في ظل الحديث عن قمة محتملة تجمع الرئيس الأمريكي “ترمب” ببعض القادة العرب في نيويورك، لمناقشة الحرب الدائرة على غزة، وتداعياتها على حالة الاستقرار بالمنطقة، في ظل كارثة إنسانية غير مسبوقة يعيشها أكثر من مليوني فلسطيني تحت الحصار والقصف والحرمان من أبسط مقومات الحياة. يبرز سؤال جوهري: ما جدوى مثل هذه اللقاءات إذا كانت واشنطن ما تزال تتبنى بالكامل السلوك الإسرائيلي وسرديته الأساسية للصراع…….

لا شك، وفي ضوء ما يصدر عن الرئيس “ترمب” من تصريحات، فإن اللقاءات الأمريكية–العربية في مثل هذا السياق قد تبدو للوهلة الأولى بلا جدوى إذا استمرت واشنطن في تبنّي السلوك الإسرائيلي وسرديته. لكن الجدوى لا تُقاس فقط بما تطرحه الولايات المتحدة، بل بما يستطيع العرب أنفسهم أن يقدموه من موقف جماعي واضح وحازم، وإلى منصة ضغط سياسي توقف حرب الإبادة الجارية، وصياغة رؤية عربية موحّدة تنقل الموقف من دائرة التنديد إلى دائرة الفعل تضع الإدارة الأمريكية أمام خيارات واضحة: إمّا الاستمرار في الانحياز بما يحمله من كلفة استراتيجية على مصالحها مع المنطقة، أو الانخراط في مسار سياسي أكثر توازنًا يوقف نزيف الدم ويعيد الاعتبار للقانون الدولي.

منذ أن تأسست دولة الاحتلال، تعتمد الإدارات الأمريكية خطابًا ثابتًا يقوم على تأمين إسرائيل مهما كان الثمن، لكن الحقيقة الغائبة أو المغيبة، يجب أن تؤسس على أن مصالح الولايات المتحدة مع العالمين العربي والإسلامي أوسع من هذه المقاربة الضيقة. فاستقرار الطاقة، والتبادل التجاري، والأمن الإقليمي، كلها أوراق تجعل واشنطن تدرك أن تجاهل الموقف العربي لم يعد ممكنًا، خصوصاً وأن هناك إجماع دولي أصبح داعماً للموقف العربي، وهو ما سيضع الولايات المتحدة في تحدي الضغوط والخيارات.

إنّ استمرار المأساة في غزة يفرض على العالم العربي والإسلاميالمدعوم دولياً التحرّك بموقف موحّد، لا يقتصر على بيانات منفردة. هناك فرصة لبلورة إجماع عربي قائم على وقف الحرب ورفض التهجير، وتبني مخرجات قمة مؤتمر نيويورك، وهو ما سيضع واشنطن أمام امتحان صعب، كما سيفتح المجال أمام قوى أخرى بدأت بالظهور من خلال سلسلة الاعترافات بالدولة الفلسطينية،للعب دور أكبر في معادلة السلام. وحتى يخرج أي لقاء محتمل بجدوى حقيقية وعملية، لا بد من جدول مطالب واضح وحازم، أبرزها:

 التأكيد على أن مخرجات مؤتمر قمة نيويورك والتي تقوداه كل من المملكة العربية السعودية وجمهورية فرنسا، تشكل أساس لأي سلام عادل وشامل وقادر على توفير حالة استقرار مستدامة.
 إذا كان حريصاً على إرساء السلام كما يدعي، ويرغب بجائزة نوبل، دعوة الرئيس ترمب بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، و اعتبار الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، هي جزء أصيل من حقوق الفلسطينيين، والتي يجب أن تتجسد واقعاً بإقامة الدولة على حدود السادس من حزيران 1967.
 التأكيد على ضرورة الوقف الفوري وغير مشروط للحرب على غزة، خلال البيان الصحفي لانتهاء اللقاء.
 ضرورة فتح المعابر، وإدخال المساعدات الإنسانية العاجلة تحت إشراف الأمم المتحدة، دون اي اشتراطات اسرائيلية.
 التأكيد ودون لبس، أن ما تقوم به إسرائيل في غزة هو جريمة إبادة جماعية مكتملة الأركان، وكذلك، الرفض المطلق لأي عمليات تهجير قسري أو طوعي أو تحت أي مسميات أو أي عمليات تغيير ديموغرافي في غزة أو الضفة.
 ضرورة إنسحاب إسرائيل من قطاع غزة، والتأكيد على أن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، هما المرجعية الشرعية للفلسطينيين، فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية.
 التحذير من أن استمرار الحرب وقيام اسرائيل بضم أراضي فلسطينية، أو تبني الولايات المتحدة لهكذا إجراءات إسرائيلية، سيقود إلى تداعيات إقليمية تمس المصالح المشتركة مع واشنطن.

اللقاء المرتقب مع الرئيس الأمريكي ترمب في نيويورك، ليس فرصة للمجاملات الدبلوماسية أو الصور التذكارية، أو أي استجداءات، بل هو لقاء تاريخي يشكل اختبار حقيقي لقدرة القادة العرب على بلورة موقف موحد يعكس وزنهم السياسي والاقتصادي. فاللحظة لا تحتمل المراوغة، والعالم العربي لم يعد قادرًا على الصمت أمام حرب إبادة تُرتكب أمام أعين الجميع.

شاركها.