذلك التطرف الديني، والتطرف السياسي، والتطرف الأيديولوجي، وغالباً ما تشكل تحديات كبيرة للتماسك الاجتماعي والاستقرار والأمن.

ويرى الباحث جاسم محمد أنّ المواجهة الفكرية مع الجماعات الإسلاموية المتطرفة ضرورية لمواجهة أيديولوجياتها، ومنع التطرف، وحماية حقوق الإنسان، وتعزيز التنوع، ومعالجة الأسباب الجذرية للتطرف، وبناء القدرة على الصمود في المجتمعات، وتعزيز الحوار والتفاهم. إنه نهج متعدد الأوجه يتطلب التعاون بين علماء الدين والأكاديميين وصانعي السياسات ومنظمات المجتمع المدني والمجتمعات لتحدي الخطابات المتطرفة وتقويضها بشكل فعال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *