في غزة الناس ينتظرون مصيرهم ..مصطفى إبراهيم

الاخبار المتداولة حول سرقة 17 شاحنة مساعدات إنسانية من أصل 119 شاحنة، من قبل قطاع الطرق، وقصف الاحتلال مجموعة من فرق الحماية محبطة. وكان مخصصها منها 30 شاحنة مخصصة لمحافظتي غزة وشمالها،
لا يصدق ما يجري والحديث عن أن العالم ضعيف، وغير قادر على الضغط على دولة الاحتلال المستمرة في الإبادة الجماعية، وتهديدات الجيش الإسرائيلي بتحويل خانيونس نسخة أخرى من رفح، والناس في غزة منشغلون بموتهم القريب، وينتظرون الموت قصفاً أو جوعاً.
الادعاء أن العالم غير قادر على وقف الإبادة، وتجاهل العرب وأميركا موت الناس، وهي الوحيدة القادرة على وقف الحرب، وغطرسة نتنياهو وتصريحاته الحربجية بالقضاء على حماس في قطاع غزة، وأن عملية عربات جدعون أصبحت أمراً واقعا وستستمر عدة أشهر.
القول إن نتنياهو يريد إعادة تأهيل صورته بعد السابع من أكتوبر، محض كذب وافتراء وغير صحيح، وعربات جدعون انطلقت قبل أسبوع، وبدأ الجيش الاسرائيلي بتنفيذ عمليات القتل التدمير والخراب التي لم تتوقف أصلا.
نتنياهو وبناء على خطة الجيش الإسرائيلي، قال إن أحد أهداف الحرب كما هو محدد في خطة العملية. وهي متجددة، وتتمحور في “تركيز الناس ونقلهم” إلى الجنوب. وهي النقطة المهمة في عملية عربات جدعون. تركيز السكان ونقلهم يعرف باعتباره هدفاً للعملية، وليس وسيلة لتحقيق أهداف أخرى. الحقيقة أن الجيش الإسرائيلي بدأ بإجبار الناس على النزوح من شرق مدينة غزة، وأفرغ ما تبقى من الناس في شمال قطاع غزة، وهؤلاء نزحوا واقامتهم في قلب مدينة غزة وغربها إجبارية.
تدعي دولة الاحتلال أن هذا ليس نقلاً قسرياً للمدنيين إلى منطقة أخرى، بل هو بشكل مؤقت حتى انتهاء القتال؟ هذا هدف يجب تحقيقه. وإذا نجحت العملية في تحقيق أهدافها، فإن مليوني فلسطيني سيتجمعون في المنطقة الواقعة جنوب محور موراج يعني في رفح المدمرة، أي أقل من ربع مساحة قطاع غزة.
النزوح الاجباري تحت القصف المدفعي والغارات الجوية القاتلة تمهيدا لدخول القوات البرية هو التعبير البسيط بما يسمى النقل القسري، الذي يتم تنفيذه على نطاق واسع، كما هو مخطط له في القطاع، لا يشكل جريمة حرب فحسب، بل جريمة ضد الإنسانية.
وهذا تكرار المكرر منذ سنة ونصف السنة، وما الذي سيُفعل بالملايين من سكان غزة الذين سيتكدسون في رفح بين طريقي فيلادلفيا وموراج؟ يقول نتنياهو وحكومته علانية ان ذلك “تشجيع الهجرة” تنفيذا لفكرة ترامب بتهجير الفلسطينيين.
التصريحات والبيانات الصادرة من عدد من الدول الأوروبية عن عدم موافقتها على ترحيل الناس وتجويعهم في قطاع غزة، يذكرنا بالتصريحات التي صدرت عنهم وعن الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن أن رفح خطاً أحمر، ولن نسمح باحتلالها. وأين رفح الأن؟ رفح أصبحت خرابة، وإسرائيل تنوي تحويل خان يونس لخرابة أخرى وكذلك باقي مدن القطاع.
يبدو أن العالم بعد سنة ونصف لم يسمع إن الترحيل الجماعي، الذي يشكل جريمة ضد الإنسانية، لا يمكن تنفيذه فقط من خلال تحميل الناس في شاحنات تحت تهديد السلاح. إن القانون الدولي واضح جداً، حتى ممارسة الضغط الذي من شأنه أن يجعل الناس يرغبون في الفرار من مكانهم يعد ترحيلاً قسرياُ.
إسرائيل صاحبة خبرة كبيرة في تهجير الفلسطينيين، ومحاولة محو وتدمير تاريخهم وذاكرتهم، كما حصل في النكبة الأولى، عندما طردت أجدانا وابائنا بالقوة من بيوتهم ومصادرة أراضيهم، وما زالت تمارس نفس الجرائم في الضفة وتتجلى جرائمها وممارساتها في ترسيخ نكبة ثانية ما زالت مستمرة في قطاع غزة.
التجويع، وتدمير المنازل بالقصف والتفجير، وتدمير البنية التحتية والقضاء على ما تبقى من مرافق للصحة والتعليم والزراعة والصرف الصحي، وندرة الطعام، والقضاء على كل ما يجعل الحياة البشرية ممكنة.
العالم يتململ ويطالب بإدخال المساعدات الإنسانية، وإسرائيل تمارس عملية تضليل كبيرة، وترويج خطة اطعام الناس من خلال نقاط محددة حاطة بالكرامة الإنسانية، ولم يتخذ العالم أي إجراءات فعالة بفرض عقوبات على إسرائيل. الواقع لا يمكن مقارنة الضغوط السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي مورست من قبل أوروبا على روسيا عند احتلالها أوكرانيا، ومن أجل ذلك لم تعمل أوروبا على وقف القتل والتدمير التذي يتعرض له الفلسطينيون في قطاع غزة.
في غزة الناس ينتظرون مصيرهم، ولم يعد لهم خطط سواء للبقاء أو النزوح، حتى أنهم لا يستطيعوا التفكير في الحفاظ على ما تبقى من حياتهم، ينتظرون الموت وتعميق الجوع. ماذا ينتظر العرب اللذين هللوا ورقصوا للقاء ترامب، ومنحوه الهدايا الثمينة وتريليونات الدولارات، الحقيقة هي أن الكلمات تهرب منا في وصف حالنا وحال أنظمة العرب وتجربتنا القاسية معهم وخذلانهم طويل الأمد.