هل ما زلتِ على قيد الإنسانيةِ  أيتها البشرية ؟  هل ما زالت الرحمة والشفقة والعطف والمحبة جزءا من فطرتك ام أن الصهاينة حظروها عليك  أيضا ؟ هل من  المعقول أيتها البشرية الجمعاء أن يموت كل يوم في غزة عشرات الأبرياء حرقا وتقطيعا وجوعا في عامين من القتل والحرق بلا توقف ؟ هل من المعقول أيها الناس أننا  أصبحنا نتقبل ونقبل ونستسلم لهذا الموت اليومي المجاني لأجل إرضاء غريزة حفنةٍ من الحيوانات الوحشية الإجرامية ؟ هل من المعقول أيها العالم أنك بكل شعوبك وأسلحتك ومددك وعددك تعجز عن إنقاذ شعب غزة من هذه الوحوش التي طُُرِِدت من حيزالآدمية ؟ إلى أين نذهب ؟
بالأمس يطل علينا (الوزير)  كاتس برتبة مهرج مؤمن بالنتانياهوية  ليقول للمقاومة في غزة : سأفتح عليكم أبواب الجحيم  إن لم تقبلوا بشروطنا !  ، وقد قالها الذين من قبله فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون ، ما هو الجحيم الذي تتحدث عنه وقد جربنا كل انواعه ودرجاته أيها النازي ؟ ماذا بقي لديكم من الحقد والكره والقتل أكثر مما فعلتموه ؟ ، في سياق مشابه  يخرج علينا القذر الأشقر وهو يعرض خرائطه على الملأ ليظهر على مرأى العالم كيف يسرق أرض الضفة ويتهم العالم بالارهاب ، ومن قبله يخرج كبيرهم المالخ ليقول على الأعين بأنه موفد رباني لديه حلم تواصلي مع الله يأمره بسرقة وابتلاع أراض العرب وتوسعة المملكة السرابية .
لقد وصل العالم إلى مستوىً من الانحطاط السياسي والأخلاقي المتدهور إلى الدرجة التي يخرج بها المجرمون على الشاشات ويعلنون عن جرائمهم وأطماعهم وتهديدهم وقتلهم الأبرياء على مرأى من العالم والقوانين الدولية ، دون أن يعترض أحد أو يتحرك أحد لفعل شيء ، لم تنفع هيئة أمم ولا مجلس أمن ولا محاكم دولية ولا شرعية قانونية ولا برتوكولات عالمية ، لقد سقط كل شيء وتبين أن هذا العالم يعيش متعلقا  بقطعة خشبٍ طافية فوق بحر الضياع الاسرائيلي ومعرض للغرق في أي ظرف  ، وكل ما تم بناؤه طيلة سنوات الماضي هو محض سراب ، تلفتوا من حولكم في بحر الضياع لتشاهدوا الآتي :

ad

1-إدارة أمريكية راعية للخراب العالمي ، منتقاة بعناية ومفروزة بالكامل لتمثل حالة غرائبية في السياسة القائمة على البلطجة والعنصرية واللاأخلاق ، تفتقر لأدنى حدود اللباقة الدبلوماسية وتؤمن بأن تحطيم القوانين العالمية والدولية هو أساس نجاحها ، العدوى الترامبية فيها تتغلغل من أدنى موظف في البيت الأبيض إلى الناطقة الرسمية  بإسم هذا البيت ، إدارة فاقدة لأية لباقات أو تعاطف إنساني  مع الذين يقتلون كل يوم في غزة ولبنان واليمن وسوريا والسودان وليبيا ، غارقة في الرذيلة المحفوظة جيدا عليها وعاجزة حتى عن التلفظ بكلمة أو الاعتراض .
2- ثلاثة أسماء صهيونية  تتصدر الواجهات وتحكم القرارات وتمارس أشد درجات التزمت والحقارة السياسية وتمارس الجريمة عمليا ونظريا ولا تخجل ولا تتوارى عن أية تصريحات وقحة وعدوانية وتتباهى باعتداءاتها وشرها على الملأ وفي كل تصريح ، العجب الأكبر بأن هذه الثلاثية تبدو بأنها تحكم العالم من شرقه إلى غربه ولا تحفل بأحــد ولا تحسب حساب أحد.
3-حرب عبثية مستمرة لا أحد يفهم مغزاها ولا نهاياتها ولا الغاية منها ، قتل يومي لمدنيين ، تجويع  مروع واستهداف لكل شيء أو بنية تحتية ، حتى (الشعب اسرائيلي ) نفسه يطالب بوقفها وإنهاء هذه المهزلة في ظل تأكيدات عسكرية بتراجع كبير لقوة حماس العسكرية وكتائبها وقبول حركات المقاومة بهدنة طويلة المدى ، اعتداءات صهيونية على لبنان وسوريا واليمن ومصر ومستوطنون يعربدون على اهل الضفة ويقتلون ويسرقون الأراضي ، و تبدو انجازات الحكومة الاسرائيلية  قد حققت ما عجزت عنه حكومات سابقة في سنوات طوال .

ad

4- عجز عربي هبط  إلى قاع الارض بصحبة الوهن والعار التاريخي الذي لا يمكن مسحه ، عجز يسجل أعلى رقم قياسي عبر أنظمة الحكم لم يصله حتى ملوك الطوائف الأندلسية ولا فترات الحكم العباسي ولا قبله ولا بعده ، عجز على كل المستويات السياسية والعسكرية وحتى القيادية ، عجز في رؤية المسار والمصير، عجز عن إنقاذ شعب عربي مسلم يتعرض للإبادة الدموية وخطط التهجير المكشوفة  .
5-  لعب أو غياب دبلوماسي عالمي مضاف إلى حالة من العدمية والعبثية وتلاشي تأثير القوى العالمية الكبرى الفاعلة والمؤثرة ، الاتحاد الأوروبي بكامل ثقله وأعضائه وعلاقاته مع الكيان فقد دفة القيادة وأصبح مومسا في سوق النخاسة الترامبية ، لم يتمكن من ايقاف الجرائم المتواصلة ضد الإنسانية في غزة ، في الوقت الذي لا يتوانى فيه عن الوقوف الكامل مع أوكرانيا وإمدادها بالعتاد والسلاح والدعم اللامحدود ، روسيا البليدة عديمة الضمير بمعية الصين الأكثر بلادة وتحجرا  في نفس الوصف وصلتا حالة من السقوط الأخلاقي والجبن التاريخي لقول كلمة حق في شعب فلسطين والمنطقة العربية والاطلاع ولو بدورواحد مؤثر حيال الجريمة الكبرى ضد الإنسانية.
6- صولات وجولات دبلوماسية من (الوسطاء ) العرب المقتصرة على دولتين فقط وحياد الباقي شكليا ، والتي يبدو انها تريد إيقاف الحرب وتحقيق نوع من الهدنة بالاتفاق بين (الطرفين المتصارعين )  ، جولات تبدو مثل صفقات بيع الشعير أو التبن ولكن يبدو أن تغير سعر الشعير يقود التاجر إلى رفض الصفقة كل مرة  والانقلاب عليها ومرمطة كل الفرق والوفود ومن ثم زرع اليأس في قلوب أهل غزة المساكين الذين ينتظرون أي بريق أمل أو رحمة مفقودة في العالم التلمودي الصهيوني الذي انفجر من علبة التاريخ ليعم العالم كله.
المشهد اليوم يا سادتي يحمل في بطنه ايحاءات مؤلمة واستنتاجات مرعبة وبمعيتها أسئلة حرجة لا نستطيع البوح بها ،  لكن هنالك دوما حقائق مخفية تربض داخل الحقائق الظاهرية التي يجب فهمها جيدا حتى لا نسقط في بحر الضياع الاسرائيلي ، وإليكم بعضها : –
1-  إن الوصف الدقيق لما يجري في غزة هو حرب إبادة عالمية وليست اسرائيلية فقط ، حرب عالمية بالوكالة تشن على شعب أعزل صاحب الأرض والحق والشرعية التاريخية والدينية ، حرب عالمية دخلت فيها كل دول العالم بشكل مباشر أو غير مباشروصوتت على قتل غزة ، تساقط فيها الحديد والنار من السماء بكثافة لم يعهد التاريخ لها مثيلا ، طرق وحشية وفنون في الانحطاط الدنيء من التجويع وحرمان المعونات وتدمير أسس الحياة وتعمد الإيذاء مع الإهانة بأبشع الطرق ، غزة اليوم في ضمير الحقيقة السياسية تمثل أكبر معتقل نازي عالمي تساهم فيه معظم دول العالم بما تفوق على معسكرات النازية الألمانية التي حاربها العالم وأقسم على ألا يسمح لها بالحدوث مرة ثانية .
2-  إن النوايا المرسومة سلفا لغزة منذ اللحظة الأولى لها عنوان واحد فقط : القتل الشامل ، جريمة القتل الكبرى المسماة بالمحرقة أو الإبادة ، ليس التهجير إلا مكملا ثانويا و ذرا للرماد في العيون وإلا تم بأمرٍ بسيط من الحلفاء إجراء النقل الجماعي بغمزة عين ، لكن الكل كان متفقا على القتل وإسالة دماء أهل غزة جميعا بلا استثناء لرجل أو إمرأة أو طفل ، تمثيلية رفض التهجير وتمثيلية الوساطة وتمثيلية الإدانات ، وتمثيلية البكائيات ، والمؤتمرات والقمم والمحاكم الدولية ليست إلا ديكورات شكلية لامتصاص الصدمة ورد الفعل لدى الشعوب ، ومنح المجرمين أكبر وقت ممكن لإكمال المهمة ، وتم منح الموافقات والدعم والمال اللازم لهذه المهمة ، إن ما يجري في الضفة هو النموذج المثالي لفهم النوايا في غزة ، لهذا السبب فكل المفاوضات وأفلام ويتكوف 1 و ويتكوف2 و 3 و4 كلها أكاذيب وحيل  ولا يتأملن أحدكم شيئا من مفاوضات أو هدنة فالأمر ماض حتى يأذن الله بأمر من عنده .
3-  إن الدعاية الترويجية الضخمة للحملة العسكرية نحو غزة والتي يتم عزف موسيقى المارش والتسخين لها ليست إلا ذرا للرماد في العيون العمياء أصلا عن رؤية الحقيقة ، والحقيقة هنا موزعة في طرقات مختلفة أولها هو عجز الكيان الصهيوني عن تحقيق الكابوس الذي يحلم به وهو إرضاخ المقاومة وتركيع شعب غزة ، وثانيها هو الإعدادات التي تجري على قدم وساق لتوجيه ضربة تحالفية لإيران في استغفال لها  واعادة الاعتداء على لبنان، وثالثها هو منع الإنهيار الداخلي للكيان الصهيوني الذي وصل النقطة الحرجة والكلفة الباهظة الداخلية بتحقيق (الانتصار الكامل ) على المقاومة الفلسطينية التي أعيت العدو وكسرت كل وعوده بالنصر المطلق .
4-  إن كل تعبيرات الارهابي نتانياهو وجيش المخربين الخاص به وشعبه الدموي حول الإطاحة بالمقاومة وإزاحة غزة من الصورة لم تعد إلا مدعاة للسخرية ولا تتعدى جولات جديدة من الجرائم ضد المدنيين ، لقد تحررت المقاومة من صندوق غزة وأفلتت من كل حلف الشر الشيطاني وتعدت كل قبضاتهم لتصبح المقاومة الفلسطينية أيقونة العصر ومعجزة العالم الجديد في النموذج الاخلاقي و الصمود والبطولة والحرية ، لقد أصبحت دليلا جديدا في كتيب الارشادات الخاص بصناعة الكرامة البشرية المفقودة الحقيقية ، لم يعد هنالك من مجال لهزيمة هذه المقاومة حتى لو دمر جيش المخربين كل بيت في غزة وقتل كل مواطن فلسطيني لأن الروح المقاومة روح ملهمة لا تفنى ولا تستحدث ، بل تنتقل وتكبر ولا تصغر ، لا يمكن هزيمتها و لا الإطاحة بها ولو جاؤوا بكل أسلحة الكون .
5-  إن الهجمة الشرسة التي تزداد حدةٍ على المقاومة الفلسطينية واللبنانية من الفرق المتصهينة العربية بكل ألوانها ووظائفها ومراكزها الإعلامية والصحافية والشخصيات الرسمية ، تمثل جزءا لا يتجزأ من نسيج  الهجمة على شعوبنا وعلى أية بارقة أمل لنهضة الشعوب ، وهذه الهجمة كشفت نوعا جديدا من صهاينة العرب الذين راحوا يُذنِبون المقاومة في كل بلد ويكليون لها الاتهامات بجلب الدمار والخراب ويعلبون التضحيات والانجازات بوصفها تبعية لأيران أو بأنها (أذرع ايرانية ) وكأن شعوب العرب بلا كرامة أو قرار أو قدرة على النهوض من رماد المستعمر .
6-  إن الصورة الحقيقية  المخفية غير الظاهرة لهذه المعركة  التي يبدو فيها أن العدو حقق انجازات واسعة ، هي أن الصهيونية العالمية خسرت خسارةً مدوية في معركتها مع المقاومة في غزة ، لقد انتصر هذا الشعب العظيم بصموده وقتاله وتضحياته التي فاقت الخيال ورفضه لكل إملاءات الحلف الشيطاني ، لقد خسرت الصهيونية رغما عن التريلوينات التي دُفعت لها وخسرت رغما عن مئات الالاف من جيوشها ومئات الالاف من أسلحتها وعتادها ، لقد خسرت رغما عن كل جرائمها وقتلها للأبرياء بالالاف وتدميرها لغزة ولبنان وعدوانها على اليمن وسوريا ومحاولات التمدد المدعاة ،  لقد خسر المشروع الصهيوني أكذوبة شرعيته التي كان يتمسك بها طيلة عمره ، وخسر مصداقيته وديموقراطيته المزيفة وخسر روايته التي ثبت بطلانها وكذبها وخسر مكانته وتحالفاته وانفضح بجرائمه وتهديده للأمن العالمي ، إن مسألة انهيار هذا الكيان وسقوط فريق المجرمين ليست إلا مسألة وقت فقط ، إن ما يحدث في غزة هي معجزة العصر لمن يفقه معنى المعجزة وظروف تكوينها ، معجزة العودة الى الفطرة الانسانية النقية لأعادة ميلاد مسرح النهوض الكبير لأمة العرب وانتاج نوعيات جديدة غير معتادة من المفكرين والمقاتلين والعلماء والمفسرين  ، إنه نفس مسرح ولادة اللحظات العظيمة والمنعطفات التاريخية التي تغير كل شيء .
غزة العظيمة ليست مشروع  طعام من جوع ولا هي ادخال مساعدات ولا هي سلاح حماس ولا هي دولة من كرتون يمنون علينا بالاعتراف بوجودها تحت رعاية الصهيونية ، غزة اليوم تحمل قضية فلسطين بل قضية العرب بين يديها من أجل كرامة هذا الإنسان العربي في كل مكان ، ليس نتانياهو هو الذي سيغير وجه الشرق الأوسط ، بل غزة هي التي ستغير وجه هذا العالم  .
كاتب عربي من فلسطين

شاركها.