قلب الحقائق مهنتهم –
26 يونيو 2024آخر تحديث :
_ عمر حلمي الغول _ تسعى الصين الشعبية للإسهام بدور إيجابي في ترميم الجسور بين القوى الفلسطينية، وخاصة بين حركتي فتح وحماس، كجزء من إحساسها بمسؤولياتها الأممية تجاه الأصدقاء الفلسطينيين، ولشعورها لحاجة الشعب الفلسطيني في زمن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية للوحدة، كأحد روافع تعزيز مكانة القضية الفلسطينية، ولإدراكها أهمية ومكانة القضية الفلسطينية في معادلات الصراع الإقليمية والدولية، وللتكامل مع حليفها الاتحاد الروسي في رأب الصدع بين أقطاب الساحة الفلسطينية، وطي صفحة الانقلاب الأسود بعد 17 عاما على ذكراه الأليمة، وندوبها السوداء على تاريخ الكفاح الوطني التحرري.
وتمكنت القيادة الصينية من جمع حركتي فتح وحماس في بكين نهاية أبريل مطلع مايو الماضي، نجم عن اللقاء اتفاق على خطوط عريضة تضمنها بيان صادر عن الناطق باسم الخارجية الصينية، لين جيان، جاء فيه ” جاء ممثلو حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية إلى بكين مؤخرا لإجراء مشاورات لتعزيز المصالحة الفلسطينية وإجراء حوار متعمق وصريح بين الجانبين، وأعربوا عن إرادتهم السياسية لتحقيق المصالحة من خلال الحوار والتشاور، وناقشوا العديد من القضايا المحددة وحققوا تقدما إيجابيا، واتفقوا بالإجماع على مواصلة عملية الحوار هذه، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية.” واعتبر ذلك نقطة دفع إيجابية نحو الوحدة الوطنية، لما تضمنه من خطوط عامة تشكل أرضية صالحة لمواصلة الحوار الثنائي والمشترك بين الفصائل المختلفة، وخاصة حركتي فتح وحماس.
حتى إن روسيا الاتحادية ممثلة بما أكد عليه المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف “عزم موسكو وبكين على الإسهام في توحيد الصف الفلسطيني،” في أعقاب اتصال عزام الأحمد، ممثل حركة فتح في الحوار آنف الذكر معه، ووضعه في صورة النتائج الإيجابية وهو في طريق العودة من بكين للوطن. ولم تكتف موسكو بذلك، بل إن وزارة الخارجية الروسية أصدرت بيانا في أعقاب الاتصال، جاء فيه “أخذا بعين الاعتبار نتائج الاجتماعات الفلسطينية في موسكو وبكين، تم الاتفاق على مواصلة الجهود الهادفة إلى توحيد الصف الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة على أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، بما في ذلك بمساعدة منسقة من روسيا والصين.”،
وكلا بياني القطبين الصيني والروسي عكسا الاهتمام الخاص بكل دولة على انفراد، وبشكل مشترك بالحوار الفلسطيني، والعمل على تحقيق اختراق إيجابي على طريق الوحدة الوطنية، لا سيما أن لهما ثقلا سياسيا ودبلوماسيا في المنظومة العالمية، وفي معادلات الصراع الدولية، ما يمنح القضية الفلسطينية والمشروع الوطني زخما قويا في مواجهة التحديات الإسرائيلية الأميركية والرأسمالية الغربية عموما.
وفي إطار حرص القيادة الصينية على مواصلة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، حضر قبل 10 أيام تقريبا المبعوث الصيني، وأجرى لقاءات مع ممثلي حركة فتح، ومع فصائل العمل الوطني في مقر السفارة الصينية في رام الله، وكان التقى بممثلي حركة حماس في الدوحة والفصائل الأخرى في دمشق، ودعا أولا للقاء بين حركتي فتح وحماس في 21 و22 يونيو في بكين، يليهما لقاء لكل الفصائل في 23 يونيو في العاصمة الصينية، وافقت حركة فتح على المقترح الصيني، لكنها طالبت بتأجيل اللقاء إلى 8 و9 يوليو القادم بين الحركتين، يعقبه لقاء مشترك للفصائل جميعا، وتم الاتفاق على ذلك، لكن بعدما أبلغ ممثلو الصين قيادة حركة حماس بالدعوة بالترتيب الجديد للحوار مع فتح، رفضت ذلك.
ووفق مصادر عليمة، فإن مسؤول العلاقات الفلسطينية، موسى أبو مرزوق في حركة حماس أرسل رسالة لممثلي الصين في الأيام الأخيرة قلب فيها الحقائق لجهة أولا ادعائه أن “قبول حركة فتح اللقاء الثنائي يتناقض مع أسباب رفضها اللقاء الجماعي.” وفتح لم ترفض لا اللقاء الثنائي ولا الجماعي؛ ثانيا ادعى أنه تم الاتفاق على جدول أعمال اللقاء مع الفصائل، وتم تسليم الاتفاق لوزارة الخارجية الصينية بشكل مشترك، ومما أوردته أعلاه في بيان الخارجية الصينية، أكد على ضرورة مواصلة اللقاءات الثنائية والموسعة مع الفصائل. والأهم لم تشر الخارجية من قريب أو بعيد إلى صيغة اتفاق متبلور بين الحركتين، بتعبير آخر، بقي قوس الحوار مفتوحا بينهما؛ ثالثا تساؤل عضو المكتب السياسي لحركة حماس عن جدوى اللقاء الثنائي بين الحركتين؟ وهذا الأمر غريب، لأن تمكن الحركتين من الاتفاق المحدد والواضح على خطوات تجسير الوحدة الوطنية يشكل الأساس الناظم لها، ودفعها قدما للأمام. وأسأل هنا ما الخشية من اللقاء الثنائي؟ أليس مطلوبا تعزيز الحوار بين الحركتين لردم الهوة في نقاط الخلاف، أم وراء الأكمة ما وراءها؟ رابعا الادعاء بأن حركة فتح، هي من رفضت اللقاء عار عن الصحة. لأن فتح طلبت تأجيل اللقاءات، وهناك فرق شاسع بين التأجيل ورفض اللقاءات، والعكس صحيح، تسعى حماس لقلب الحقائق كما هي عادتها ومهنتها دوما للتهرب من استحقاق الوحدة. لأنها لا تريد لخيار الوحدة المضي قدما، وكل ما يريده أبو مرزوق وقادة حماس من اللقاءات مع الصينيين، هو إقامة علاقات خاصة بها مع الصين، وليس حرصا على منح بكين شرف الإسهام بالوحدة.
كما أن وضع حماس العصي في دواليب اللقاء يتساوق مع ما يجري من خطوات لإقامة بديل عن منظمة التحرير في الدوحة ولندن وبرلين وسويسرا وغيرها من العواصم، حتى إن جماعة الإخوان المسلمين في الولايات المتحدة أخذوا بالتحرك دعما للخطوات التي يقودها عزمي بشارة ومعين الطاهر ومصطفى البرغوثي، التي تهدف لإيجاد بديل عن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد.
إذن رفض اللقاء، وقلب الحقائق رأسا على عقب، فضلا عن أنه جزء من ديدنهم، إلا أنه أيضا يسير باتجاه رفض المصالحة الوطنية، والسعي للانقلاب على منظمة التحرير، وهي ليست المرة الأولى، بل يمكن أن تكون العاشرة لحركة حماس ومن يدور في فلكها من قوى إسلاموية وأشباه يسارية، الأمر الذي يفرض على الأصدقاء الصينيين الانتباه جيدا للعبة الإخوان المسلمين، الذين لا يؤمنون بالوحدة والشراكة السياسية، مع أنها الدرس الأهم من حرب الإبادة الجماعية في يومها 264.