اخبار

قبور من الركام لآلاف المفقودين في غزة ..

“قتلوا زوجتي وأطفالي ويحرمونني من انتشالهم ودفنهم في قبور”، بقلب يعتصره الألم يلخص محمود أبو حصيرة حكاية وجع يومية، وجرح لم يندمل، منذ أن دمرت غارة جوية إسرائيلية منزله فوق رؤوس أفراد أسرته الصغيرة، و15 آخرين.

ولا يزال الوجع يتجدد يومياً لدى أبو حصيرة (37 عاماً) حزناً على زوجته أمل (28 عاماً) وطفليه زياد (8 أعوام) وغادة (5 أعوام) العالقين تحت أنقاض منزله المدمر غرب مدينة غزة.

في الشهر الثاني من الحرب الدامية التي شنتها قوات الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة عقب عملية “طوفان الأقصى” عام 2023، أغارت مقاتلات حربية على منزل أبو حصيرة وحولته إلى قبر كبير من ركام، ويقول للجزيرة نت “مرت شهور طويلة ولا تزال زوجتي وطفلاي ونحو 15 آخرين من ذوي زوجتي كانوا نازحين لدينا تحت الأنقاض”.

شاء القدر أن لا يكون أبو حصيرة موجوداً إلى جانب أسرته لحظة وقوع الغارة الغادرة، بيد أنه يقول “أشعر أنني جسد بلا روح، كأن روحي مدفونة مع زوجتي وأطفالي تحت الركام”.

وبحزن شديد كأن الجريمة وقعت للتو يتحدث أبو حصيرة عن شعوره المؤلم بالفقد الكبير “أشعر أن جرحاً غائراً في قلبي، ورغم مرارة الفقد فإنني أتشوق لانتشالهم من تحت الأنقاض، وإكرامهم بالدفن في قبور معروفة، لترتاح أجسادهم ويرتاح قلبي”.

وتلاحق الذكريات أبو حصيرة، ويقول إن الشعور بأوجاع الفقد يتعاظم لديه في شهر رمضان المبارك، وفي الأعياد والمناسبات الدينية، وفي أيام الجمعة “التي كان يحبها زياد رغم صغر سنه وكان يحب أن يرافقني لأداء صلاة الجمعة في المسجد”.

ويقدر جهاز الدفاع المدني أن نحو 10 آلاف مفقود، منهم 8 آلاف في مدينة غزة ومحافظة شمال القطاع، ونحو ألفين في مناطق جنوب القطاع، لا يزالون عالقين تحت أنقاض المنازل والمباني السكنية المدمرة منذ اندلاع الحرب، ولا تتوفر المعدات والآليات اللازمة لانتشالهم.

“أنا وآلاف من ذوي المفقودين تحت الأنقاض والركام محرومون من قبور تواري أجساد أحبتنا”، ويتساءل أبو حصيرة: هل يدرك العالم حجم الألم الذي نشعر به ونحن نعيش إلى جانب منازلنا المدمرة التي تبتلع أجساد زوجاتنا وأطفالنا وأقاربنا وأحبائنا؟

ومن بين 23 شهيدا من أبناء عمومته وزوجاتهم وأطفالهم، تمكن حمدان الجعل وآخرين من شباب عائلته ومتطوعين من الجيران من انتشال عدد محدود منهم، ويقول، إن “15 شهيدا بينهم نساء وأطفال لا يزالون عالقين تحت أنقاض المنزل المدمر”.

هذا المنزل المكون من 6 طبقات، في شارع الثلاثيني الرئيسي وسط مدينة غزة، كان يؤوي عددا كبيرا من الأسر فرقها النزوح، و”لولا عناية الرحمن لكانت المصيبة أكبر”، بحسب الجعل الذي يضيف أن “نصف سكان المنزل كانوا نازحين في جنوب قطاع غزة عندما وقعت الغارة بعد نحو شهر من اندلاع الحرب”.

بالأيدي الخاوية وبأدوات بدائية خاض شبان من العائلة “مهمة شبه مستحيلة” بحسب وصف الجعل، نجحوا خلالها في انتشال 8 من الشهداء، في حين لا يزال الركام الكبير يحول دون الوصول إلى العدد الأكبر من شهداء العائلة.

وتسببت هذه الجريمة في مسح أسرة بكاملها من السجل المدني، ويقول الجعل إن ابن عمه بكر الجعل (39 عاما) وزوجته وأسرته كلها (11 فردا) لم يعد لهم وجود، ويضيف بمرارة شديدة “قتلوا من دون ذنب.. إنه شعور يدمي القلب أن تقف عاجزا أمام انتشال شهداء، لأن الاحتلال يستكثر عليهم الدفن في قبور بمنعه إدخال المعدات والآليات الثقيلة لرفع الأنقاض”.

ويشعر أبو حصيرة والجعل بالأسى والحزن الشديدين مع كل غارة إسرائيلية تدمر منزلا سكنيا فوق رؤوس من فيه من أسر آمنة، وينجو منها من يتجرع الألم ويقيده العجز عن مواراة جثامين أحبته الثرى.

الجزيرة نت 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *